ليلى جرجس – جريدة النهار – التفاوت في أرقام المتلقحين في لبنان بين بيانات وزارة الصحة عبر منصتها والمراكز، عكس مخاوف الاستنسابية في عملية التطعيم، وبرغم من التبريرات التي رافقت هذه الخروقات، إلا أنها لم تُشفِ غليل الرأي العام، فلا القرار السيادي أخمد الغضب في نفوس الكثيرين ولا الوعد في عدم تكرار هذه “الزلة” يبث الطمأنية والثقة تجاه هذه السلطة.
من القصر الجمهوري إلى مجلس النواب وبعض مراكز التطعيم التي تحتاج، كما وصفها رئيس اللجنة الوطنية للقاح الدكتور عبد الرحمن البزري “إلى شد براغي”، ما حصل في الأيام الماضية يعكس أزمة ثقة بين اللبنانيين والسلطة. الزبائنية السياسية و”الوساطات” في بعض المراكز يؤكد كيفية تعاطي البعض مع ملف اللقاحات والتحكم به وفق أهواء البعض. صحيح أن الخروقات لم تأتِ جميعها من نوايا مبطنة، بل جاء بعضها نتيجة نوايا حسنة خوفاً على تلف الجرعات.
ومع ذلك كشفت المواقف المتضاربة الخلافات الداخلية للقيّمين على ملف التطعيم، حيث تفرّد وزير الصحة بقراره من دون العودة إلى اللجنة الوطنية المسؤولة عن اللقاح، الأمر الذي دفع بالدكتور البزري إلى الاعتراف بأن “وزير الصحة سمح لنفسه بالخروج عن الخطة”.
وفق الأرقام كانت نسبة اللقاحات خارج المنصة كبيرة في الأسبوع الأول من عملية التطعيم، اختلفت الأرقام بين الجهات وتعددت، إلا أن هناك حوالى 13 ألف شخص تلقوا اللقاح خارج المنصة من أصل 25 ألف شخص.
ولتقييم حالة التطعيم في الأسبوعين الأولين، يشرح المشرف على مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين لـ”النهار” أن “جزءاً من الأرقام التي تلقت اللقاح كانت مسجلة على المنصة، إلا أنها لم تكن قد حصلت على الموعد بعد.
وعندما تحدث وزير الصحة السبت الماضي عن تطعيم 25 ألف إلا أن المنصة أعلنت عن تسجيل 12-13 ألف شخص. وحسب الأرقام التي أعلنتها المنصة حتى الآن هناك حوالى 30-35% مواعيدهم كانت خارج المنصة. ونتيجة ذلك كان جزء من هذا الفعل عن نية حسنة، في حين أن الجزء الآخر لا نعرف أسبابه بعد.
كما تلقح حوالى 14 ألف عامل في القطاع الطبي من أصل حوالى 77 ألف مسجلين على المنصة. لذلك، وبعد أسبوعين من بدء حملة التطعيم، من الضروري العودة إلى المسار الصحيح واعتماد الشفافية والوضوح، ونشر كل التفاصيل حول المعايير وأسماء الأشخاص المتلقحين وأعمارهم ومراكز السكن”.
يتأسف ياسين من “بعض الأمور والأحداث التي فرضت علامات استفهام كثيرة، خصوصاً نتيجة الأعداد المتفاوتة بين الذين تسجلوا عبر المنصة والذين تلقحوا خارجها. هذا بالإضافة إلى ما حصل في مجلس النواب والقصر الجمهوري والذي زاد من الضبابية وغياب الشفافية في هذا الموضوع”.
وقد ارسل التفتيش المركزي المشرف عالمنصة تقريراً جاء فيه أن هذه الدراسة تشمل الفترة الممتدة ما بين بدءعملية التلقيح بتاريخ 8 /2/2021 ولغاية الخميس في 18/2 /2021والتي جرت تباعا 22 مركزاً : بلغ العدد التراكمي للملقحين المسجلين على المنصة 9619 لغاية ً في 18 /2 /2021 ، في حين بلغ العدد التراكمي للملقحين في تقرير حركة المخزون المعد من قبل وزارة الصحة تم تلقيحهم من خارج نظام المنصة ، الجدول التالي يبين تفاصيل هذه المخالفة15241 بفارق 6239 شخصاً للخطة الوطنية في كل مركز.
كما جاء في التقرير نسبة اللقاحات المنفذة خارج المنصة من العدد الاجمالي التي تعدت 20 :
%91.6 : تبنين
رفيق الحريري: 6.89 %
%74.7 : الروم
الرسول الاعظم : 6.53 %
%46.5 : الاميركية
دار الامل : 5.39 %
المعونات : 31 %
عين وزين : % 5.27
وعليه، تم ايقاف اعتماد مستشفى رياق الحكومي كمركز تلقيح بسبب عدم احترامه الأولويات والمعايير المحددة ضمن الخطة الوطنية للقاح ضد الفيروس، علماً أنه لم يرد اسم المستشفى المذكور على اللائحة المعتمدة في وزارة الصحة كما انه لم يرد ايضاً على المنصة، مما يطرح علامات استفهام حول التزام وزارة الصحة بالخطة من ناحية التوزيع على المراكز.
كميات أكبر = فوضى أكبر؟
أما الثغرة الأخرى التي نعاني منها تتمثل وفق ياسين “بمدى فعالية الخطة وعلى أي اساس يتم تسليم جرعات لمستشفى لم يكن حاضراً بعد ومجهزاً لتطعيم الطاقم الطبي والمسجلين. على وزارة الصحة إبلاغ أي مركز استشفائي بتسليم عدد من الجرعات بعد تسلمه لائحة بالأسماء ضمن الأولوية المتبعة، لكن سرعة وفجائية تسليم الجرعات قبل يوم من التطعيم كما حصل في مجلس النواب أو في مستشفى البترون ليس مؤشراً على فعالية هذه الحملة لإدارة الأزمة الصحية”.
من الطبيعي أن نشهد بعض الثغرات والأخطاء في الأسابيع الأولى لعملية التطعيم، إلا أن الخوف كما يُبدي ياسين أن “تسود الفوضى خصوصاً بعد وصول كميات كبيرة من اللقاحات في الأسابيع المقبلة. نحن سنتحدث عن 10 آلاف جرعة حيث سنُلقح حوالى 100 آلف أسبوعياً وليس 25 ألفاً كما هي الحال اليوم. فكيف يمكن إدارة العملية عندها؟ من هنا، أهمية احترام المعايير والشفافية والمواعيد عبر المنصة التي تعطي الناس حقها كما يجب، دون فسح المجال للخروقات وتمرير ناس على حساب آخرين”.
أسبوعان حاسمان
برأي ياسين أننا “قادمون على أسبوعين حاسمين، إما تنظيم العملية وتفعيل الخطة واعتماد الشفافية والوضوح أو متجهون نحو الفوضى. أتخوف حقيقة من الوصول إلى هذه الفوضى. اذا لم ننجح في تطبيق النظام والاستراتيجية المتبعة (بالشفافية في اختيار الناس والاعتماد على معايير واضحة ومنشورة بشكل يومي أو اسبوعيّ) عبر المنصة التي تنجح في هذا الدور، سنكون أمام مسألة خطيرة لاسيما في مسألة دفتر اللقاحات الذي يجب إظهاره لإثبات حصول الشخص على اللقاح. وعليه، يجب اعتماد الشفافية في نشر أسماء المراكز والأشخاص الملقحين بكل التفاصيل، المطلوب تشديد المراقبة، وعدم إعطاء اللقاح لمن ليس مسجلاً على المنصة، والأهم التسريع في عملية التلقيح ونشر وزارة الصحة يومياً عدد الأشخاص الذين سيتم تلقيحهم، لضمان الشفافية، بعد ظهور تضارب كبير بالأرقام”.
يدرك ياسين أن “في كل الأزمات التي مرّت على لبنان كانت طريقة التعاطي لمعالجتها تشوبها الفوضى دون الوصول إلى حل نهائي مثل أزمة الكهرباء والنفايات والمرفأ والتعليم والمالية. وفي كل هذه الأزمات يبدو واضحاً غياب حل نهائي بالإضافة إلى انكفاء وتردد وتلكؤ في بعض الأحبان.
اما بالنسبة إلى القرار السيادي لوزير الصحة، فلا يرى ياسين أنه سيادي بل هو محاباة لمجموعة من المسؤولين لم يكن من المفروض تلقيحهم حسب أولويات وزارة الصحة مع أحقية البعض في التعطيم ولكن حسب دورهم وفي مراكز التطعيم. وكانت خطوة إيجابية لو انتظر النواب كغيرهم من المواطنين في الصف وتلقحوا في المراكز ومع التقاط الصور كما حصل في الخارج. وبهذه الطريقة أعطوا مثالاً يُحتذى به للناس وتشجيعهم على التطعيم وتعزيز الثقة بين الشعب والمسؤولين”.
السبت 27 شباط 2021 موقع النهار