Bekaa.com رد حضاري على التهميش والإهمال..بقلم د. غسان العيّاش

إطلاق هذا الموقع الإكتروني المخصّص للبقاع، هو مبادرة مباركة تستدعي تهنئة الفريق الذي فكّر بها، وصمّمها وطوّرها وتابعها حتى ولدت بنجاح وخرجت إلى النور.

فالموقع يساهم في فتح البوّابة المغلقة بين البقاع ومركز النشاط الاقتصادي اللبناني، المحصور بصورة أساسية في العاصمة ومحيطها وبعض المناطق القليلة المحظية.

والحقيقة أن عزل البقاع هو عزلٌ للبنان بأسره، وإهماله التاريخي يلحق أفدح الضرر باقتصاديات البلاد، لأن الاقتصاد اللبناني بأمسّ الحاجة إلى إمكانيات البقاع وطاقاته وثرواته الكبيرة المهملة.

لا يملك لبنان في أزمته الاقتصادية الراهنة ترف إدارة ظهره لأية إمكانيات تساعده على الخروج من اختناقاته الاقتصادية، التاريخية أو الحالية. تدهورُ نموّ الناتج المحلّي القائم إلى حدود 1%، لا يساعد على الحدّ من الفقر ولجم البطالة وإيجاد الوظائف للشباب اللبنانيين الوافدين كل سنة إلى سوق العمل.

إذ أثبت البقاع أنه أرض الخير، والعطاء، وسجّل نجاحات بارزة في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، الزراعة والصناعة ناهيك عن السياحة، فإن تطوير إمكانياته تساعد لبنان على ردم الهوّة السحيقة بين صادراته ووارداته. فعجز الميزان التجاري نقطة ضعف مزمنة في اقتصادنا الوطني، وقد تفاقمت هذه المشكلة على نحو مريع في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع ضعف النموّ والاضطرابات التي انفجرت في سورية منذ سنة 2011.

سنة 2018 لم تتجاوز الصادرات اللبنانية 3 مليارات دولار فيما وصلت الواردات إلى 20 مليار دولار، فبلغ عجز الميزان التجاري مستوى تاريخيا ووصل إلى 17 مليار دولار. سنة 2008 كانت الصادرات اللبنانية تمثّل 78% من الناتج المحلّي القائم وقد انخفضت سنة 2017 إلى 36% من الناتج، أي نصف ما كانت عليه قبل تسع سنوات. لقد ارتفع متوسّط العجز التجاري من 20% من الناتج المحلي في فترة 2002 – 2010 إلى أكثر من 24% في فترة الأزمة، التي بدأت سنة 2011 ولا زالت مستمرّة حتى اليوم.

إن تجنيد قدرات البقاع، بعد تطويرها عبر سياسات تنموية ديناميكية وخلاقة تقودها الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص، قادر على مساعدة الاقتصاد اللبناني بأسره، سواء على رفع معدّل النموّ الاقتصادي أو معالجة الثغرة الخطيرة بين الواردات والصادرات. إن البقاع يمثّل 42% من مساحة لبنان ويضمّ قرابة ربع سكّانه، وفيه آفاقٌ واعدة لتطوير الزراعة والثروة السمكية والصناعات الغذائية والنبيذ، الذي بدأ يكتسب شهرة كبيرة في الأسواق العالمية.

هذا الموقع الإلكتروني الجديد المخصّص لمنطقة البقاع لا يستطيع، بالطبع، تعويض الإهمال الذي عاشته منطقة البقاع وتعيشه، وليس بإمكانه تغيير الواقع الاجتماعي لأهل البقاع، الذين يعيش 70% منهم من الزراعة. والزراعة بدورها مهملة ومهمّشة، نتيجة تمركز النشاط الاقتصادي في لبنان على الخدمات، المحصورة في العاصمة والمناطق المحظية. لكن موقع البقاع هو خطوة في الاتجاه السليم، فهو يعرّف اللبنانيين أكثر إلى هذه المنطقة العزيزة من لبنان.

فالموقع يسلّط الضوء على مختلف نواحي الحياة البقاعية، من نشاط اقتصادي وحياة اجتماعية ونشاطات فنيّة وسياحية وتراث أدبي وفكري وكنوز أثرية.

إن مجرّد التركيز على الحياة البقاعية بمختلف فروعها ومجالاتها المتنوّعة، لا بدّ أن يظهر إهمال الدولة لهذه المنطقة التي تكتنز ثروات وطاقات كامنة، ويبيّن ضعف سياسات التنمية فيها.

وهذا بحدّ ذاته يخدم قضية التنمية في البقاع، الحيوية لمنطقة البقاع وللبنان بأسره.

د. غسان العياش نائب سابق لحاكم مصرف لبنان  

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *