روما – طلال خريس – الوكالة الوطنية للإعلام –
يركز الفاتيكان على أهمية العلاقة التاريخية مع لبنان لأنه “رسالة” كما وصفه منذ ما يقارب 30 سنة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني. ويذكر سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي فريد الياس الخازن بـ”نذر العلاقة بين لبنان وروما التي تعود إلى القرن الثاني عشر”.
قد لا يعرف الكثيرون دور روما والقصاد الرسوليين والمرسلين وحراك الموارنة الكنسي 1545-1563 وهو جزء من تاريخ لبنان الديني والمدني كما هو جزء من تاريخ الفاتيكان موثق ويدرس.
خلال طيلة الفترة التاريخية الطويلة لم يحدث أي توتر في العلاقات بين لبنان والفاتيكان إلا مرة واحدة بعد تحفظ الكرسي الرسولي على تعيين السفير جوني إبراهيم لدى الكرسي الرسولي وتم تجاوز المرحلة بعد أن اختار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب السابق فريد الياس الخازن سفيراً للبنان لدى الكرسي الرسولي بدلا منه.
إلتقت “الوكالة الوطنية للاعلام” في حاضرة الفاتيكان سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي وأطلعت منه على سير هذه العلاقات المميزة بين لبنان وكنائسه والكرسي الرسولي، فقال الخازن: “العلاقات بين لبنان والكرسي الرسولي، دون أي شك، جيدة ووطيدة. وهناك حرص متبادل من كلا الطرفين على توطيدها لكي تصبح من أفضل العلاقات. ما يميز العلاقات بينهما يكمن في أن الفاتيكان لا يطلب أي مقابل لقاء دعمه لبنان ووقوفه الى جانبه وليست له مصالح خاصة، كما تفعل دول أخرى”.
أضاف: “شهدت العلاقات مع الكرسي الرسولي بعض التوتر قبل مجيئي إلى روما لأسباب يمكن أن نصفها بالإدارية لكنها انتهت بعد تعييني هنا. اليوم لا يحتل لبنان سلم الأولويات لدى الكرسي الرسولي رغم اهتمام الفاتيكان ورأس الكنيسة به، فلم تعد هناك أزمات خطيرة يمكن مقارنتها مع الأزمات التي كانت تعصف به أثناء الحرب، فقد تغيرت الظروف ولا خوف على لبنان. أما بالنسبة الى الهموم المشتركة، وأعني هنا مشكلة النازحين السوريين في لبنان، فيتفهم الفاتيكان خصوصية الوضع اللبناني، وموقفه داعم للموقف اللبناني الداعي إلى إيجاد حلول أو آليات لعودة النازحين إلى سوريا دون الانتظار إلى ما لا نهاية، أي إيجاد الحل السياسي الذي قد يأتي أو لا يأتي.
وقال: “من المعروف أن قداسة البابا يدعو لفتح الأبواب لاستقبال النازحين والمقصود بهذا الكلام أوروبا ومنها إيطاليا، لكن هناك تفهما تاما من قبل الجميع في الفاتيكان، وأنا أتابع الموضوع شخصيا مع المسؤولين الكبار مثل وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين وأمانة الدولة، فهم يعتقدون أن للبنان خصوصيته وأنه لا يمكن أن يستوعب مليون ونصف مليون نازح سوري، بالإضافة إلى نصف مليون من اللاجئين الفلسطينيين، ما يؤثر على صيغة التعايش اللبناني. يمكنني القول أن هناك تفهما كاملا من قبل الفاتيكان لخصوصية الوضع اللبناني وإن لم يعلن ذلك بشكل رسمي”.
وتابع الخازن: “بالإضافة إلى العلاقات بين الدولتين، هناك علاقات مباشرة ومستمرة بين الكنيسة الكاثوليكة في لبنان والكنائس الشرقية في المنطقة مع الكرسي الرسولي. وهناك اهتمام بالغ من قبل الفاتيكان بسوريا والعراق وجهد مستمر لدعم المسيحيين وغير المسيحيين من المستهدفين من الإرهاب. ويعمل الفاتيكان على مساعدة المسيحيين الذين تدمرت بيوتهم وكنائسهم وأديرتهم عبر المؤسسات الخيرية التابعة له أو عبر مؤسسات مستقلة. العلاقة لا تنقطع مع الكنائس ويديرها مجمع الكنائس الشرقية وهو من أقدم المجامع الثابتة لدى حاضرة الفاتيكان، ويرعى الكنائس في الشرق الأوسط وفي أوروبا الشرقية. هناك علاقات خاصة بين الفاتيكان وبعض الكنائس أهمها الكنيسة المارونية التي لديها حضور تاريخي وعلاقات تاريخية مع الكرسي الرسولي”.
وعن إعلان البطريرك الحويك مكرَّما من قبل الكرسي الرسولي، قال الخازن: “ظهر يوم السبت 6 تموز 2019 قرّر الحبر الأعظم البابا فرنسيس تثبيت عيش بطولة الفضائل من قبل البطريرك مار الياس بطرس الحويك وأعلنه مكرّما. البطريرك الحويك الذي أعلنه قداسة البابا مكرما عاش ببطولة الفضائل الإلهية والإنسانية والأخلاقية والإجتماعية. وبعد إعلانه مكرّما من قبل الفاتيكان وهي مرحلة تسبق التطويب ومن ثم التقديس، ولكل مرحلة من المراحل الآتية يجري العمل على إتمام شروط التطويب، اي التثبت من الفضائل والأعمال الكبرى وهناك لجنة علمية تقوم بذلك. إذن، اعلان التكريم هو المرحلة الأولى نحو القداسة. في النهاية من يقرر كل ذلك هو مجمع القديسين. وتجري دراسة الملف وإحالته إلى قداسة البابا كما حدث أثناء مرحلة التكريم”.
أما عن دوره كسفير ينتمي إلى عائلة نسجت علاقات تاريخية مع الكرسي الرسولي فقال: “كما تعرفون، لعائلة الخازن ارتباطات تاريخية ليس فقط بالكنيسة المارونية بل وبالكرسي الرسولي مباشرة وذلك منذ القرن السادس عشر. والمطلوب تثمير هذه العلاقة اليوم. أنا شخصيا كنت قبل تعييني سفيرا، من المتابعين للعلاقة وملما بها. وكنت أشارك في عدد من اللجان، لا سيما المجمع البطريركي. المطلوب اليوم تفعيل كل الروابط بين لبنان والفاتيكان على المستوى السياسي والثقافي والديني، بالإضافة إلى المجال التربوي، لأن كل ذلك سيعود بمردود إيجابي على لبنان. لذلك علينا في لبنان إتخاذ المبادرة”.
أضاف: “أريد أن ألفت النظر إلى مسألة مهمة للغاية تتعلق بكلام قداسة البابا المغفور له يوحنا بولس الثاني عن لبنان، حين قال أنه رسالة كبلد للحرية والتعددية، انه كلام كبير للغاية إنطبع في سجلات الكنيسة وفي لبنان. علينا كلبنانيين، ليس فقط التغني بالشعارات، بل إعطاء هذا الكلام مضمونا وعلى أساس هذا المضمون تحويل المضمون إلى نتاج كي يكون لبنان رسالة. وهو فعلا البلد الوحيد الذي يتمتع بالحريات وتلتقي فيه الأديان بشكل عفوي، ونسمي ذلك بالعيش المشترك برضا كامل مكونات الشعب اللبناني وغير مفروض من الدولة. إنه البلد الوحيد في العالم العربي والإسلامي فيه عيش مشترك فعلي وحقيقي بالرغم من كل الخلافات السياسية وغيرها، لترجمة ما قاله البابا بولس الثاني خاصة في ضوء ما استجد من تطورات درامية من تطرف وعنف مرت به المنطقة”.
وختم الخازن: “هناك فكرة لعقد مؤتمر يبدأ في روما وينتقل الى لبنان، لمناسبة مرور 30 سنة على حديث البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان. إنه كلام قاله عام 1989 ويتناسب مع طرح فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون حول إنشاء أكاديمية التلاقي والحوار بين الأديان. لبنان يجب أن يكون منصة للحوار بين الأديان، ولقد تعزز كل ذلك بعد إبرام وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك في أبو ظبي”.
الخميس 18 تموز 2019