بروفسور جلوس يفنّد لموقعنا ما يشاع عن تغيّر في طبيعة كورونا!

خاص Bekaa.com – شاعت في الأيام الأخيرة نظريات وآراء عديدة ومختلفة وأحيانا متناقضة، بعضها علمي وبعضها الآخر لا يمت للعلم بصلة، عمّا يحصل الآن على صعيد فيروس كوفيد 19 وتفشيه الذي يبدو آخذا في الارتفاع بعد خمود نسبي. وانتشرت “توقعات” بموجة ثانية قريبة، وبتغير طرأ على طبيعة الفيروس ما حوّله أكثر شراسة تجاه الشباب. في المقابل سمعنا نظريات متفائلة من مثل قرب الوصول الى لقاح له، أو اننا قهرنا الفيروس وانتصرنا!

للوقوف على صحة ودقة هذه المقولات كان لموقعنا لقاء مع بروفسور حسين جلوس، الطبيب اللبناني في معاهد ومستشفيات بافيا في ايطاليا، الذي لطالما زوّدنا بالحقائق العلمية الصرف حين كثرت الخرافات.

في تفسيره لظاهرة اعادة انتشار الوباء يقول جلوس: “عملية الفتح التي حصلت بين الدول تسببت بزيادة أعداد الإصابات المسماة الإصابات الوافدة. هناك للأسف من جعل الناس يعتقدون أننا اصبحنا خارج الخطر. بذلك عادت السلوكيات المتهورة في عدم استعمال الكمامات و التباعد، وحتى تعقيم اليدين الذي لم يعد يذكره أحد، رغم ان التباعد و تعقيم اليدين و الأسطح واستعمال الكمامة في الأماكن المغلقة هي ثلاثية تحمي بنسبة 100% من الإصابة بالعدوى.”

وحذر جلوس: “عاد منحنى الوباء ليصعد وإذا استمرينا على هذا المعدل، لا ينبغي أن نسأل أنفسنا عما إذا كان يجب علينا انتظار موجة جديدة من العدوى في شهر أكتوبر، لأنها تحصل الآن بالفعل. لذلك يجب العودة الى تشديد القواعد كما يحصل في العديد من الدول.”

وأضاف: “يجب ان لا ننسى دائما ان هناك ملايين المصابين حول العالم، ليست لديهم أعراض ولم يتمّ تشخصيهم، وهؤلاء يشكلون للأسف الخطر الأكبر اي خطر الانتشار الصامت من قبل الأشخاص الذين لا تبدو عليهم اعراض وذلك يتطلب توسيع استراتيجية الاختبار، اي إجراء المسح على أكبر عدد ممكن من السكان من قِبَل السلطات المختصة، كما على المواطنين التزام تدابير الوقاية الفردية.

من الناحية العلمية التقنية، يتم تعريف انتهاء الجائحة فقط بعد مرور 40 يومًا متتاليًا دون تسجيل إصابات، أي صفر  حالات.”

وعن تغير طبيعة الفيروس رد جلوس: “لقد سمعنا مرات عدة هذه الجملة: الفيروس تغيّر، الفيروس تحوّر، الفيروس تبدّل، طفرات الفيروس، الخ…

وغالبًا ما ارتبط هذا الأمر باعتبارات حول ان الفيروس اصبح اكثر شراسة، او على العكس، انه ضعُفَ أو تكيّف مع المضيف، أو حتى انه قد تنجم عن ذلك مشاكل لتطوير لقاح ضد الفيروس. يعني ببساطة يُعتبَر، وعن خطأ، ان التحوير بطبيعة الفيروس هو امر سلبي و خطير.

ما الحقيقة في كل ذلك؟ 

اجاب جلوس: سأحاول تفسير هذا الأمر لكي نتمكن من ان نكوّن فكرة واضحة وجليّة عن هذه المسألة، كي لا تكون سببا للرعب والخوف.

بداية، يجب القول ان التغيّر في الجينوم او الشفرة الجينية او الكود الجيني لأي كائن بيولوجي، ليس في حد ذاته شيئا غريبا أو غير متوقع. على سبيل المثال، تتميّز شفرتنا الجينية جميعًا بمعدل حوالي 60 طفرة جديدة لم تكن موجودة في آبائنا.

خلال عملية تكاثر الحمض النووي، والتي لا تكون دائما عملية مثالية، تحدث من حين الى آخر بعض الأخطاء التي تسبب طفرات وإن كان بتردد منخفض. في الحقيقة، لحسن الحظ تحدث هذه الطفرات لأنها هي محرك التطور: اي انه بدونها لن يكون هناك تنوع جيني، ولن تكون لدى مختلف الكائنات القدرة على التكيّف مع المتغيرات البيئية، والاستجابة للضغوط المتغيّرة في المكان والزمان.

أيضا الفيروسات تخضع لهذه القاعدة. لا بل إنها تميل بشكل طبيعي، إلى تجميع وتراكم الطفرات مع الوقت وبسرعة كبيرة أيضا، مقارنة بالكائنات المتعددة الخلايا، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن وقت تكوينها قصير جدًا، ومن ناحية أخرى يعود إلى أن الآليات التي تتحكم بالخطأ وتصحيحه، تعمل بكفاءة اقل.

على أساس ما ذكرته، السؤال البديهي هو: ما مدى سرعة تغيير جينوم فيروس السارسكوف2 (كورونا) ؟

مقارنة مع معظم فيروسات RNA الأخرى، فإنه يتغير ببطء إلى حد ما. ويرجع ذلك إلى ان الجينوم الفيروسي نفسه يشفّر لبروتين (يسمى أن أس بي 14، والذي يعمل ك “مصحّح” أثناء تكرار الجينوم الفيروسي، ويصحح معظم الأخطاء التي يرتكبها أثناء التكاثر.

كم تسلسل جيني لدينا حتى الآن لهذا الفيروس؟ 1، 10، 100، 1000؟ 10000؟ لا. لدينا 42000 تسلسل جيني للسارسكوف2. وهذه التسلسلات، من ناحية ، تسمح لنا بدراسة كيف وبأي سرعة يتغير الجينوم الفيروسي، ومن ناحية أخرى لتقييم ما إذا كان هناك أي ارتباط بين طفرة معينة وتوزيعها الجغرافي. رغم كل هذه التسلسلات العديدة جدا، يمكننا أن نقدّر أن الجينوم الفيروسي الذي سنعزله في نهاية هذا العام، سيكون مختلفا فقط 0.09٪ عن التسلسل الجينومي الأصيل، يعني بنسبة اقل من 1 بالألف.

تُظهر شجرة سلالة الفيروس بوضوح كيف انه، وبالرغم من وجود بعض الطفرات بشكل رئيسي في قارات معينة، بسبب تنقّل الأشخاص وما يسمى بـ “الحالات الوافدة او المستوردة”، نحن الآن في حالة ما يسمى “كل شيء يتواجد في كل مكان”، everything is everywhere.

من البديهي الاعتراف بأن ما نحصل عليه اليوم من معلومات حول آثار هذه الطفرات، في فيروس نعرفه منذ اقل من 6 أشهر، هي معلومات محدودة للغاية. لذلك، يمكن ان تمثل هذه الطفرات المتكررة، إشارة غير مباشرة لعملية تكيّف محتملة، للفيروس مع الإنسان، و هذا ما يجب مراقبته في الأشهر القادمة.”

وختم جلوس داعيا الى “التواضع” في اطلاق أحكام قاطعة: “يجب أن نأخذ بالاعتبار أن أي عالم او باحث في هذه المرحلة، وفي غياب بيانات تجارب قوية وقاطعة حول التحوّل المتكرر للنمط الجيني، لا يمكنه ان يتحدث عن ضعف الفيروس او انحساره او تراجعه.

الحقيقة هي أننا ما زلنا لا نعرف سوى القليل عن جوانب لا تعد ولا تحصى من بيولوجيا الفيروسات، لنسمح لأنفسنا بإعلان ادعاءات قاطعة في أي اتجاه كان بشأن فيروس السارسكوف2.”

الجمعة 24 تموز 2020 خاص Bekaa.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *