بيان لقاء بعبدا: الاستقرار الأمني شرط للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنقدي

صدر عن اللقاء الوطني في قصر بعبدا مشروع بيان تلاه الوزير السابق سليم جريصاتي، ونص على ما يلي:

“ناقش المجتمعون الأوضاع العامة في البلاد، لا سيما الوضع الأمني بعد التطورات التي حصلت قبل أسبوعين في كل من بيروت وطرابلس، وأجمعوا على الآتي:

أولا: إن الاستقرار الأمني هو أساس لا بل شرط للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والنقدي. أما التصدي للفتنة، والشحن الطائفي والمذهبي، تحضيرا للفوضى فهو مسؤولية جماعية تتشارك فيها جميع عناصر المجتمع ومكوناته السياسية.

وبناء عليه، يدعو المجتمعون الى وقف جميع أنواع الحملات التحريضية التي من شأنها إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار الأمني الداخلي الذي تحقق بفعل وعي المسؤولين عن مقدرات البلاد وجهود القوى العسكرية والأمنية، وتصديهم استباقيا وميدانيا، للإرهاب وخلاياه وفكره الإلغائي.

ثانيا: إن حرية التعبير مصانة في مقدمة الدستور ومتنه، على أن تمارس هذه الحرية بحدود القانون الذي يجرم الشتيمة والتحقير والمس بالكرامات وسائر الحريات الشخصية. إن الحرية سقفها الحقيقة ولا حد لها سوى حرية الآخر واحترام القانون.

ثالثا: لا تستقيم الحياة الديمقراطية في نظامنا الدستوري البرلماني من دون وجود المعارضة ولا سيما منها البرلمانية وحق التظاهر والتعبير يصونه الدستور والإعلان العالمي لحقوق الانسان؛ ذلك أن الشعب انما هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، لكن المعارضة العنفية التي تقطع أوصال الوطن وتواصل أبنائه وتلحق الضرر بالممتلكات العامة والخاصة لا تندرج في خانة المعارضة الديمقراطية والسلمية، وفي زمن الأزمات الوجودية على الحكومة والمعارضة التلاقي والعمل معا لإنقاذ الوطن من أي خطر يتهدده.

رابعا: يمر لبنان بأزمة معقدة ومتفاقمة، سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وصحية مستجدة، إلا انها لن تتغلب على إرادة اللبنانيين، ولن يكون الشعب هو المغلوب من جرائها. نستمد من تاريخ لبنان منظومة قيم أخلاقية ووطنية نركن إليها ونجد فيها ملاذا آمنا يقينا التشرذم والتبعثر والتقاتل. هي أزمة أخطر من حرب، وفي زمن الأزمات الكبرى علينا جميعا أن نرتقي بالعمل السياسي إلى المستوى الوطني، متجاوزين الاعتبارات والرهانات السلطوية. الشعب لا يعادي ذاته ولا يعادي وطنه، وعلينا جميعا تحمل المسؤوليات الناجمة عن هذه المعادلة.

خامسا: التأسيس على هذا اللقاء للانطلاق من بحث توافقي، من دون عقد أو محرمات، بل بإعلاء المصلحة الوطنية المشتركة كي نعالج بروح المسؤولية والتفاهم مفاصل الخلافات الكبيرة التي تؤجج انقساماتنا، فنسعى معا الى توحيد المواقف او تقاربنا بشأنها، أقله حول المسائل الكيانية والوجودية التي تتعلق بوحدة وطننا وديمومة دولتنا ويندرج ضمن ذلك:

– السبل الآيلة الى معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية وتداعياتها الاجتماعية عبر اعتماد مسار نهائي للإصلاحات البنيوية (في ماليتنا العامة) واعتماد برنامج صندوق النقد الدولي في حال وافقنا على شروطه الإصلاحية لعدم تعارضها مع مصلحتنا وسيادتنا وعبر مكافحة الفساد بشكل جدي على حقوق المودعين وعلى نظامنا الاقتصادي الحر المنصوص عنه في دستورنا وجعله منتجا.

– التطوير الواجب اعتماده في نظامنا السياسي ليكون أكثر قابلية للحياة والانتاج وذلك في إطار تطبيق الدستور وتطويره لناحية سد الثغرات فيه وتنفيذ ما لم يتحقق من وثيقة الوفاق الوطني.

– المسائل الأساسية التي تتعلق بالمصلحة اللبنانية العليا لناحية التأكيد على موقع لبنان ودوره في محيطه والعالم كجسر عبور بين الشرق والغرب ومكان تلاق للأديان والمعتقدات، وتداعيات كل ما يصيب هذا الدور من سياسات خارجية تؤثر على هويته (العربية) وعلى موقعه (الجامع)، كقانون قيصر ومسألة النزوح والتوطين وعملية إعدام القضية الفلسطينية، بما لها من تأثيرات تدميرية على النموذج اللبناني وتفاعله مع محيطه”.

سليمان تحفظ على البيان الختامي للقاء: علينا العودة الفورية إلى اعلان بعبدا
أبدى الرئيس العماد ميشال سليمان، تحفظه على البيان الختامي للقاء الوطني في بعبدا، والقى في الجلسة مداخلة، في ما يأتي نصها:

“‎قبيل البدء، أبدي أسفي الشديد لعدم بذل الجهود الكافية بما فيها تأجيل الاجتماع بغية اقناع رؤساء الحكومة السابقين والأحزاب المسيحية بالمشاركة نظرا لأهمية حضورهم كممثلين لمكونات وطنية أساسية.
‎وبناء على ما تقدم، أقترح قبل متابعة كلمتي الموافقة على رفع الجلسة وإصدار بيان مختصر يتناول تأجيل المناقشات لإفساح المجال للمزيد من المشاورات تعبيرا عن نية صادقة بالانفتاح على الجميع.

منذ 8 سنوات وفي مثل هذا الشهر11 حزيران 2012) صدر “اعلان بعبدا” من القاعة المجاورة، قاعة 22 تشرين برمزيتها الوطنية الدائمة على الرغم من احتراق لوحة “إعلان بعبدا” التي علقت على بابها بمناسبة اقراره بالاجماع من قبل معظم الشخصيات الحاضرة اليوم، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الذي حرص في حينه على قراءة بنود الاعلان بنفسه بندا بندا.

هذا الاعلان كان ضروريا للحفاظ على مناخ التهدئة وعلى السلم الاهلي عبر الحؤول دون مشاركة أي لبناني في القتال الدائر في سوريا الى جانب المعارضة أو النظام.
‎وقتذاك، كنت اتطلع الى تحييد لبنان عن صراعات المحاور ما عدا ما يتعلق …بالقضية الفلسطينية والاجماع العربي… كمدخل أساسي لاكمال تطبيق اتفاق الطائف وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، وبالتالي نقل البلاد الى مفهوم الدولة المدنية حيث لا تخشى فيه أي طائفة من هيمنة طائفة أخرى على الاكثرية النيابية، لجر لبنان الى أي من المحاور وطمس هويته التعددية.
‎وقد جرى في جلسات لاحقة التأكيد على هذا الاعلان والمجاهرة به ومتابعة اعتماده كوثيقة رسمية في مجلس الامن والجامعة العربية، على الرغم من محاولة شطبه من بيانات القرارات الدولية بعد انتهاء ولايتي الرئاسية.

وتنفيذا للبند 16 طرحت في ايلول 2012 تصورا لاستراتيجية دفاعية كمنطلق للمناقشة لاحقا، لكن للاسف توقف عقد الجلسات الى ما قبل انتهاء ولايتي بثلاثة اشهر بسبب اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن في 19 تشرين الأول من العام نفسه وما تلاه من فراغ حكومي.
‎وفي حين اعتمد هذا الاعلان كوثيقة رسمية اممية وكمرجعية لدى الدول الصديقة والفاعلة، تشكلت على ضوئه أهم مجموعة دعم دولية في تاريخ لبنان ISG للتعبير عن الترحيب بنتائج الحوار والاستعداد لدعم البنى التحتية والعمل على تسليح الجيش اللبناني.. بالاضافة الى الهبة السعودية غير المسبوقة التي الغيت لاحقا بسبب عدم تنفيذ قرارات هيئة الحوار والاصرار على التورط اكثر في صراعات المحاور.
‎لقد نقض “حزب الله” الاتفاق، ما حال دون تنفيذ تعهدات الدولة وتسبب بعزلتها القاتلة، وبفقدان صدقيتها وثقة الدول الصديقة وأهلنا في الانتشار والمستثمرين اللبنانيين والاجانب والمودعين والسياح بحكوماتها، ما ساهم في تراجع العملة الوطنية.
‎أهم هذه التعهدات:

  • التحييد (البند12) الذي تأكدت أهميته مع بدء تطبيق قانون قيصر، بدلا من الاستعاضة عنه بنأي نظري بالنفس لم يقترن بسحب المقاتلين الشباب من حروب المحاور. لا بل تم تسعير الخصومات مع دول الغرب ودول الخليج ومع الجامعة العربية المفترض ان تلعب دورا في انقاذنا من الأزمة الحالية إلى جانب صندوق النقد الدولي كما فعل الاتحاد الاوروبي مع اليونان وقبرص.
  • ضبط الحدود ومنع المسلحين والاسلحة من التنقل بين لبنان وسوريا (البند13) كما نزع سلاح المراكز الفلسطينية على الحدود المشتركة وفقا لمقررات حوار عين التينة (2006)، مما يسهل قيام الجيش بإقفال معابر تهريب البضائع على قاعدة ان الأمن لا يتجزأ.

-مناقشة وإقرار الاستراتيجية الدفاعية التي تعهدنا السير بها من 2006 وصولا إلى خطاب قسم الرئيس عون، والتي صارت اليوم حاجة ملحة بسبب تداخل الجيوش في المنطقة وفي ظل ما يحاك من مؤامرات وصفقات (صفقة القرن)، وكمرحلة انتقالية تضع قرار استعمال السلاح لدعم الجيش بناء لطلبه لصد الاعتداءات الاسرائيلية، تحت إمرة الدولة تمهيدا لحصره بيد الشرعية.

‎وعليه، أتمنى ان يكلل اجتماعنا ببيان يؤكد على معاودة طرح البنود أعلاه والعمل على استرجاع سيادة الدولة على كامل ارضها وعلى سياستها الداخلية والخارجية، بالاضافة الى ضرورة تلبية مطالب شباب الانتفاضة لنصلح ما افسدته السياسات والتحضير ليبنوا هم الوطن المرتجى. وهذا ما يتطلب اشراكهم في المسؤولية وفي الحوارات القادمة وعدم التذرع برفضهم تعيين ممثلين عنهم. فمن واجب السلطة الداعية العمل على اقناعهم وتشجيعهم على التعبير عن ارائهم بحرية وحماية تحركهم من اعتداءات الذين يخالفونهم رأيهم، وأنتم الأعلم “ان الوجود خارج إطار الحرية هو شكل من أشكال الموت”.
‎كما أطالب “حزب الله” إعلان استعداده لمناقشة هذه الاستحقاقات، وان يأخذ في الاعتبار ان معظم اللبنانيين يريدون الإبقاء على هوية لبنان التعددية والثقافية، وعلى طريقة عيشهم ونظامهم الاقتصادي الحر.
‎يريدون لبنان الدولة المركزية القوية فقط، لبنان العربي، لبنان الرسالة، لبنان الحضارة والانفتاح، (واحة تقديس الحريات)، لبنان الميثاق (لا شرق ولا غرب بل همزة وصل)، (لا ممر ولا مقر).. لا مصدر للشباب المهاجر.
‎فخامة الرئيس،
‎اني واذ اشكر مبادرتكم الى الدعوة لهذا الحوار، اتمنى عرض البيان الختامي على المجتمعين كما درجت العادة لنتمكن من إبداء الملاحظات وأو التحفظات منعا لنقضه لاحقا، ويقينا مني ان السلم الأهلي ليس بحاجة إلى هكذا اجتماع لأن اللبنانيين كافة استنكروا وشجبوا ورفضوا.. ولأن الوطن لا يمكن ان يتعافى في ظل السياسة المتبعة حاليا، يتوجب علينا العودة الفورية إلى “اعلان بعبدا”، هذا الحجر الذي رذله البناؤون سيصبح رأس الزاوية.

تيمور جنبلاط قدم مذكرة الى لقاء بعبدا: للحفاظ على الطائف ووحدة لبنان والتركيز على المعالجات الاجتماعية والاقتصادية

قدم رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط الى الاجتماع المنعقد في بعبدا، مذكرة مقدمة من الحزب التقدمي الإشتراكي واللقاء الديموقراطي تشمل جميع “العناوين الأساسية التي لا بد من مقاربتها للخروج بحلول حقيقية للأزمة الراهنة”.

وفي ما يلي نص المذكرة :

“يعيش لبنان في المرحلة الراهنة مصاعب وتحديات غير مسبوقة لم يشهد لها مثيلا في تاريخه المعاصر تكاد تتجاوز بتعقيداتها ونتائجها مخاطر كل الحقبات السابقة التي شهدت الحروب والنزاعات المسلحة والانقسامات العميقة حيال الثوابت الوطنية والسياسية ذلك أنها تمهد للإنهيار الشامل على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية وتنذر بعواقب وخيمة على مختلف الأصعدة سيتطلب ترميمها والخروج منها سنوات طويلة وقاسية لإستعادة التعافي والنمو.

لقد سبق للقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الإشتراكي أن حذرا مرارا من مغبة الاستمرار في إدارة الظهر للإجراءات الإصلاحية الجذرية المطلوبة على المستوى الاقتصادي والتي كان من شأنها وقف التدهور والإنطلاق في عملية التغيير التدريجي الذي يتيح ضبط الإنفاق العام المتفلت وترشيده بالتوازي مع وقف الهدر ومكافحة الفساد والشروع ببناء الدولة العصرية التي طال انتظارها بما يتلاءم مع تطلعات اللبنانيين وطموحاتهم وبما يؤسس لحقبة جديدة تراعي فيها المساواة بين المواطنين والعدالة الإجتماعية والإنماء المتوازن وسائر المتطلبات الأخرى التي لم تتحقق رغم سنوات طويلة من النضال السياسي والإجتماعي.

لبنان اليوم أمام منعطف خطير يتطلب من كل القوى السياسية والشعبية الفاعلة الترفع عن التجاذبات الفئوية الضيقة لتهدئة المناخات العامة؛ ولكنه يتطلب بدرجة أعلى، من السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة أن تحزم أمرها وتتخذ القرارات الكفيلة بلجم التدهور ووقف المسار الإنحداري الخطير والإبتعاد عن سياسة التردد والمراوحة والركون الى المقاربة العلمية والتقنية حصرا في مقاربة الملفات الإقتصادية والمالية والنقدية وفي تحديد أرقام الخسائر والحاجات للنهوض مجددا بالإقتصاد الوطني بعيدا عن الخطابات الإنشائية الإتهامية التي لا تقدم ولا تؤخر ولا ترتقي إلى حراجة المرحلة ودقتها بل تعيد توصيف الوقائع ورسمها من منظار مشوه وغير سليم يرتكز أحيانا إلى سياسات الكراهية أكثر من ارتكازه الى الحقائق التي يفترض بالمسؤول إعتمادها في إطار سعيه لتشخيص المشاكل وإجتراح الحلول.

إنطلاقا من كل ما تقدم، يطرح اللقاء الديمقراطي والحزب التقدمي الإشتراكي الورقة السياسية الإقتصادية التي يعيد التذكير فيها بالثوابت الوطنية والسياسية التالية:

1- التأكيد على التمسك بوثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف) التي ترقى إلى مستوى التفاهم الميثاقي بين اللبنانيين الذي قد يشكل تجاوزه توليد مخاطر ومغامرات غير محسوبة نظرا الى حجم الإنقسامات السياسية العميقة بين اللبنانيين وصعوبة الإتفاق في اللحظة السياسية الراهنة محليا وإقليميا على إتفاق بديل ما سيؤدي إلى الإنكشاف السياسي التام في البلاد. وفي الإطار ذاته، وتزامنا مع مئوية لبنان الكبير، فإن الوثيقة قد حسمت أيضا نهائية لبنان وعروبته وذلك في إطار دحض كل محاولات التقسيم أو الفدرلة ورفضا لإستلحاقه بأي دولة أخرى، وهو الأمر الذي يشدد اللقاء والحزب على التمسك به وتأكيده لا سيما مع الانتعاش المتجدد لنظرية “سوريا المفيدة” وسواها من العناوين والمشاريع الخطيرة التي لطالما حذر منها رئيس الحزب وليد جنبلاط.

2- المباشرة بتطبيق البنود غير المطبقة من الإتفاق وفي طليعتها: إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس الشيوخ. إن من شأن هذه الخطوات التي طال انتظارها التمهيد نحو قيام الدولة العصرية التي تكرس المساواة بين مواطنيها ولا تميز بينهم على أساس إنتماءاتهم المذهبية أو الطائفية. إن الإستمرار في التغاضي عن تطبيق هذه البنود الإصلاحية المركزية هو إمعان في تعميق نظام الفرز الطائفي والمذهبي والمحاصصة المقيتة.

3- رفض كل الطروحات التقسيمية الخطيرة كالفدرالية وسواها وهي الطروحات التي تنطفىء لوهلة ثم تعود وتطفو مجددا في لحظات الإحتدام الداخلي وتوفر مادة للنقاش لأصحاب المشاريع المشبوهة في توقيتها ومضمونها. لقد تجاوز اللبنانيون، بصعوبة كبيرة وبأثمان باهظة، كل المشاريع التقسيمية التي طرحت في حقبة الحرب الأهلية وأكدوا جماعيا على التمسك بالوحدة الداخلية رغم كل الصعاب والتحديات.

4- لقد سبق أن ناقشت القوى السياسية اللبنانية في قصر بعبدا في جلسات حوارية متتالية بدعوة من الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الخطة الدفاعية على قاعدة الإستفادة من قدرات المقاومة في إطار الدولة التي لا بد لها، أسوة بسائر الدول، أن تمتلك قرار الحرب والسلم في اللحظة المؤاتية بما يحصن قدرات لبنان الدفاعية تجاه السياسات الإسرائيلية العدوانية الدائمة تجاه لبنان والتي ترجمت في السابق من خلال الغزوات والحروب والإعتداءات المتكررة. توازيا، التأكيد على التمسك بالقرار 1701 للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان. من هنا، فإن إستعادة النقاش حول الخطة الدفاعية وفق القواعد المذكورة أعلاه ضروري بما يفضي إلى تعزيز قدرة لبنان على الاضطلاع بدورها.

5- إعادة الاعتبار لمقررات الحـوار الوطني الذي دعـا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في 2 آذار 2006 وشاركت فيه جميع الأطراف والشخصيات دون استثناء، وقد تم التوصل الى تلك المقررات بالإجماع ولم تشق كلها طريقها إلى التنفيذ وتمحورت حول المحكمة الدولية وترسيم الحدود اللبانية – السورية (أو تحديدها) وإثبات لبنانية مزارع شبعا في الأمم المتحدة بالوثائق ووفق الطرق القانونية المتعارف عليها وجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. وإذا كانت المحكمة الدولية قد إنطلقت وأخذت مسارها المؤسساتي كما هو معروف، فإن معظم العناوين ولا تزال محورية وأساسية على صعيد تعزيز السيادة اللبنانية وتمكين الدولة من القيام بمهامها الأساسية.

6- التأكيد على رفض إعادة تجديد مقولة “تلازم المسارين” وهذه المرة من بوابة الاقتصاد، فلبنان لا يستطيع أن يتحمل اقتصاد دولتين، وهو ما يتطلب إجراءات عملية حاسمة لضبط الحدود ووقف كل أشكال التهريب للعملات الصعبة والمشتقات النفطية والمواد الغذائية وسواها لأن ذلك يستنزف القدرات اللبنانية المتآكلة أساسا للعديد من الأسباب المعروفة. وهذا الموقف يكاد يكون موضع إجماع في لبنان.

7- التأكيد على ضرورة صياغة سياسة إقتصادية جديدة تراعي مرتكزات العدالة الإجتماعية وتتضمن الخطوات التنفيذية الفعلية لتحويل الإقتصاد الريعي المتهاوي إلى إقتصاد منتج، وحماية القطاعات الإنتاجية وفي مقدمها القطاع الصناعي والإنكفاء عن الدخول في المنظمات التجارية الدولية التي تستبيح الحدود وتغرق الأسواق اللبنانية بالبضائع والسلع التي يمكن إنتاجها محليا. إن التأخير المتمادي في ولوج هذا المسار يفاقم التعثر في الإقتصاد اللبناني ويجعل سماته الأساسية التقهقر والفشل وهو ما ينعكس بشكل كبير على الطبقات المتوسطة والفقيرة وذوي الدخل المحدود لا سيما بعدما تآكلت رواتبهم ومدخراتهم نتيجة تدهور سعر صرف العملة الوطنية في الأشهر المنصرمة.

8- إن المقترحات المتداولة حول تطوير العلاقات الإقتصادية مع الصين جديرة بالدرس والمتابعة، وإذا كان ثمه طروحات صينية جدية لبناء معمل كهرباء جديد في لبنان فذلك سيكون حتما موضوع ترحيب لأنه قد يساهم في الخروج التدريجي من الأزمة الكهربائية المستفحلة منذ سنوات طويلة والتي استنفذت نحو 45 مليار دولار من الخزينة اللبنانية دون إيجاد الحلول الناجعة لها. وللتذكير أن الصين قد ساهمت في توسيع مرفأ طرابلس في خطوة هامة وتستحق أن تستكمل في مجالات أخرى.

أما الطروحات الأخرى التي تطلق تحت عنوان “التوجه نحو الشرق” وتتضمن التعاون مع دول واقعة أساسا تحت العقوبات الدولية فدونه عقبات ومحاذير من شأنها مفاقمة عزلة لبنان الدولية والعربية وهو أمر غير محبذ على الإطلاق. ومن المفيد التذكير، في هذا الاطار، بعروبة لبنان التي حسمها إتفاق الطائف بعد خلاف دام لعقود وتضحيات كبيرة من غير المجدي التراجع عنها واستبدالها بخيارات أخرى. ولعل السعي مجددا لنيل الدعم من الصناديق العربية لإنشاء معامل الكهرباء الذي أجهضته سابقا بعض الأطراف السياسية لحساباتها الخاصة يشكل مخرجا من الأزمة الكهربائية الراهنة.

9- إن المقترحات المطروحة بالتوجه نحو الشرق وربط لبنان بدول وأنظمة تقع خارج المنظومة الدولية وبعضها يسير في الإتجاه المعاكس للتاريخ ويعيد إحياء عناوين مضى عليها الزمن مثل “تلازم المسارين” تصب في إطار السعي المنهجي لتغيير وجه لبنان القائم على التعددية والتنوع. وهو بمثابة انقضاض على رسالته التاريخية ودوره التلقيدي في إحتضان المعاهد والإرساليات والجامعات العريقة والمستشفيات ودور النشر ونوادي المثقفين والصحافة الحرة وفي أن يكون بوابة الشرق نحو الغرب، وهو توجه يفضي إلى تكريس الآحادية على حساب التعددية بما يماثل الأنظمة الشمولية المناقضة للديمقراطية اللبنانية التي تبقى، رغم كل عثراتها ولوثتها الطائفية والمذهبية، تشكل متنفسا للرأي الحر والعيش المشترك والشراكة والانفتاح والتحرر. إذا كان من المسلم به ألا يكون لبنان قاعدة للتخريب على سوريا، ولكن من المحتم ألا يلتحق لبنان بصورته الحضارية المتقدمة بنمط الأنظمة الشمولية التي يشكل النظام السوري أحد أبرز أمثلتها البائسة.

10 – ختاما، التأكيد على ضرورة وضع خطة إقتصادية ومالية ونقدية متكاملة تبنى على أرقام وحقائق واقعية وموحدة قابلة للتطبيق وصالحة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والهيئات الدولية وتتيح إعادة بناء الثقة بلبنان التي تصدعت بشكل غير مسبوق وفاقمتها التباينات المريبة حول أرقام الخسائر وتفاوتها بآلاف المليارات من الليرات ما يعكس التخبط الحكومي وسياسات التردد والمحاباة وغياب الرؤية، وذلك بعيدا عن زحمة المستشارين، وأفكار بعضهم المنفصلة تماما عن الاعتبارات الاجتماعية للأزمة وحصر المقاربات بالنواحي المالية والنقدية والرقمية.

إن الالتزام بمعايير الحكم الرشيد والشفافية وإحترام الكفاءات التي يفاخر بها لبنان عن حق، باتت مقتضيات ضرورية ومن غير المفيد إدارة الظهر لها.

إن المشاكل المتراكمة على مختلف المستويات وفي مقدمها مشكلة تدهور سعر صرف العملة الوطنية مع انعكاس ذلك على القطاعات الصحية والإستشفائية والصناعية والزراعية والغذائية وسواها يتطلب علاجات فورية تبدأ من خلالها خطوات إعادة الثقة تدريجيا بعيدا عن سياسة تثبيت السعر بطريقة إصطناعية لا تؤدي عمليا سوى إلى تهريب العملات الصعبة واستنفاذ ما تبقى من احتياطي لدى المصرف المركزي يفترض الحفاظ عليه لدعم القمح والطحين والمشتقات النفطية وسواها من الضروريات وذلك في انتظار ضخ أموال طازجة جديدة الى الإقتصاد الوطني.

كما أنه لم يعد مقبولا استمرار الخسائر الفادحة في قطاع الكهرباء والإصرار غير المبرر إقتصاديا أو هندسيا أو تقنيا على إقامة معمل سلعاتا الذي سيكبد الخزينة مبالغ طائلة في الوقت الذي صار مطلوبا أكثر من أي وقت مضى شد الأحزمة واتخاذ الخطوات الكفيلة بوضع حد للهدر المتمادي في هذا القطاع والإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع ومجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان بما يعزز الشفافية ويعطي إشارة لجدية الخطوات الإصلاحية.

إن الأفكار السياسية والاقتصادية الإصلاحية أعلاه تشكل منطلقات ضرورية وممرا إلزاميا لإحداث التغيير المنتظر التي يتوق إليه الشعب اللبناني وهو شعب يستحق العيش بكرامة”.

الخميس 25 حزيران 2020 الوكالة الوطنية للإعلام

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *