عارف مغامس – الوكالة الوطنية للإعلام – لطالما اشتهرت القرى الجنوبية بزراعة التبغ، حتى تماهت هذه الشتلة مع الجنوبيين، وأصبحت مورد رزق معظم العائلات هناك، وشكلت عصب الحياة اقتصاديا واجتماعيا، محافظة على بقائهم في أرضهم، وتثبيت روابطهم بها. فهذه الزراعة بدأت في عهد فخر الدين الثاني ولم تنته مع وجود الاحتلال الإسرائيلي. صمدت على الرغم من صعوبتها والعمل المتعب بها، موفرة لقمة عيش جنوبية مرة.
تدل الأرقام، بحسب “المديرية العامة لحصر التبغ والتنباك”، على أن عدد القرى التي تنتشر فيها زراعة التبغ في محافظتي الجنوب والنبطية 166 قرية، بمساحة 50350960 مترا مربعا سمح بزراعتها، أن كمية الإنتاج التي حددتها “الريجي” هي 5035097 كيلوغراما.
خلال العام 2019 تسلمت إدارة حصر التبغ والتنباك محاصيل 13678 مزارعا من أصل 13858 مزارعا من المسموح لهم بالزراعة في محافظتي الجنوب والنبطية، بكمية بلغت 5055659 كيلوغراما منها 1860013 كيلوغراما في قضاء بنت جبيل فقط، بلغ ثمنها 24295927877 ليرة لبنانية، بمعدل وسطي للكيلوغرام الواحد 13050 ليرة.
مهنة المتاعب
“العمل بالتبغ مستمر على امتداد السنة، لا نكاد نهيء المشتل حتى يأتي وقت الزراعة، ثم القطاف ثم صفها بعد يباسها لنسلمها الى الريجي، فنتقاضى مبلغا لا يكفي تكاليف الموسم الآخر من الزراعة”. هذا ما قالته إحدى المزارعات في بلدة راميه القرية الجنوبية المحاذية للشريط الحدودي.
أما ريمون كلاكش من بلدة رميش فيشير الى أن “الرخص المقدمة من إدارة حصر التبغ والتنباك قليلة في المنطقة تقتصر على الرخص القديمة، فإذا ما أراد أحد لا يملك رخصة زراعة الدخان، فإنه بحاجة الى استئجارها، ووضع مصاريف كبيرة وبالتالي، فإن نسبة أرباحه من المحصول قليلة لا تذكر”، لافتا الى أنه “في السنوات القليلة الماضية لم يتم إرسال الادوية والسماد من قبل الريجي، ما اضطرنا الى شرائها بأنفسنا وبعضها كان فاسدا”.
الحاج قاسم مزارع من قرية عيترون في جنوب لبنان يؤكد أن “هذه الشتلة غرست في قلوبنا منذ زمن، على الرغم من معاناتنا كمزارعين لا نستطيع ترك زراعة التبغ، فهي مهنة العاطلين عن العمل وبناتج المحصول ندفع أقساط مدارس ونزوج أبناءنا”.
وعن معاناته ومشاكله في زراعة التبغ عدد أهمها:” سعر الكيلوغرام لا يتعدى الـ 11 اوالـ 12 ألف ليرة على الرغم من ارتفاع الأسعار والغلاء، وبخاصة في هذه الفترة الصعبة التي نمر فيها، قلة عدد الرخص، تنظيف الأراضي الحدودية من الألغام والقنابل العنقودية ليكون باستطاعتنا إعادة زراعتها، وأخيرا ضمنا الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.
مزارعون بلا ضمانات
المزارعون على الرغم من تعبهم لا يملكون أي ضمانات صحية، ولا ضمهم الى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. يتحدث رئيس اتحاد نقابات العاملين في زراعة التبغ والتنباك في لبنان ونقيب مزارعي التبغ في الجنوب السيد حسن فقيه، عن معاناة المزارعين، ” فهم بالرغم من عملهم المتواصل على مدار السنة والمدخول المهم الذي يؤمنونه لخزينة الدولة، ليسوا مضمونين، اذا ما توعك أحدهم صحيا يدفع أرباحه من محصول التبغ للمستشفيات والدواء”، وأضاف فقيه:” بعض المزارعين يأخذون قروضا من المصارف لشراء المواد الأولية اللازمة لزراعة التبغ من بذور وسماد وادوية، بفوائد مرتفعة جدا تقارب ال6 و 7 % من أقل مطالبنا أن يتم تخفيض هذه الفوائد الى %1 و ذلك بالنسبة الى قطاع منظم، وضعه سليم ومقبول”.
ولفت الى أن “الاهتمام بهذا القطاع مهم جدا لجهة تثبيت المواطن بأرضه، وانطلاقا من هذا المبدأ عمدت النقابة بالتعاون مع إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، الى القيام بالعديد من النشاطات التشجيعية على زراعة التبغ، كإعداد برامج تربوية توعوية، وتنفيذ مشاريع تسهل عمل المزارعين كالقيام بانشاء عبارات وأقنية وبرك مياه، بالإضافة الى تقديم مساعدات سنوية تقدر بألف دولار لكل طالب متفوق من أبناء المزارعين، وذلك بالتعاون مع مؤسسات أجنبية كمؤسسة(فيليب موريس) وهي الشركة التي تبيع التبغ للبنان.
وأشار إلى أن “لبنان هو عضو في جمعية التبغ العالمية المؤلفة من 27 دولة، تناقش واقع وسبل تطوير هذه الزراعة عالميا، عبر مؤتمر يقام كل ثلاث سنوات في دولة من الدول الأعضاء”.
تعاون وتنسيق ومطالب لم تتحقق
هذا النشاط للنقابات الزراعية والبلديات والتعاون مع “إدارة حصر التبغ والتنباك”، أكدت على أهميته هذه الأخيرة عبر رئيس مصلحة زراعة التبغ في “الريجي” المهندس حسن حمادي، الذي أشار الى أن “هناك تنسيقا كاملا مع النقابات والبلديات بشكل مستمر، وذلك لخلق بيئة متكاملة من التعاون في مختلف الأصعدة التي تعنى بحياة مزارع التبغ، لمحاولة تأمين أكبر قدر ممكن من التسهيلات لضمان حياة أفضل لهؤلاء”.
وعن النشاطات التي تقوم بها المديرية والنقابات أوضح حمادي أنه “يتم التعاطي مع البلديات بموجب برنامج الإدارة للتنمية المستدامة، حيث بادرت إدارة الريجي الى دعم المجتمع المحلي للقرى المزارعة عبر برامج تربوية يتم عبرها تقيمم الحاجات الملحة في كل قرية بهدف خلق مشاريع تنعكس إيجابا على واقع المزارعين وقراهم”.
وقال: في المقابل، هناك الدعم الأهم الذي يجب أن يعطى للمزارع، يكمن بإعطائه حقوقه وتحقيق مطالبه المحقة بإدخاله إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ورفع سعر كيلوغرام التبغ تماشيا مع الغلاء الفاحش في أسعار السلع. عن هذا الموضوع تؤكد الريجي أن هذا المطلب لم تتم الاستجابة له وذلك لاعتبارات قانونية لا علاقة لإدارة حصر التبغ والتنباك بها، رغم ترحيبها بكل ما يهدف لتعزيز واقع المزارع”.
وعن تسعيرة شراء المحاصيل لفت حمادي الى أن” هذه التسعيرة تصدر عن سلطة الوصاية أي وزارة المالية، وهي تتماهى مع كلفة الزراعة وكلفة الدعم المطلوبة كي تكون ذات جدوى إقتصادية للمزارع والإدارة على السواء، وتراوحت بين:
15950 ليرة لنوعية “الجيد” عام 1995 لتبلغ 18850 موسم2019
11550 ليرة لنوعية “وسط” عام 1995 لتبلغ 13400 موسم 2019
4500 ليرة لنوعية “متدني” عام 1995 لتبلغ 5150 موسم 2019″.
اذا ووفق حمادي فإن وتيرة الزيادة على مدى 24 عاما لم تتغير كثيرا بحيث ارتفعت بشكل خفيف، على الرغم أن الأسعار العالمية للتبغ المماثل تتدنى في البلدان المجاورة من موسم لآخر وفق مبدأ العرض والطلب لنفس النوعية المنتجة لدينا، وهي لا تدخل في الصناعة الوطنية الا بكميات نادرة، ويتم تصدير الباقي وفق مبدأ المقايضة.
أسباب مختلفة أدت الى تراجع زراعة التبغ في جنوب لبنان وسيرها نحو الاضمحلال، وعلى رأسها غياب السياسات الزراعية التي لو وجدت لكان قطاع الزراعة في وضع أفضل، ولما ازداد واقع زراعة التبغ مرارة في كل موسم. فبحسب الريجي إن زراعة التبغ تعيش واقعا صعبا نظرا للكلفة المالية العالية والمردود المحدود . وعلى الرغم من ذلك تؤكد الريجي أنها تشتري محاصيل المزارعين بمبالغ كبيرة تفوق مردود بيعها بأضعاف وذلك بهدف دعم هذه الزراعة، على الرغم من أنه ووفق الواقع الحالي لا مستقبل لزراعة التبغ، ما يفرض علينا جميعا في لبنان مليا بهذه الزراعة.
الجمعة 24 كانون الثاني 2020