البطريرك العبسي في ختام لقاء الشبيبة : لا تنقادوا للعصبية ولا تكونوا متقوقعين وافرحوا

ترأس بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي الذبيحة الالهية ختاما لاعمال “لقاء الشبيبة الملكية في الشرق الاوسط” في كاتدرائية القديس بولس – حريصا، يعاونه حشد من المطارنة والكهنة.

حضر القداس وزير البيئة فادي جريصاتي ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، النائب ميشال موسى ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الوزير السابق نائب رئيس المجلس الاعلى للطائفة ميشال فرعون ممثلا رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وزير المهجرين غسان عطالله، المطران نبيل عنداري ممثلا البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، اللواء الركن الياس شامية ممثلا قائد الجيش، العميد جوزف تومية ممثلا المدير العام للامن العام، الملازم اول اوليفير حمصي ممثلا المدير العام لامن الدولة، العميد كليمان سعد ممثلا مدير المخابرات، وممثلون عن كل من السفارة البابوية، الاميركية، الاردنية، السورية، المصرية، الفلسطينية وحشد من الشخصيات الرسمية والامنية والروحية والاعلامية، اضافة الى المشاركين في اعمال اللقاء وهم من دول الشرق الاوسط ومؤمنين.

وبعد الانجيل المقدس، ألقى العبسي عظة قال فيها: “في إنجيل هذا النهار، يضعنا الإنجيلي مرقس أمام جمهورين كبيرين متقابلين يلتقيان على باب المدينة: جمهور يرافق يسوع داخلا إلى المدينة، وجمهور يرافق الأرملة خارجا من المدينة. المدينة هي مكان الحياة. الجمهور الأول يسير مع يسوع ويدخل إلى المدينة مطرحِ الحياة والمجتمع الإنساني، أي يدخل إلى الحياة، والجمهور الثاني يسير مع الأرملة ويخرج من المدينة إلى القبر، مكان الموت، أي يخرج إلى الموت. الجمهور المرافق ليسوع يغمره الفرح والرجاء بعد أن شاهد يسوع يشفي ابن قائد المئة، والجمهور المرافق للأرملة يغمره الحزن بعد أن شاهد موت ابنها. جمهور يسوع يحدوه الأمل والحماسة لأن الحياة انتصرت. وجمهور الأرملة يقعده اليأس والخمول لأن الحياة انتهت، لأن كل شيء انتهى. المرأة كانت قد خسرت زوجها وها هي تخسر ابنها، فما بقي لها رجاء بالحياة ولا معنى للوجود. وإذا بيسوع يمر ويأمر موكب الأرملة بأن يتوقف وكأنه يقول للمرأة إلى أين أنت ذاهبة، أنت ذاهبة إلى الموت، وأنا أمنعك من أن تتابعي طريقك. كيف تذهبين إلى الموت وأنا هنا؟ فأنا القيامة والحياة. وأنا قادر أن أقيم ابنك وسأقيمه. اسمعي: “أيها الشاب لك أقول قم”. على غير العادة لم يسأل يسوع المرأة هل تؤمن به قبل أن يجري لها المعجزة كما كان يسأل غيرها، كما سأل قائد المئة قبلها. رأى بؤسها وشقاءها وكان ذلك كافيا لكي يمنح الخلاص والحياة لابنها ولها. لكن الإيمان لم يكن غائبا هنا أيضا إنما جاء بعد عمل الخلاص، أتى نتيجة لقيامة الشاب، جاء على لسان الناس: “لقد افتقد الله شعبه”.

أضاف: “هكذا الخلاص يأتينا دوما بطريقة مجانية من الله تعالى الذي يريد أن جميع الناس يخلصون ويبلغون إلى معرفة الحق. والإيمان، أكان قبل المعجزة أو بعدها، لا يعلو على محبة الله المجانية في إجراء الخلاص، فالله يحبنا بغض النظر عن استحقاقنا لهذا الحب أو لا، وقد صالحنا مع ذاته بيسوع المسيح ونحن بعد في خطيئتنا، كما يقول القديس بولس”.

وتابع: “أيها الشاب لك أقول قم”. بهذه العبارة، بهذا الأمر، بهذه الصرخة، يطلب الله منا أن نثق به بلا شك، أن نثق بأنه المخلص والمانح الحياة. إلا أنه يطلب منا أيضا أن نثق نحن بأنفسنا، بقدرتنا، بذكائنا، بإمكاناتنا. يطلب الله منا أن لا نقبع قاعدين بل أن نتحدى الضعف بالقوة، والفقر بالعمل، واليأس بالأمل. بهذه العبارة، “لك أقول قم”، يقول الرب يسوع لنا، يقول لكل واحد منا، أنت شاب رائع وعظيم، أنت شابة رائعة وعظيمة، في مستطاعك أن تصنع أشياء كثيرة عظيمة ورائعة. “لك أقول قم”، صرخة لا تهدف فقط إلى أن يقوم ذاك الذي كان ميتا في تلك اللحظة بل أن يقوم في كل لحظة من لحظات حياته، أي أن يكون قوة دائمة فاعلة خلاقة مستمرة، أي أن يكون ثائرا، أن يكون ثورة مستمرة، أن يصنع نفسه بنفسه، أن يقيم نفسه بنفسه”.

وأردف: “لك أقول قم”. يعني كن قويا جبارا فرحا متفائلا، لا تستسلم لليأس ولا للاحباط إذا خانتك حبيبتك أو خانك حبيبك، أو فقدت عملا، أو رسبت في امتحان، أو أخفقت في مغامرة أو تجربة، أو أقعدك مرض، أو غدر بك صديق، أو ضاقت بك الحال والدنيا. إذا حصل لك شيء من هذا لا تعتقد أن كل شيء انتهى. مع يسوع لا تنتهي الأشياء بل تبدأ، لا تغرب الشمس بل تشرق. يسوع يحبك ويريد أن تكون سعيدا ويفسح لك في المجال ان تكون كذلك”.

وتابع: “نحن الكبار، عندما نقول لكم افعلوا هذا واتركوا ذاك غالبا ما نكون نفكر بأنفسنا، غالبا ما نريد أن تكونوا مثلنا، أن تفكروا مثلنا، أن تحسوا مثلنا، أن تتصرفوا مثلنا. نريد منكم أن تكونوا كبارا لا شبابا، ألا تعيشوا شبابكم. نريد منكم، ربما بفعل أنانية غير واع، بعد أن عشنا نحن شبابنا، ألا تعيشوا أنتم شبابكم. في حينِ نرى يسوع يقول لكل واحد منكم “لك أقول قم”، أي اختر أنت شبابك، عش أنت شبابك. “لك أقول قم”. يسوع يقول لك أنا لا أقيمك بل أعطيك القوة على أن تقوم أنت بذاتك. قم وتحمل المسؤولية وسر حيث تشاء. أنا أساعدك لكني لا أستطيع أن آخذ القرار عنك وأن أجلس مكانك. أنت حر وأريدك أن تتصرف كشاب حر يأخذ مستقبله بيده، يصنع هو نفسه مستقبله وحياته”.

وأكد العبسي ان “الثقة بالله والثقة بالذات لا تنفيان القلق. القلق مرافق لحياتنا. القلق الوجودي الناجم عن جهل بالمستقبل أو بالغد أو بالآتي. هل أفقد ثقة حبيبتي ومحبتها؟ هل ينهار زواجي؟ هل أطرد من عملي؟ هل أفقد عزيزا؟ هل من حياة بعد هذه الحياة؟ قد يستطيع البعض منكم أن يخفي هذا القلق أو يتناساه بعيش اللحظة الحاضرة أو باللامبالاة، إلا أنه لا يستطيع أن يمحوه من حياته. وإذا ما قال لك يسوع “قم”، لا تعتقد أنك لن تصادف من بعد ذلك صعوبات ومشاكل وهموما. عندما شفى المخلع المقعد قال له “قم احمل فراشك وامشِ”. لم يقل له “اترك فراشك وامشِ”. الفراش الذي يرمز إلى صعوبات الحياة سوف نظل نحمله إلا أنه لن يُقعدنا ولن يدعنا عاجزين من بعد. ستظل حاملا الفراش ما دمت على الأرض. لا تخف مع ذلك بل تابع السير، تابع المشي. لا تدع الخطيئة ولا الشر ولا كل أشكالهما، يسيطران عليك، يُقعدانك. سر عكس الأهوية والأمواج. أنا أعطيك الفرصة لتكون سعيدا فجاهد للحصول عليها. أنا أدلك على طريق السعادة وعليك أن تختارها وتمشي عليها بإرادتك. الكلام على القدر هروب. القدر لا وجود له. أنت الموجود. أنا أعطيك قوة أكبر من قوة ذاك الذي تقول إنه قدر. قدرك أنه لا يستطيع أحد أن يحل محلك في صنع حياتك ومستقبلك”.

وقال: “لم يأت يسوع ليشاكسك، ليعاكسك، بل ليصادقك، ليرافقك في الطريق إلى السعادة، إلى الحرية. إنه الصديق. إنه الرفيق الذي لا يطلب مقابلا لصداقته أو محبته. إن كان يطلب شيئا فلصالحك. إن قال لك لا تسرق أو لا تزنِ فليس من أجل مصلحته بل من أجل مصلحتك. إن سرقت أو زنيت لا تضره في شيء، لا يناله سوء أبدا. أنت هو الذي يناله السوء والضرر. إن كنت تعتقد أنك تسيء إلى الله بخطيئتك فأنت مخطئ. الله يخاف عليك من خطيئتك، يتألم ألم الأب على وجع ابنه، إلا أنه لا يناله سوء من جراء خطيئتك. أنت هو من يناله سوء. يسوع بموته وقيامته أعطاك القدرة على أن تتحرر من الخطيئة، من كل ما يذل ويشوه إنسانيتك، من أن تكون ميتا وأنت بعد على قيد الحياة. وأنت وحدك تختار بين أن تكون مع موكبه أو أن تكون مع موكب الأرملة”.

وتوجه العبسي الى الشبيبة قائلا: “أتيتم من بلدان عديدة إنما أتيتم من كنيسة واحدة. أنتم كنيسة جامعة تؤمنون بأنها تنتمي إلى كنيسة جامعة، أي كنيسة لا حدود لها أيا كان شكل هذه الحدود. حضوركم الآن معا هو الدليل القاطع على ذلك. لا تكونوا متقوقعين. لا تنقادوا للعصبية. انفتحوا بعضكم على بعض. اقبلوا واستقبلوا بعضكم بعضا. وسعوا قلوبكم وعقولكم. ساعدوا بعضكم بعضا. تضامنوا بعضكم مع بعض. بهذا افرحوا وافتخروا وتمسكوا، وإلا فأنتم كنيسة لا قابلية فيها للحياة. في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها بلادنا قد يكون لنا شعور بأننا في نفق لا نرى نهايته، شعور بالموت، شعور بأن كل شيء انتهى، كأرملة الإنجيل. إلا أن رجاءنا المسيحي يحثنا على ألا نستسلم، على أن نختار الحياة لا الموت، كما نقرأ في سفر تثنية الاشتراع: “قد جعلتُ أمامكم الحياة والموت، البركة واللعنة، فاخترِ الحياة لكي تحيا أنت ونسلك”.

وقال: “منذ يومينِ ابتدأنا لقاءنا واليوم ننطلق ويبدأ المسير .فماذا نختار؟ إلى أين ننطلق؟ ومع من نسير؟ هل نسير مع الأرملة الحاملة الشاب الميت إلى الموت أم نسير مع يسوع القائم من بين الأموات إلى الحياة؟ لقد اخترتم موكب المسيح، اخترتم طريق الحياة التي إنما جاء المسيح لكي تفيض فينا. اخترتم أن تبقوا شبابا. فاذهبوا وازرعوا الشباب في بيوتكم وفي رعاياكم وحيثما كنتم. ولكل من تصادفونه في مسيركم رددوا شعار شبابكم: “لك أقول قم”.

وشكر العبسي “جميع الذين عملوا على تهيئة هذا اللقاء ولا سيما اللجنة التنفيذية التي أنفقت من الوقت والتعب والخدمة والتفاني ما يستحق الثناء الكبير .

الأحد 11 آب 2019

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *