ما هو «خميس الجسد الإلهي» ولماذا تحتفل به زحلة خصوصا؟

BEKAA.COM –
«خميس الجسد الإلهي» طقس كنسي تحييه خصوصاً الطوائف الكاثوليكية واللاتينية التي تتبع التقويم الغربي. الطوائف المسيحية في كل أنحاء العالم تحتفل بهذه المناسبة التي تصادف أول خميس يلي «أحد العنصرة» (الذي يأتي بعد خمسين يوماً من عيد الفصح، ويصادف غالباً في شهر حزيران).

خميس الأسرار كان العيد الوحيد للاحتفال بسر القربان المقدّس. أي جسد المسيح ودمه اللذان سلمهما لكنيسته قوتاً روحياً، اي أن السيد المسيح منذ ليلة آلامه أعطى الكهنة بواسطة رسله سلطاناً أن يصنعوا سرّ جسده ودمه بالكلمات التي قالها بقوة الروح القدس. 

وحدث أنه فيما كان البابا اوربانوس الرابع Urbanus IV يمضي فصل الصيف في أورفياتّو في إيطاليا صادف هنالك وجود أحد الكهنة المشكّكين بحقيقة وجود يسوع في الإفخارستيّا يحتفل بالذبيحة في كنيسة القديسة خريستينا ولمّا قدّس هذا الكاهن الخبز توقّف ونادى قائلاً: هل هذا حقاّ أنت يا ربي؟”، وإذا بالبرشانة المقدّسة تحمرّ ويسيل منها الدم حتّى تبلّلت الصمدة وأغطية المذبح.. وما زالت هذة الصمدة المخضّبة بدم المسيح محفوظة في علبة زجاجيّة في كاتدرائية أورفياتّو حتّى يومنا هذا.

لم تكن هذه الأعجوبة الأولى من نوعها. وعلى أثرها، أصدر البابا اوربانس الرابع براءة رسوليّة في 11 آب 1264 عمّم من خلالها على الكنيسة جمعاء هذا العيد باسم عيد جسد المسيح. وطلب البابا وضع طلبة وزيّاح للقربان المقدّس من راهب دومنيكاني يدعى مار توما الأكويني، ولا نزال حتّى يومنا هذا نردّد نفس الطلبة والتي تمّت ترجمتها للغة العربية سنة 1881 من قبل المطران جرمانس فرحات.

ولكي يكون هذا العيد مفيدًا لتثبيت الإيمان المستقيم ودحضًا لاعتراضات الهراطقة، أمربأن جميع المسيحيين يطوفون بالقربان المقدس في كل المدن والقرى بكل ما يقدرون عليه من الإجلال والتكريم. وكتب بذلك إلى جميع رؤساء الكنيسة فأوجبوا رسمهُ. ومن ذلك الزمان إلى يومنا هذا صار هذا العيد عند المسيحيين من أفضل وأبهج الأعياد السنوية.

إلا أنه، في زحلة، يُعتبر هذا العيد مميّزا وخاصاً بالمدينة ولذلك أعجوبة أخرى تتناقلها الأجيال. فمنذ 192 عاماً، ومن دون انقطاع، يحيي الزحليون هذه المناسبة إحياءً لإنقاذ «القربان المقدس» مدينتهم من الطاعون.

يقول رئيس أساقفة زحلة والفرزل المطران عصام درويش: ” لقد بدأت زحلة تحتفل بعيد الجسد في عام 1825. أمر مطران المدينة آنذاك، المثلث الرحمات أغناطيوس عجوري، اثر مرض الطاعون الذي تفشى في المدينة وفتك ببعض أبنائها، بإقامة زياح كبير للقربان المقدس في شوارع المدينة ورفع الصلاة والبخور، وسرعان ما انحسر المرض وعاد الناس يعيشون بفرح وأمان. وعلى الأثر أعلن المطران عجوري أن يوم خميس الجسد سيكون يوم عيد سنوي خاص لزحلة يتم فيه التطواف بالقربان المقدس في الشوارع وبين البيوت باحتفال كبير. وصارت زحلة تسمى “مدينة القربان” كما سُميت بعد ذلك عام 1860 “مدينة العذراء”.

ويذكر المؤرخ عيسى إسكندر المعلوف في كتابه «تاريخ زحلة» هذه الحادثة ويضيف «..وكانت الأعجوبة الكبيرة، حيث انقطع دابر ذلك الوباء بين سكان المدينة دون سواها من المناطق اللبنانية التي لم تنجُ من هذا المرض».

ومذذاك، تحتفل المدينة والقرى المجاورة بـ«عيد أعياد زحلة»، بمواكب تضم المئات ويتقدمها أساقفة وكهنة ووجوه سياسية واقتصادية واجتماعية. تنطلق المواكب سيراً على الأقدام (تضم نسوة حافيات إيفاء بالنذور) في ساعات الفجر الأولى من أمام الكنائس بعد إقامة القداديس، وتطوف في الأحياء حاملة «القربان المقدس» والشموع وصوراً ورموزاً دينية، قبل أن تلتقي كلها أمام مبنى سرايا زحلة، حيث يقام قداس احتفالي تتخلله كلمة لراعي أبرشية الفرزل وزحلة لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك. بعدها، تنطلق المواكب مجدداً تتقدمها فرق كشفية وموسيقية وتلامذة مدارس وجمعيات خيرية وتتوجه إلى كنيسة سيدة النجاة (مركز مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك)، حيث يقام قداس جماعي تختتم فيه احتفالات هذا اليوم الطويل الذي يعتبر يوم عطلة في المدينة. ولا يفوّت كثيرون من أبناء زحلة في الاغتراب المشاركة في هذه المناسبة التي تجتذب أيضاً مسيحيين عرباً من سوريا والأردن وغيرهما.

ويقول المطران درويش: “في فترة من الزمن تحول الى عيد سياحي اجتماعي الى جنب العيد الديني. وكانت تأتي المدينة وفود من كل انحاء لبنان ومن البلدان العربية المجاورة، خاصة من سوريا، وتجري فيه سباقات خيول وسيارات مزينة وحفلات غناء ومسرحيات ثقافية… وكان الوادي يعج بالزوار الذين يقضون ليلتهم بلا نوم وكان يختم بالتطواف الديني.

ومنذ حوالي أربعين سنة أُلغيت كل هذه المظاهر السياحية واقتصر العيد على تطواف بالمشاعل تقوم به ليلة العيد فرق الكشافة في المدينة، وتطواف ديني نهار العيد يبدأ بالقداديس في الخامسة صباحاً، حيث يصلي الجميع ويتناولون القربان المقدس ثم ينطلقون في مسيرة كبيرة تشمل أكثر أحياء المدينة والبولفار، لمدة خمس ساعات، وتنتهي في سيدة النجاة. وكان بعض الرعايا يؤجل التطواف الى بعد ظهر الاحد الذي يلي الخميس. وفي سنة 1986، وبأمر من مجلس اساقفة زحلة والبقاع، الغيت كل التطوافات التي كانت تجري في الاحياء، إما بعد ظهر الخميس او الاحد او أي تطواف مستقل، وتوحد التطواف بتنظيم مفصل في البرنامج الذي يطبع ويعلن كل سنة.”

الجمعة 21 حزيران 2019

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *