احتفلت مدينة زحلة بعيد أعيادها، خميس الجسد الإلهي، والذكرى الرابعة والتسعون بعد المئة للأعجوبة الإلهية التي أنقذت المدينة من وباء الطاعون، فأقيمت القداديس في الكنائس، وترأس النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم قداساً احتفالياً في كاتدرائية سيدة النجاةعاونه فيه لفيف من الكهنة، بحضور المطران عصام يوحنا درويش وجمهور غفير من المؤمنين، انطلق بعده الموكب باتجاه سراي زحلة سالكاً حارة مار الياس، حضانة الطفل، المدافن حيث أعطيت البركة وصلّى الجميع لراحة أنفس الموتى المؤمنين، حي مار مخايل ومار جرجس وصولاً الى السراي.
وفي كاتدرائية مار مارون المارونية في كسارة ترأس المطران جوزف معوض القداس الإلهي، بمعاونة لفيف من الكهنة، وبعد القداس انطلق الموكب باتجاه كنيسة مار جرجس وكنيسة مار الياس وكنيسة مار يوسف في حوش الأمراء، ومن ثم باتجاه حي السيدة حيث التقى بالموكب الصاعد من كنيسة السيدة حيث احتفل المطران بولس سفر بالقداس الإلهي، واتجه الموكبين نحو ساحة المعلقة، حوش الزراعنة وصولاً الى حي الميدان، وعند الساعة السادسة صباحاً ترأس المطران تيودورغندور القداس الإلهي في كاتدرائية القديس نيقولاس للروم الأرثوذكس والتقت المواكب في ساحة الميدان وتوحدت في مسيرة واحدة الى أمام السراي حيث التقت كل المسيرات.
وأمام سراي زحلة استقبل النواب ميشال ضاهر، جورج عقيص، سليم عون، وزير البيئة فادي جريصاتي، رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل المهندس اسعد زغيب وأعضاء المجلس البلدي، مدعي عام البقاع القاضي منيف بركات، قائد منطقة البقاع في قوى الأمن الداخلي العقيد ربيع مجاعص، قائد سرية درك زحلة العقيد بيار شحود ، قائد فوج التدخل الثالث في قوى الأمن الداخلي العقيد ادوار حداد، رئيس دائرة امن عام البقاع العقيد بشارة ابو حمد، رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة، ورئيس جمعية تجار البربارة كمال شمعون موكب الجسد بمشاركة جمهور غفير من المؤمنين، وعلى المنصة الرسمية تواجد المطارنة:عصام يوحنا درويش، جوزف معوض، تيودو غندور وبولس سفر، وحشد من الكهنة.
والقى المطران درويش كلمة جاء فيها :
“متى يصير المصلّي كلمة يا ربّ ؟ أعطِنا أن نجوع إلى كلماتٍ من فمك المقدّس حتى لا نصطنع كلماتٍ لا شبَعَ فيها. كلماتُك المنسكبة علينا من المائدة الإلهية تلِدُنا من جديد، فندرك أنها وحدَها الطعام. لذلك يقول بعض كبارنا الروحيين: “خيرُ الصلاة إذا صَمَتَ الكلامُ ودعا القلب”…..نحن لسنا شموساً يا ربّ. نحن لك مرايا. أنتَ خبزُ الحياة. حَسْبُنا أن نوزّعه ونختفي.
منذ 194 سنة حافظ الآباء والأجداد على هذا التقليد المقدس، ونحن من بعدهم نتبارك بمرور يسوع المخلص بيننا، فهو يسير معنا، يبارك مدينتنا، يبارك عائلاتِنا، صغارنَا وشبابَنا وكبارَنا.
لقد اتخذنا هذه السنة شعارا لهذا اليوم المقدس: “كنيسة واحدة لمجد الله”. نسأله أن يساعدنا لنعمل معا يدا بيد، من أجل وحدتنا، من أجل أن نكون فعلا كنيسة واحدة ورعية واحدة، نسألهُ أن تكون زحلة عاصمةَ الوحدة المسيحية.
فيا أحبتي! مرة جديدة نناشدكُم، نحن أساقفةَ المدينة، نحن أباءَكم الروحيين. تعالَوا نتعالَ عما يفرق بينكم، تعالوا نشبكْ أيديَنا وقلوبَنا ونقاومَ كلَّ انقسام، لأن وحدتَنا هي سرُ قوتِنا وسرُّ وجودنا وبقائِنا. بوحدتنا نكونُ المنارة، وبتضامننا نكون أقوياء وتكون منارتُنا أشملَ وأسطع.
لنصلِّ لتكونوا مَصُونين من كلِّ خطر، وليحفظِ الربُّ جميع الذين يسهرون على أمننا ويُديرون شؤونَ حياتنا، ويباركِ الذين نظّموا الاحتفالَ بهذا العيد.
وأخيرا نتوجه اليك أيها السر العجيب، يا سرَّ التجسد الالهي، هذه زحلة خاشعة في يومك المقدس. زحلة الوفاء، زحلة التراث، زحلة الايمان. مسيرةٌ متجددة، حافَظَ على سِماتِها رعيلٌ من الاساقفة والكهنة تعاقبوا منذ مئة وأربع وتسعين سنة، وحافظوا على وديعة الإيمان وجوهرِ الدين، فكانوا صورةَ بهيةً للمدينة، المدينة المتوحدة بالله، والمؤمنة بإنسانها. و يا أيها الاله الذي تواضع وسكن جسداً، ايها الذي بسط يديه على الصليب لأجل مغفرة الخطايا. وسِّع مساكنَك في العقول والقلوب، في عقول حكامنا وجنودنا، وفي قلوب تجارِنا وصُناعِنا. سدد خطواتِ مزارعينا، وبارك مواسمَهم. فَولِذْ سواعدَ شبابِنا، أنر عقولَ طلابِنا، جدّد دعواتِ الكهنة والرهبان والراهبات وكثِّرها ، واخلق فيهم روحَ القداسة وعطرَ الرسولية. شُعَّ بأنوارك على مؤسساتنا كافة. ايها الرب، بسخطك يعتدي الخطأة، وبعدلك يحتمي الضعفاء، فذكرنا بهما في هذا اليوم الذي يُجسّدُ عيد أعياد زحلة. آمين”
وبارك الأساقفة المؤمنين المحتشدين امام المنصة وانطلقوا بموكب موحد على بولفار زحلة ، شاركت فيه المدارس والجمعيات الكشفية وحركات الشبيبة، وسط عبق البخور ونثر الورود والأرز وإطلاق الحمام، الى مدخل وادي زحلة، فالكلية الشرقية وحارة الراسية وصولاً الى كاتدرائية سيدة النجاة، حيث عزفت موسيقى الكشاف وأدت الفرقة الكشفية التحية وأعطى المطران درويش البركة للمؤمنين، والقى كلمة جاء فيها :
“ها قد عدنا اليكِ يا سيدة النجاة.. عبقُ البخور يسبقنا.. اصواتُ المرنمين تبشر بعودة المؤمنين الى ظل كنفك.. شبيبتُنا وأفواجُ الكشافة، أطفالُنا والحركات الرسولية، يهللون طربا، وأجراس الكنائس تزغردُ فرحا. اجعلي يا عذراء مسيرة هذا اليوم المبارك مثمرة.. وليكن حاملاً البركة لعيالنا، والسلام لنفوسنا، والامان لحياتنا، فانتِ الأم يا مريم.. مدي يدكِ وباركي ارضنا.. باركي عيالنا، شبابنا واطفالنا، اشفِ مرضانا.. قوّي ايماننا وازرعي في قلوبنا حب الله، انتِ الشفيعة الحارة لدى ابنك فنشكرك الى ابد الابدين… آمين”
وبعد التطواف ترأس المطران درويش قداساً في كاتدرائية سيدة النجاة ، شكر فيه الرب على اليوم الإيماني الطويل متمنياً ان يعيده على الجميع بالخير والسلام.
والقى عظة قال فيها :
” قال يسوع وهو يعلم في المجمع: “أنا خبز الحياة الذي نزل من السماء. من يأكل من هذا الخبز يحيَ للأبد. والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي الذي أبذله ليحيا العالم” (يو6/51)
تعيد الكنيسة للجسد الإلهي يوم الخميس بعد العنصرة بعشرة أيام. وفيه يحتفل المسيحيون بسر القربان المقدس، إنه يوم خاص يُكرَّمُ فيه بامتياز جسد ودم ربنا يسوع المسيح.
نحن في زحلة نعطي هذا العيد أهمية كبيرة، فهو عيد أعيادنا، ومنذ 194 سنة مازلنا نحافظ على التقليد بأن نبارك مدينتنا بزياح القربان المقدس بشوارعها وساحاتها وكنائسها، وقد جعلنا هذا التقليد مقدسا.”
وأضاف ” العيد الأساسي هو يوم الخميس المقدس في اسبوع الآلام، يوم أسس المسيح الإفخارستيا قبل موته على الصليب. لكن الكنيسة تريد أن تعطينا فرصة ثانية خلال السنة لتساعدنا لنفهم معنى الافخارستيا ولنتذكر العشاء الأخير مع المسيح.
منذ أحدين، عيدنا للعنصرة، أما الأحد الفائت فعيدنا لجميع القديسين، والآن نعيد للقربان المقدس.
ففي العنصرة ولدت الكنيسة وحل الروح القدس على التلاميذ وعلى كل من انتمى وسينتمي للكنيسة، وفي عيد جميع القديسين علمتنا الكنيسة أن القداسة هي عمل الروح القدس وهي دعوة موجهة إلى كل مسيحي. واليوم يفهمنا المسيح في عيد الجسد أنه يهتم بنا بشكل مميز فهو حاضر في كنيسته وقد وضع ذاته بتصرفنا بشكل دائم، يقدم لنا ذاته غذاء روحيا وذلك من خلال سر الافخارستيا.
في الليلة التي سبقت موته، قدم يسوع إلى تلاميذه العشاء الأخير. كان هذا العشاء مميزا، ففيه أظهر لهم عمق محبته.
أعطاهم وصيته بالكلمات والمثل: المثل عندما غسل أرجلهم، ثم أخذ خبزا وبارك الخبز وقال لهم: “هذا هو جسدي.. اصنعوا هذا لذكري. ثم فعل ذلك بالخمر قائلا لهم: اشربوا من هذا ..
بهذا العمل ركز يسوع على حضوره المميز معنا ودعانا لنحتفل بحضوره بالطريقة ذاتها على هذا الهيكل وفي هذه الكنيسة وفي قلوبنا.
لقد هيا يسوع لهذا السر عندما أكثر الخبزات الخمس والسمكتان وأطعم الخمسة الآلاف من الشعب. فقد أخذ الخبز، بارك، كسر ثم أطعم الشعب، لقد كانت هذه الأعجوبة بداية الافخارستيا.
فلنبارك الرب ونشكره على هذه العطية التي تسمح لنا بأن نتحد بالمسيح بأفضل وأروع طريقة.”
الخميس 20 حزيران 2019