روما – طلال خريس – الوكالة الوطنية للإعلام –
انطلقت أمس في فندق “باركو دي برنسيبي”- روما القمة المصرفية العربية الدولية IABS لعام 2019، بعنوان “الحوارات المتوسطية العربية – الأوروبية من أجل منطقة اقتصادية أفضل”، والتي ينظمها اتحاد المصارف العربية، بحضور الامين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط، رئيس اتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، نائب رئيس البنك الدولي الدكتور محمود محي الدين، رئيس قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا قطاع الشؤون السياسية والامنية لدى الناتو نيكولا دي سانتيس، الرئيس التنفيذي ورئيس لجنة الشؤون الدولية لرابطة البنوك الايطالية (ABI) جويدو روسا.

ومن لبنان يشارك في القمة، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية مي شدياق ورئيس جمعية مصارف لبنان رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزيف طربيه والأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح ومصرفيون.

الصباح
وألقى رئيس مجلس ادارة إتحاد المصارف العربية كلمة قال فيها: “إن خيارنا في عقد هذه القمة في روما، هذه العاصمة الساحرة العريقة، التي شكلت على مدار العقود الماضية نقطة الإرتكاز في دفع مسيرة الحوار العربي الأوروبي، ومد جسور التعاون الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والحضاري والعلمي بين كافة المدن المتوسطية، وها هي اليوم تستضيف هذا الحوار المصرفي العربي المتوسطي استكمالا لهذا الدور، وإيمانا منها بمبادرة إتحاد المصارف العربية، في تعزيز وتطوير التعاون بين المصارف الأوروبية والمصارف العربية، خصوصا وإن التطورات التي يشهدها العالم من حروب تجارية، وعقوبات، ومقاطعة، وغيرها، أصبحت تشكل مصدر قلق كبير على مؤسساتنا المالية واقتصاداتنا، وحتى على علاقاتنا مع دول الجوار”.

أضاف: “إن القمة المصرفية العربية الدولية التي يعقدها الإتحاد مداورة بين عواصم القرار الدولية في باريس ولندن وروما وبرلين وبودابست وغيرهما من العواصم الدولية، ليست إلا رسالة نحاول من خلالها تكريس التعاون المصرفي العربي – الأوروبي، وتعميق العلاقات مع صناع القرار والمشاركة فيه، والإستفادة من الخبرات والكفاءات وتبادل التجارب، وصولا إلى حوار مستدام جوهره بناء قاعدة من العلاقات الإقتصادية والمصرفية والمالية، على أسس متينة عنوانها حوار سياسي واقتصادي على مختلف المستويات، وإقامة منطقة سلام واستقرار في منطقة البحر المتوسط”.

وتابع: “يهمني في هذه العجالة أن أعرض بعض المؤشرات الهامة عن قطاعنا المصرفي العربي الذي يضم 650 مصرفا، فقد بلغت موجوداته المجمعة 3.5 تريليون دولار في الربع الأول من العام 2019، وأصبحت بالتالي تشكل 140% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، وهي نسبة مرتفعة جدا. وبلغت الودائع المجمعة حوالي 2.2 تريليون دولار ما يعادل 80% تقريبا من حجم الإقتصاد العربي، وبلغت حقوق الملكية حوالي 410 مليارات دولار محققة نسبة نمو حوالي 2% عن نهاية العام 2017. كما تشير التقديرات إلى أن حجم الإئتمان الذي ضخه القطاع المصرفي العربي قد بلغ 1.9 تريليون دولار، وهو ما يشكل نحو 70% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي. وتدل هذه الأرقام على المساهمة الكبيرة التي يقوم بها القطاع المصرفي العربي في تمويل الإقتصادات العربية رغم استمرار الإضطرابات الأمنية والإقتصادية والإجتماعية في عدد من الدول العربية”.

وأكد أن “اتحاد المصارف العربية يتطلع دائما إلى أن يكون قطاعه المصرفي العربي بمنأى عن أي صراعات أو تطورات قد تعيق دوره الإقتصادي والإجتماعي، وأن يبقى جسر تواصل متينا مع المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، ومنصة للحوار حول كل ما يهم مسيرة العمل العربي المشترك. كما ان القطاع المصرفي العربي حريص أيضا، على تعزيز تبادلاته المصرفية في أوروبا في إطار رؤية أشمل لتنمية العلاقات وتعزيز الإنفتاح والتعاون المصرفي والمالي واستثمار الفرص التي يتيحها هذا التعاون في طمأنة المستثمرين وتنشيط الإقتصاد، خصوصا في ضوء قطاع مصرفي متطور ومنفتح على العالم، ويعمل ضمن ضوابط أكثر تشددا ويحقق بيانات إيجابية”.

شدياق 
بدورها، قالت شدياق: “يسعدني أن أتقدم بالشكر والتقدير للجمهورية الإيطالية رئيسا وحكومة وشعبا لاستضافة هذه القمة الهامة، والهادفة إلى تعزيز الحوارات المتوسطية العربية والأوروبية من أجل إنشاء منطقة اقتصادية أفضل. وإنني كوزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية في لبنان، أنتهز هذه المناسبة لأدعو إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين أوروبا والبلاد العربية وأن يخصص لها مكان خاص وواسع من النقاش، وخصوصا في ما يتعلق ببلدي الحبيب لبنان”.

أضافت: “يستند رفاه الشعوب وتطور مستوى عيشها الى النمو والتنمية الاقتصاديين في بلدانها. والنمو والتنمية يستندان الى تطور الاعمال والنشاطات الاستثمارية والتجارية والمصرفية، والتي بدورها تحتاج الى توفر متطلبات أساسية منها: وجود قطاع خاص ديناميكي ومبادر، وقطاع عام كفؤ وفعال، وتوفر بيئة اعمال جيدة ومتطورة، وحوكمة رشيدة، وحكم قانون، وبالطبع استقرار سياسي وأمني. الا ان معظم الدول العربية تمر اليوم في ظروف صعبة، يخيم عليها كابوس الحروب والنزوح. وهي تحتاج إلى الكثير لكي تستعيد الحياة الطبيعية. وهكذا، يعاني عدد كبير من الدول العربية، وبشكل أساسي لبنان، من عدم توفر المتطلبات التي ذكرتها. فنتيجة للاختناقات السياسية، والصدمات الأمنية الداخلية التي شهدها لبنان خلال العقد ونصف العقد الماضيين، والحروب المتنقلة من حوله، أدت الى تراجع مرتبة لبنان في معظم تلك المؤشرات. فقد احتل لبنان المرتبة 142 عالميا في سهولة القيام بالأعمال، والمرتبة 138 في مؤشر السيطرة على الفساد، والمرتبة 130 في جودة البنية التحتية، والمرتبة 135 بالنسبة للهدر في الانفاق الحكومي. وكل ذلك أدى إلى صعوبة القيام بالنشاطات الاقتصادية والمالية، وإلى تراجع الاستثمارات بشكل كبير، وهي التي تساهم في زيادة النمو ومكافحة البطالة والفقر”.

وتابعت: “في مواجهة كل تلك الأجواء الصعبة، فإننا اليوم في الحكومة اللبنانية نعمل ليل نهار، ونبذل جهودا ضخمة، وبفعالية وكفاءة وشفافية لتخفيض العجز في الموازنة العامة، والحد من الدين العام، وتطوير الحوكمة في القطاع العام، وتعزيز الشفافية في صنع القرار. وكل ذلك يستند إلى إيماننا بأن التنمية الإدارية هي من أهم المفاهيم الحديثة السائدة اليوم، والتي أصبحت واحدة من الأهداف التي تسعى الحكومات والمجتمعات والمنظمات إلى تحقيقها وبلوغها، وتتمثل في عملية التطوير المستمر التي تشمل جميع النواحي الحياتية وتهدف بصورة رئيسية إلى الارتقاء بالحياة الإنسانية والوصول بها إلى درجة الرفاهية”.

وختمت: “أخيرا أود أن أؤكد بأن الإدارة الناجحة في أي بلد في العالم هي فعلا عصب الاقتصاد وبوابة النجاح في استقطاب الاستثمارات، وتخفيف العجز وزيادة النمو والتنمية. وعليه، فإن الحكومة اللبنانية ماضية بشكل حثيث في إجراءات الإصلاحات اللازمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية وخصوصا لجهة إصلاح الإدارة بما يتوافق مع إرشادات المؤسسات الدولية وخصوصا البنك الدولي”.

طربيه 
وقال طربيه: “يأتي مؤتمرنا هذا العام في ظل استمرار الاضطرابات المتنقلة التي تهز العالم العربي حيث تطغى المستجدات الاقليمية والدولية بتداعياتها وحالات عدم اليقين التي تولدها، على جدول اي اعمال اخرى. فمنطقتنا تتموضع اليوم في اعالي سلم نقاط الاستقطاب العالمي بفعل حجم ثرواتها وصراع المصالح عليها. هناك محاور أساسية تقتضي مناقشتها، تنطلق من مسألة جوهرية تقوم على تقييم العلاقات المصرفية العربية – الأوروبية والمتوسطية، وما هو مطلوب من اجل صياغة مبادرات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز هذه العلاقات، وفتح قنوات التعاون والتجارة والإستثمارات الثنائية”.

أضاف: “هناك مصلحة لأوروبا في الازدهار الاقتصادي لبلداننا العربية لأن هناك فائدة متبادلة في ذلك بالنظر الى الانعكاس الايجابي للتنمية الاقتصادية على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والامني في المنطقة التي بفعل ثرواتها تقف في اعلى المراتب الاقتصادية. فإضافة الى دول الخليج، نشهد في عالمنا العربي نشوء مراكز اقليمية جديدة للنفط والغاز، بعضها بدأ يتحقق كما هو حال مصر، والبعض الاخر في طريق التحقق كما هو الحال بالنسبة للبنان قريبا وربما غيره ايضا من الدول العربية. ولكن بالمقابل تعاني منطقتنا منذ عدة سنوات تراجعا في معدلات النمو بفعل وقوعها في عين الاحداث الجيوسياسية الخطيرة حيث تتسابق الرسائل النارية لوضع المنطقة على حافة الهاوية. ولا ننسى كذلك العقوبات التي تفرض على سلوكيات بعض الدول، وقد انهكت تلك العقوبات الناتج المحلي للدول المعنية واوقعت اقتصاداتها في الانكماش وتدهور العملات، واصابت شظاياها دول الجوار. وقد تأثر تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر بهذه الاجواء السلبية في ظل تنافس دولي ممحور على جذب الاستثمارات”.

وتابع: “لقد أدت الأحداث الأخيرة في جميع أنحاء العالم إلى إعاقة فرص التعاون والإستثمار الثنائي، وخلقت حالة من التوتر بين الجيران الإقليميين في المناطق العربية والأوروبية المتوسطية، حيث باتت الحاجة ضرورية لتعزيز الثقة في ما بينهم للقيام بالأعمال التجارية والعلاقات المصرفية. ولعل الأمن هو أكثر العوامل إلحاحا لتطوير العلاقات الإقليمية والعابرة للحدود، فعلى مدى السنوات الماضية شهدت منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولا تزال تغيرات مفصلية من التوتر والعنف والأزمات، فمن خلال التصدي لخطر الحروب والتطرف والإرهاب، إضافة إلى أزمة اللاجئين الإنسانية، أصبحت المنطقة تعتبر مركزا للتحديات المأسوية التي تواجهها الدول العربية والمتوسطية والأوروبية، وهي تحديات ذات نتائج خطيرة إذا ما تركت دون مراقبة.

وقال: “إن العلاقات المصرفية – الأوروبية، علاقات تاريخية عريقة تعود لعقود من الزمن، حيث تنتشر المصارف العربية اليوم بين فروع خارجية ومصارف تابعة، وفروع لمصارف تابعة، بشكل كبير في القارة الأوروبية، بدءا بالمملكة المتحدة وفرنسا وسويسرا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا وقبرص، وصولا إلى هولندا وبيلاروسيا، ومالطا، وموناكو ورومانيا ولوكسمبورغ وروسيا. وفي المقابل، تتواجد فروع تابعة لمصارف أوروبية كبرى في عدة دول عربية. أما بالنسبة للعلاقات التجارية، فقد حلت أوروبا كثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بحصة تتجاوز 25% من مجمل التجارة العربية. كما أن الدول الخليجية العربية لديها استثمارات ضخمة في أوروبا في مختلف المجالات، مثل المصارف والفنادق والعقارات وشركات الطاقة وشركات الطيران وغيرها. فيما تبدو الإستثمارات الأوروبية محدودة جدا، حيث لم تتجاوز 1% من الاستثمارات الأوروبية الخارجية”.

أضاف: “ان ما نشكو منه حتى تاريخه قصور الشراكة الاوروبية المتوسطية والعربية عن تحقيق الاهداف المرجوة منها، ويتمثل هذا الفشل حاليا بشكل ذريع في موضوع الامن ومحاربة الفقر والحد من الهجرة، واحداث تقدم في عملية السلام في المنطقة، بل تفاقم موضوع الحروب والنزاعات المسلحة. وتبدو اوروبا عاجزة عن فعل الشيء الكثير اذ يبدو واضحا ان ليس لديها سياسة خارجية موحدة وفاعلة وكذلك ليس للعرب استراتيجية مشتركة تجاه اوروبا، وكذلك تجاه الولايات المتحدة الاميركية التي تبدو خياراتها الاستراتيجية اكثر حيرة مع تفاقم الاحداث في المنطقة، والاهتزاز الخطير للامن الاقليمي”.

وتابع: “إننا ندعو من خلال منتديات الحوار بيننا وبين اوروبا الى تغيير الاولويات الاوروبية السائدة سابقا، والتي كانت تهدف الى الحد من الهجرة مقابل سد حاجات الدول العربية المعنية من خلال برامج التمويل والمساعدات. ان ما نتطلع اليه هو علاقات اكثر عمقا تقوم على اساس الشراكة الاستراتيجية من خلال العمل على انهاء النزاعات العسكرية في المنطقة والعمل على احلال السلام العادل، وكذلك الشراكة الاقتصادية وفي ميادين تنمية الموارد البشرية، والحفاظ على البيئة والمناخ ومكافحة تبييض الاموال والجريمة المنظمة من اجل تحويل منطقة البحر الابيض المتوسط التي تجمع بيننا الى منطقة مستقرة ننعم فيها جميعا بالسلام والازدهار”.

وأردف: “اننا نتطلع أن تخرج هذه القمة بقناعة، أن دول الإتحاد الأوروبي لا يمكنها المحافظة على رفاهيتها إلا عندما يتمتع جيرانها المباشرون بالاستقرار، لذلك فإننا ندعو إلى فتح الأبواب أمام دخول سلع الدول المتوسطية إلى أسواق أوروبا، والإفادة من الإستثمارات المتبادلة، ونقل المعرفة والمهارات، وتفاهم أوسع في الميادين الثقافية والحضارية والإنسانية، من خلال التعاون في المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وصولا إلى إقامة منطقة رخاء وسلام وتبادل تجاري حر”.

وختم: “إن المنطقتين العربية والأوروبية، بحاجة ماسة إلى التكامل والتعاون من أجل تقريب المفاهيم والأنظمة والقوانين، وتقليص الفروقات وتحويلها إلى فرص تكامل وقيم مضافة، فلأوروبا والعالم العربي مصالح راسخة في إيجاد حلول لتحديات كل منهما كجيران وشركاء إقتصاديين وأصدقاء، آملين التوجه إلى اقتصادات أكثر انفتاحا واستدامة وانصافا، والإتحاد الأوروبي مدعو اليوم إلى مشاركة فاعلة في مسار تكوين الهوية الإنتاجية للمنطقة، من اجل ايجاد فضاء ينعم بالرفاه والاستقرار والامان لجميع الاطراف”.

أبو الغيط 
وتخلل القمة كلمة للامين العام لجامعة الدول العربية قال فيها: “عندما نتحدث عن منطقة المتوسط، فإننا نشير -في واقع الأمر- إلى بحيرة صغيرة لا تتعدى مساحتها 1% من مساحة المعمورة. غير أن ضفاف هذا البحر شهدت، كما نعرف، ولادة وازدهار الحضارة البشرية، فما من فكرة أو عقيدة كبرى إلا ولها أصل حول البحر المتوسط الذي كان، ولا زال إلى اليوم، معبرا للسلع والأفكار والبشر، ومحورا للتبادل التجاري والتلاقح الثقافي في كل الاتجاهات”.

أضاف: “ليس المتوسط تاريخا فحسب، وإنما هو حاضر بقوة في تفاعلات العالم المعاصر، إذ تمثل منطقة المتوسط تجمعا بشريا هائلا يضم 500 مليون إنسان ينتجون نحو 10% من الناتج العالمي، وتعبر خلال البحر المتوسط نحو 20% من التجارة البحرية العالمية. إنها منطقة كبرى تحمل بين جنباتها طاقات هائلة وإمكانيات نجاح وازدهار، إلا أن هذه الإمكانيات لم تستغل بعد إلى طاقاتها القصوى، فحاصل التعاون بين دول ضفتي المتوسط يحمل وعدا وأفقا أبعد بكثير مما هو قائم الآن”.

وتابع: “إن منطقة المتوسط تسير على حبل مشدود بين اليأس والرجاء، فبوسع الناظر إليها ألا يرى فيها سوى حزام أزمات ممتد لا يحمل إلا تهديدات الهجرة غير النظامية واللجوء والمشكلات السياسية والاجتماعية، وبوسع الناظر أيضا أن يرى فيها الإمكانيات الكامنة والطاقات غير المستغلة، والوعد بالازدهار المشترك لجميع أبنائها عبر التعاون والتكامل بين ضفتيها. إن الأمر يعتمد على زاوية النظر، وقد علمنا التاريخ أن نهجا يقوم على التحسب والخوف من الآخر لا ينتج إلا شكوكا متبادلة وعجزا عن العمل المشترك. أما النهج الصحيح -من وجهة نظري- فهو أن ننظر إلى المنطقة نظرة تكاملية واقعية تأخذ في الاعتبار الأزمات والمشكلات القائمة، ولكن لا تنكر -في الوقت ذاته- الإمكانيات والطاقات الكبيرة والأفق الواعد في المستقبل”.

وأردف: “الحق أن العلاقة بين ضفتي المتوسط متشابكة ومتعددة الأبعاد والجوانب، ومن الخطأ حصرها في قضية بعينها، كالهجرة غير النظامية أو غيرها أو النظر إليها من الزاوية الأمنية وحدها. وقد أخذت القمة العربية – الأوروبية الأولى التي عقدت بمصر في فبراير الماضي بهذه النظرة التكاملية، فتناولت العلاقات بين الطرفين في مختلف جوانبها وقضاياها، بصراحة وانفتاح كاملين، وبإدراك من كل طرف لشواغل الطرف الآخر ومصالحه واهتماماته. وقد كانت القمة حدثا كبيرا بحق، إذ عكس إدراك القيادات، على الجانبين العربي والأوروبي، بأن العلاقات بينهما استراتيجية، وجوهرية لاستقرار هذا الفضاء البشري والجغرافي الهائل، والذي يعج بالحيوية والطاقة”.

وقال: “لا يخفى ما يعانيه العالم العربي من مشكلات اقتصادية تتعلق بالتنافسية وبيئة الأعمال والتوظيف وغيرها، وجميعكم، وأنتم أهل الاقتصاد والمال والأعمال، على دراية كاملة بطبيعة تلك المشكلات وما تفرزه من أزمات اجتماعية وسياسية. على أن الجديد الذي ألمسه اليوم، هو توفر إرادة التغيير والإصلاح لدى الكثير من الحكومات والقيادات العربية، ثمة إدراك بأن الإصلاح المطلوب يتطلب تغييرات جوهرية في الإدارة الحكومية والكفاءة الاقتصادية. يتطلب الإصلاح كذلك مواجهة مباشرة للمشكلات المتأصلة في الاقتصادات العربية منذ عقود، لا التهرب منها والالتفاف حولها أو معالجتها بحلول وقتية. وأرى هذه الروح الجديدة واضحة بجلاء في عدد من برامج الإصلاح التي تباشرها الحكومات العربية في المرحلة الحالية، وبعض هذه الحكومات احتل مكانة متقدمة للغاية على مؤشر التنافسية العالمي وبعضها حقق نجاحات ملموسة على صعيد التنمية بمعناها الشامل”.

أضاف: “إن الأولوية الأولى اليوم لدى الحكومات العربية هي رفع معدلات التشغيل وبخاصة بين الشباب، ويتطلب ذلك إطلاق بيئة حافزة على الابتكار، حاضنة للابداع، وحيث تتاح الفرصة أمام الاستثمار، المحلي والأجنبي، وبخاصة في المشروعات الناشئة المولدة لفرص العمل، وكذا في المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. ولا يمكن إطلاق هذه البيئة الاقتصادية الحاضنة للابتكار من دون فلسفة جديدة للقطاع المصرفي والنظام المالي تسمح بتوفير التمويل اللازم لمثل هذه المشروعات، سواء الناشئة أو الصغيرة، عبر مختلف الأدوات المالية والمصرفية”.

وتابع: “لا شك أن مؤتمر اليوم يعد فرصة نادرة للحديث عن شراكة حقيقية بين الجانبين العربي والأوروبي على الصعيد المصرفي بالتحديد، وبغرض تمهيد السبيل أمام تبادل الخبرات وأفضل الممارسات، وبما يضع أساسا لتعاون وثيق وممتد في هذا القطاع المهم يحقق أهداف الجانبين، العربي والأوروبي، فالمنطقة العربية لا تحتاج فقط إلى استثمارات أو تمويل، وإنما أيضا إلى اكتساب خبرات جديدة في الأدوات المالية أو ما يعرف بالتكنولوجيا المالية والشمول المالي وغيرها. أما الجانب الأوروبي فيحتاج من دون شك، الى ضخ حيوية جديدة في اقتصاداته في مرحلة ما بعد التقشف وما بعد الأزمة المالية. وأظن أن السوق العربي الواعد بإمكانياته يعد وجهة مثالية للدول الأوروبية، والمتوسطية منها بالذات، ليس فقط كسوق استهلاكي ضخم وإنما بالأساس، كوجهة للاستثمار والشراكة والتوظيف في العديد من المشروعات الناشئة والقطاعات الواعدة كالطاقة وتكنولوجيا المعلومات والصناعات التقليدية”.

السفيرة ضاهر
وقد شاركت سفيرة لبنان في إيطاليا ميرا ضاهر في القمة المصرفية العربية الدولية، وركزت في كلمتها على أهمية “الاستفادة من هذه القمة لتصحيح العديد من المفاهيم المغلوطة التي تشكل عائقا أمام المستثمرين”. وقالت: “علينا شرح أن المصارف اللبنانية تلتزم قبل غيرها باحترام القوانين الدولية الخاصة، وتكافح بشدة غسل الأموال”.

وأشارت الى “لبنان ذي اقتصاد السوق الحر القائم على تقليد طويل من الثقافة التي تدعمها الحكومة ونظام مصرفي متطور، وهو يقدم عددا كبيرا من الفرص الاستثمارية في جميع القطاعات الاقتصادية الوطنية”، مشددة على أن “المشاريع الحرة والمبادرات الخاصة هي العوامل الدافعة للاقتصاد اللبناني، ولبنان فخور بالتقاليد التجارية القوية”.

وأوضحت أن “لبنان يوفر للمستثمرين مجموعة واسعة من الفرص الاستثمارية في جميع قطاعات الاقتصاد، خاصة في مجالات السياحة والزراعة والطاقة”، داعية إيطاليا الى “المساهمة في تطوير زراعة الزيتون وحمايتها، لما لها من خبرة في هذا المجال، لا إنتاج الزيتون مشكلة مشتركة وحلها مشترك”. 

الأربعاء 26 حزيران 2019

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *