Bekaa.com

بالرغم من المشاكل البنيوية “التاريخية” التي تستنزف البنى التحتية في بعلبك تحت وطأة الكثافة السكانية وارتفاع أعداد النازحين بما يقارب عدد المقيمين، وبالرغم من الإهمال المزمن الذي يطال المدينة على مختلف المستويات والصعد، إلا أنها مرشحة دائمة لتصدّر قائمة المدن السياحية الأثرية. ففضلا عن هياكلها التي يعود تاريخها الى العصرين الفينيقي والروماني والمُدرجة ضمن لائحة التراث العالمي للأونيسكو فإن موقعها في قلب سهل البقاع ومنتزهاتها الساحرة وفنادقها الأثرية ودورها كمركز محافظة، كلّ ذلك يجعل من بعلبك المدينة السياحية الأولى في الشرق الأوسط، شرط الإلتزام بخطط أمنية وسياحية وتنموية واضحة وجدية.

يتمنى أهل بعلبك أن ينشّط موسم الصيف القادم الحركة السياحية لدعم الإقتصاد في مدينتهم المعروفة بالكرم والضيافة والتاريخ العريق. وبدورها تتطلع بلدية بعلبك إلى دعم السياحة رغم التحديات الكثيرة وشح المخصصات البلدية. وكانت أوساط البلدية كشفت لـ bekaa.com أنها تحضّر لخطة سياحية جديدة على أبواب الصيف ومهرجانات بعلبك الدولية، مستغربة في الوقت نفسه أن حدثا بضخامة المهرجانات يكاد لا يساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية في المدينة، داعية لجنة المهرجانات إلى اعتماد مواقف السيارات عند منتزهات رأس العين حيث يمكن للزوار ركن سياراتهم والتعرف إلى هذه المنطقة الجميلة الغنية بالمطاعم والمقاهي والتوجه سيراً الى المهرجانات على أن تتعهد البلدية بضمان أمنهم بالتعاون مع القوى الامنية.

سألنا عضو لجنة مهرجانات بعلبك وإبن المدينة المهندس حمّاد ياغي تعليقه فأجاب: أشكر وأرحب بنوايا البلدية الحسنة وأنا كمالك “لمقهى ومنتزه رأس العين” أقصى ما أتمناه أن يتعرّف الزوار الى المنتزهات وأن يقضوا أوقاتا طيبة في ربوع المدينة فينعشوا اقتصادها قليلا، ولكن الأمر مع الأسف ليس بهذه البساطة. فإلى جانب الخطة الأمنية يجب دعم البنى التحتية كي لا تعيق وصول الزوار الى مكان المهرجانات، عدا عن أنه في ظل الإعتداءات على الأملاك العامة وانتشار الأكشاك غير المرخّصة، لا أماكن متوفرة لتوقيف الباصات في منطقة رأس العين حالياً. إذاً الأمر يحتاج الى خطة أعمق وأشمل من ذلك. فالسائح أو الزائر يحتاج إلى الإطمئنان وهناك مظاهر عديدة تقلقه، ليس أقلّها الاستعراضات المتكرّرة في شوارع بعلبك وفي منتزهات رأس العين ولو كانت”حواجز المحبة” أو حواجز جمع التبرعات المتنقلة. فالأعلام والرايات ومكبّرات الصوت هي مصدر آخر للإزعاج، بحسب رأيه.

المهندس حمّاد ياغي

ورأى ياغي أنه وعلى الرغم من تحسُّن الأوضاع و”ضبضبة” بعض الزعران من الشوارع بفضل الخطة الأمنية للجيش اللبناني، إلا أنه من الصعوبة بمكان التفكير بسياحة حقيقية في المنطقة قبل البدء بتنظيم مجمل المناسبات والتجمعات داخل صالات خاصة مغلقة بإذن مُسبق، فضلا عن تحديث البنى التحتية والطرقات ووضع خطة سير عليمة فعالة.

واستبشر خيراً بالقرارات الأخيرة لمحافظ بعلبك بنزع الصور واليافطات وقمع المخالفات. وقال: كل ذلك من شأنه إذا ما تحقق أن يسهم في طمأنة الزوار لبنانيين أو أجانب وفي اجتذاب المستثمرين لدعم السياحة والمدينة. كما يجب على الدولة الالتفات الى بعلبك وإعطاؤها أهمية المركز من كافة الجوانب، كما هو الحال في وسط العاصمة، ففي ذلك إفادة لها وللمدينة وللاقتصاد اللبناني ككلّ. وقليل من الاهتمام بهياكل بعلبك ومحيطها كفيلٌ بأن ينعش لبنان واقتصاده وسياحته التي ما فتئوا يتغنون بها.

وإذ أوضح ياغي أن المدينة باتت تفتقر الى السياح والزوار حتى في فصل الصيف، أكد أهمية دور لجنة المهرجانات في اجتذاب عدد لا بأس به منهم وتأمينها وسائل النقل من المناطق خلال فترة المهرجانات. وهذا العمل ليس عفويا أو اعتباطيا وانما يتمّ بمباركة وتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية والرؤساء بري والحريري وبتنسيق كامل مع قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية لتكريس خط آمن لوصول وعودة الزوار.

وعن عتب البلدية على اقتطاع نسبة لا تزيد عن خمسة في المئة فقط من سعر تذكرة المهرجانات لأعمال التنظيف أجاب: “من واجب البلدية القيام بالتنظيفات ولو من غير هذه النسبة. ففي جونية او جبيل أو غيرها تموّل البلديات المهرجانات بجزء غير بسيط. أما نحن فنستضيف أهل بعلبك بحفلة خاصة قبل الإفتتاح الرسمي ونعطي عدداً كبيراً من تذاكر الدخول للبلدية لتجييرها الى المواطنين ليستمتعوا بالعرض مجاناً.

أضاف: لجنة المهرجانات أنجزت الكثير على مَرّ السنوات. وحاليا نجحنا بالتعاون مع لجنة اصدقاء مهرجانات بعلبك بزيادة نسبة التذاكر المُباعة، ونعمل معها لتوسيع إشراك الأهالي في نشاطاتنا.

وطمأن ياغي إلى أن التحضيرات لمهرجانات 2019 ممتازة على أن يعلن البرنامج النهائي في 3 أيار المقبل في القاعة الزجاجية في وزارة الإعلام-الحمرا. وفيما  سيفتتح الفنان مارسيل خليفة المهرجانات في الخامس من تموز، سيحيي الفنان الشاب محمد عساف حفلة تكريمية للراحل الكبير عبد الحليم حافظ في العشرين من تموز يرافقه اوركسترا بقيادة مايسترو هشام جبر. ويتضمن البرنامج أيضا حفلة موشحات فلامينغو-أندلسيات للفنانة جاهدة وهبة، وحفلة لمغنية الجاز الشهيرة ميلودي غاردو Melody Gardot، وحفلة pop ، فضلا عن أمسية كلاسيكية تحيي أوبرا Verdi بالتعاون مع السفارة الإيطالية في لبنان. وفي البرنامج أيضاً أمسية عود مع العازف العراقي عمر بشير.

وعن نجاح بعض المهرجانات اللبنانية الحديثة في منافسة مهرجانات بعلبك ببرامجها وباستقطاب المغنين العالميين كأندريا بوتشيللي وشاكيرا مثلا، ردّ ياغي أن عدد المقاعد المخصص للحضور والمسموح به بسبب أعمال الصيانة الحالية في هياكل بعلبك محدود فهو لا يتعدّى 3000 بينما في بعض المهرجانات تتخطى المقاعد ال6000 مما يسمح بتمويل مضاعف واستقطاب مغنين عالميين أكثر. إضافة الى أنه أصبح لكل طرف حزبي ولكل “زعيم منطقة” مهرجانه الذي يدعمه مادياً ومعنوياً، فيما مهرجانات بعلبك تُركت لمصيرها.

تابع: ما يعيقنا أيضا، توزيع مخصَّصات المهرجانات بشكل غير مدروس في ظل ظاهرة انتشار المهرجانات في كل مدينة وقرية، في وقت يجب على وزارتي السياحة والثقافة تمييز مهرجانات بعلبك التاريخية إيجابياً. وفي المقابل ارتفعت الضرائب على أرباح المهرجانات الى 35 في المئة الى جانب استمرار تضاؤل الكفلاء sponsors  للأسباب التي ذكرناها آنفاً.

وكشف من جهة ثانية عن معرض قريب عن تراث بعلبك وتاريخها سينظّم لشهر كامل في متحف سرسق بدعم من لجنة المهرجانات وبرعايتها. مشيرا الى أن اللجنة شاركت سابقا بتجميل الحي القديم في بعلبك والترويج لبيوت الضيافة لدعم السياحة الريفية.

في الختام كان لنا جولة مع المهندس ياغي في مقهى ومنتزه رأس العين الذي يطل من جهة على بحيرة رأس العين، ومن جهة ثانية على معبد نبتون إله المياه عند الرومان وعلى بحيرة البيّاضة التي تعتبر موطئا للطيور المائية على أنواعها. وفي هذا السياق، ناشد ياغي البلدية لحض الجهات المعنية على الابتعاد عن حرم النبع والبحيرة عند جر المياه لتغذية الآبار الجوفية المخصصة لأعمال الري حفاظا عليها كمعلم سياحي وبيئي.

ويطلُّ المقهى أيضا على مسجد أثري يُعرَف حاليا باسم مسجد رأس الحسين وقد بناه السلطان المملوكي الظاهر بيبرس من حجارة هيكل نبتون.


تتواصل أعمال الصيانة السنوية في المقهى وحديقته الجميلة تمهيدا لافتتاحه لموسم الربيع والصيف.

فكتوريا موسى

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *