خاص- غسان صليبا: لا أتنازل عن معايير وضعتها احتراما للجمهور

فكتوريا موسى – Bekaa.com

ينتمي غسان صليبا إلى فئة نادرة من الفنانين الكبار الذين ينافس حاضرهم تاريخهم، برُقيّ ومن غير مؤثرات “خارجية” سوى موهبتهم وصوتهم وحضورهم الآسر. وكأنه بذلك مكتملٌ ومطمئنٌ إلى أن البحرَ، وهو “سيفه”، لن تعكّره سَواقٍ موسمية. وهذا الاطمئنان ليس وليدَ غرورٍ أو تكبّر، وإنما تواضع واحترام للفن والمستمعين وإصرار على تقديم الأجمل والأرقى لهم.

تلتقيه فيغمرك تواضعه بطِقس يذوب فيه ثلج اللقاء بمن وسَم صوتهم ذاكرتنا بأغانٍ عاطفية ووجدانية ووطنية وبأناشيد حب وعنفوان. وما زالت إنتاجاته مستمرة في مرتبتها السامية لم تطلها إغراءات السهولة والربح المادي وتجارة الفن والوميض السريع المزيّف.

هو مُقِلٌ في الصحافة والإعلام. ومع ذلك، كانت لBekaa.com فرصة لقائه فلم يبخل بوقته وأفكاره وآرائه الصريحة والمباشرة.

يستقبلك بعفوية صادقة وذكية، وابتسامة لا تفارق وجهه، وهدوء راقٍ يخفي ثورة راقية، وثقافة تضفي على الحديث نكهة مميزة.

ولعل طباعه هذه نابعة من حبه للأرض وعشقه للطبيعة، ومن ميوله الفنية الأخرى كالرسم والتصوير وهي مواهب تذكّر صاحبها بحقيقته الإنسانية وتبقيه على صلة بها فتجنّبه التعالي المخادع الذي غالباً ما يصيب الفنان بمقتل.

وما لا يعرفه كثيرون عن “قائد القافلة”، في مسرحية بترا، أنه مُزارع ويفتخر بأنه ابن “الضيعة” ابن مجدل عاقورة. ولم يفارقه حب القرية اللبنانية التي يسعى دائما إلى تعميم ثقافتها على المدن من خلال نشاطه البيئي. فهو يزرع الأشجار بدءا من محيط سكنه ليوسّع دائرة “الأخضر”. كما يرسم بتفكيرِ بيئي ثائر، ويصوّر الزوايا التي تجسّد عفوية الطبيعة وتمددها.

المهرجانات

نشاط غسان صليبا حافل هذا الصيف. فحمانا على موعد معه هذا السبت في 27 تموز، تليها فقرا في اليوم التالي (28 تموز) داخل حرم المعبد الفينيقي-الروماني في أجواء ساحرة. ومن ثم في عرمون-كسروان في السادس من أيلول.

وردا على سؤال عن تقييمه العرضين المتتاليين لمسرحية ملوك الطوائف للراحل الكبير منصور الرحباني مؤخراً في مهرجان قرطاج 2019، رأى صليبا أن العمل تكلل بنجاح باهر. وكان تفاعل الجمهور قويا في الليلتين حتى مع “اللطشات السياسية المحلية اللبنانية” لكون التونسيين شعبا ذكيا يتذوق الفن والطرب ويعيش المعاناة نفسها.

كذلك، كان حفل ميامي في الولايات المتحدة الذي سبق مهرجان قرطاج ناجحا جدا. وقد غنّى فيه طوال ساعتين وثلث أمام 1300 شخص.

في الأثناء، ما زال عدد من الحفلات قيد الدرس في الجنوب وربما في بعلبك التي يعشقها ويعتبرها مدينة غنية بتاريخها وآثارها وتستطيع إنقاذ الإقتصاد اللبناني اذا ما أعطيت الإهتمام اللازم. وفي هذا الصدد كشف أنه يدرس إمكانية إجراء حفل في هياكل بعلبك هذا الصيف إنما خارج إطار المهرجانات. فيما يفكّر أيضا بتقديم مشروع لإحياء حفل كبير إلى جانب أوركسترا وفرقة استعراضية في مهرجانات بعلبك الدولية 2020 وكذلك بصدد التحضير لأغنية منفردة single، فضلا عن ديو وطني أطلقه مع الفنان ملحم زين في 6 تموز خلال مهرجانات جونيه حيث حضر الحفل نحو 3000 شخص وسيعرض على قنوات التلفاز في الثلاثين من تموز.

ملوك الطوائف في قرطاج

القرية

يشجع غسان صليبا القرى اللبنانية التي تهتم بالثقافة والتراث والبيئة والتي تحاول إدخال هذه العناوين في معرض مهرجاناتها. ولفت في هذا السياق الى أن عددا من النشاطات الصيفية في هذا المجال ما زال قيد الدرس. وأن معيار مشاركته في المهرجانات القروية مزدوج يجمع بين دعم القرية وشروط التنظيم السليم بعيدا من الفوضى التي تعمّ بعض المهرجانات. فالفنان في حاجة إلى لمس تفاعل الجمهور بعيدا من الصّخب الفوضوي الذي لا يليق بالتراث الغنائي اللبناني.

وعن اعتبار بعض النقاد أنه يميل إلى النخبوية المفرطة في الإنتاج والحفلات والإطلالات الإعلامية ردّ بأنه واحتراماً منه للفن وللجمهور، يصرّ على معايير فنية لا يتنازل عنها. فليس الربح المادي أولوية، والنجاح بالنسبة له ليس في كمية الإنتاج بقدر ما هو في نوعيته وفي التوقيت والإطلالة والإطار السليم لتقديم العمل.

وأعلن أنه في صدد جدولة المزيد من الحفلات المنفردة مع الأوركسترا بهدف التفاعل أكثر مع الجمهور، موضحاً أن المسرح الغنائي لطالما تطلّب منه وقتا وجهدا مضاعفين وأشهرا من القراءة والبحث والتمارين قبل بدء العرض الذي قد يستمر بدوره أشهرا، وأحيانا سنة كاملة.

واقع الأغنية اللبنانية

رأى صليبا أن الأغنية اللبنانية تحتاج “للعناية”، لافتا الى أن استسهال الفن بتشجيع من وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، يشبه الوضع العام في لبنان. فكل شيء مؤقت ومرحلي، وكأننا أمام أغاني لها تاريخ لانتهاء الصلاحية، فيستسهل عندها أي كان الكتابة والغناء والتلحين والاستعراض. والنتيجة هذا التلوث السمعي والبصري المحيط.

وقال: عدا عن ذلك، الناس بحاجة للتنوع والتلوين في الأداء والكلام والألحان كي لا يفقد الفن قيمته وكي لا نفقد هوية الأغنية اللبنانية. فيجب أن لا يخصّص الفنان مجمل حفله للفولكلور والرقص على أهميتهما. وشخصيا رغم تقديمي في كل حفل باقة جميلة من الأغاني الفرحة والشعبية، أحرص على التنويع وهنا استشهد بالكبار أمثال السيدة فيروز والرحابنة والأستاذ وديع الصافي والشحرورة صباح والفنان زكي ناصيف وغيرهم ممن كتبوا وغنوا الفولكلور ببساطة الكلمة وبألحان راقية، ولكن، في مكان آخر، كان لديهم ما يقولونه أيضاً في الهوية والثورة والتغيير والغضب والحب والقرية والطبيعة.

ورأى أن التطوير يجب أن يكون على أكثر من خط، ويبدأ مثلا بتخصيص اعتمادات مالية لوزارة الثقافة لدعم الأعمال الفنية القديرة والمسرح الغنائي الذي هو أساسي وصعب في الوقت نفسه، ويحتاج إلى موازنات كبيرة كونه يجمع فنونا عدة في عمل واحد، من النص الدرامي الى الشعر والموسيقى والاخراج والثياب والرقص، وكونه يعكس ثقافة المجتمعات. ومن هنا إعادة عرض أعمال المسرح الغنائي للكبير منصور الرحباني التي تعتبر من الكلاسيكيات وتعيش عقودا لو كانت خارج لبنان لأنها انعكاس للفن الراقي.

تابع صليبا: والرقابة على الإعلام أيضاً مهمة جدا، فمن غير اللائق بث أي اغنية أو عمل تافه. وهنا الروادع مطلوبة اذا لم يستطع المغني ردع نفسه، عدا عن دور النقابات الفنية في هذا المجال والتي يجب ان تثبت فعاليتها في التصدي للأعمال الهابطة. فعلى سبيل المثال تستطيع النقابات في مصر ان تفرض معاييرها وشروطها، ولا تتقاذفها المصالح الضيقة والتجاذبات كما في لبنان. ويبقى التقدير الشخصي للفنان أساسيا في تقديم رؤيته لما يليق بهويتنا وتراثنا، ووضع معايير غير قابلة للتنازل. وفي النهاية هذا ما يميّز فنانا عن آخر.

بين لبنان والمهجر

حتى عندما يغني غسان صليبا الوطن يجب ان ينبع الكلام من قضايا إنسانية وثورية عابقة بالرسائل. فلا يغني لبنان ليتغنى بجماله أو بواحاته الخضراء المهددة بالإنحسار، بل انتقادا تارة، وغضبا طورا، وتمردا على التردي والمواطنة المهمشة.

وردا على سؤال عن ماذا عاد به الى الوطن رغم اكتسابه جنسية أوروبية ومكوثه في كل من فرنسا والولايات المتحدة سابقا، أجاب: عدا عن حبي للبنان وللعيش فيه، فإن الفنان ابن بيئته لذلك لا أستطيع ان أطور فني خارج حدود الوطن. فأنا أقدم الأغاني والأعمال التي تحاكي وجع الناس وليس فقط في إطار المسرح الغنائي، انما في اصداراتي المنفردةsingle  مثل “يا أهل الأرض” و “كل شي تغيّر”.  فكيف أحاكي هذه المعاناة من المهجر؟ وفي النهاية فهذا بلدنا وهذه القرى أرض أجدادنا الجميلة التي أتمنى أن تعود حضنا هنيئا لنا ولأولادنا. ولكل واحد منا دور عليه أن يؤديه على طريقته.

مدرسة زكي ناصيف

إلى جانب التزامه بالمسرح الرحباني معظم مسيرته الفنية، الا أن غسان صليبا يعتبر نفسه تلميذا للمبدع زكي ناصيف الذي خصّه بألحان عديدة لا تُنتسى منها “عالساحة قومي نزلي” و”مهما يتجرح بلدنا” و “عبالي” و”راجع يتعمر لبنان” قبل أن يؤديها آخرون.

وعن الفنان ناصيف يقول صليبا: ” هو أول من شجعني في لجنة تحكيم استديو الفن، في أول مشاركة لي، عندما قال حينها (ليس لغسان خبرة مع الموسيقى كونه ما زال شابا لكن لديه موهبة استثنائية). بعدها تطورت العلاقة في الكونسرفتوار عندما كان زكي استاذي وتأثرت بشخصيته كثيرا. وتواصلت لقاءاتنا مع الوقت. إنه انسان رائع وأصيل وقد خلق هوية فنية فريدة في سرّها وسحرها ونوتاتها وفي تجذرها بالأرض والقرية”.

ختاما، يتشعب الحديث ويطول مع هذا الفنان المتعدد، والمسرحي الذي غنّى إلى جانب عمالقة الفن اللبناني منذ 1977، يُطربك بثورته الرصينة الهادئة، ويعيدك الى سلالة من الفنانين الكبار الذين صنعوا مجد هذا الوطن، وقد يكون آخرهم!

أبرز أعمال غسان صليبا المسرحية

مسرحية بترا – الأخوين رحباني 1977
حكاية أمل – روميو لحود 1981
سولد – مروان نجار 1984
صيف 840 – منصور رحباني 1988
الوصية منصور رحباني 1994
هانيبعل غسان رحباني 1996
إمارة من هالزمان – طلال حيدر وسعيد عقل 1999
أبو الطيب المتنبي – منصور رحباني 2001
ملوك الطوائف – منصور رحباني 2003
زنوبيا – منصور رحباني 2006
وقام في اليوم الثالث منصور رحباني
عودة الفينيق – منصور رحباني 2008

من أبرز أغانيه

مهما يتجرّح بلدنا
زينوا الساحة
غريبين وليل
دوبني الهوا
أهل الأرض
عيونك جرحوني
يا حلوة شعرك داري
يا وجه السعد
لو فيي
عنيدة
ع الساحة قومي انزلي
بجنينتنا في عصفور
بعيد الشر
لمعت أبواق الثورة
بعدك بتقوليلي روق
طولوا علينا
وطني بيعرفني

الاربعاء 24 تموز 2019 خاص BEKAA.COM

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *