ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران حنا علوان ولفيف من الكهنة، في حضور النائب نعمة افرام، النائب السابق ميشال الخوري، قائمقام كسروان الفتوح جوزف منصور، السفيرين جورج خوري ويوسف صدقه، القنصل ايلي نصار، وفد من مؤسسة “ابوستوليكا”Apostolica وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “لا تخف يا زكريا، فقد استجيبت صلاتك” قال فيها: “على الرغم من أن زكريا الكاهن وزوجته أليصابات حرما ثمرة البنين، وهم هبة من الله، فقد ظلا حتى شيخوختهما “بارين أمام الله، وسائرين في جميع وصاياه ورسومه بلا لوم” (لو6:1). وسلما أمرهما لعنايته. وإذا بالرب بحسب تدبيره الخلاصي يستجيب لصلاتهما. فعندما كان زكريا يقوم، بحسب الترتيب الكهنوتي، بخدمة البخور، تراءى له الملاك جبرائيل، من عن يمين مذبح البخور ونقل إليه البشرى السارة: “لا تخف يا زكريا، فقد استجيبت صلاتك، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنا تسميه يوحنا” (لو13:1). هذه أمثولة لنا في الرجاء الذي لا يخيب، وفي الصلاة التي لا ترد”.
اضاف: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية التي نفتتح بها زمن الميلاد ببشارة الملاك جبرائيل لزكريا الكاهن. نصلي كي تكون مسيرتنا الروحية نحو ميلاد الرب يسوع مسيرة هادئة سلامية، نلتمس فيها تحرير المسؤولين السياسيين من أنانيتهم ومصالحهم الشخصية والفئوية، وتلبية نداء الشعب والشباب الذين منذ 30 يوما يطالبون بحكومة فاعلة ونظيفة تعيد إليهم الثقة، وتؤمن النهوض الاقتصادي والنقدي والمعيشي. وتخرجهم من فقرهم وحرمانهم، وتوفر لهم فرص العمل”.
وتابع: “ويسعدنا أن نحتفل بعيد مؤسسة Apostolica التي تهدف إلى تنفيذ الإرشاد الرسولي “الكنيسة في الشرق الأوسط”. فتدعو مسيحيي الشرق الأوسط إلى قراءة الإنجيل قراءة متجددة حيال التحديات المعاصرة، من أجل استشراف آفاق جديدة، وعيش رجاء جديد، من خلال حضور فاعل ومتفاعل في محيطهم. فلبلوغ هذه الغاية تعمل Apostolica على تأمين تثقيف ديني متكامل من خلال وسائل الاتصال والتواصل على أنواعها، “والتعلم عن بعد” بالتعاون مع الجامعات الكاثوليكية. فإنا نحيي مؤسسها سيادة أخينا المطران عاد أبي كرم ومعاونيه، ونشكرهم على هذه الخدمة الإنجيلية، راجين أن تؤتي كامل ثمارها، ونهنئهم بعيدها السنوي”.
واردف الراعي: “نستطيع أن نطلق على بشارة الملاك لزكريا إسم “إنجيل الرجاء” الذي لا يخيب المؤمنين بالله، السالكين بحسب رسومه ووصاياه بأمانة، والمتكلين على عنايته، لإيمانهم بأنه سيد التاريخ. فيحافظون على هذه العلاقة معه بالصلاة. بهذا الإيمان سلك زكريا وأليصابات بدون لوم، فكان أن استجاب الله صلاتهما، وفي سن الشيخوخة كانت لهما البشرى بولد طالما انتظراه. إن الله أمين بوعده ويتدخل في تاريخ البشر في الوقت الذي يتناسب مع تصميمه الخلاصي. في الواقع، قبل ستة أشهر من البشارة لمريم العذراء بأن منها يولد، بقوة الروح القدس، ابن الله إنسانا لخلاص الجنس البشري، كانت البشارة لزكريا بأن امرأته ستلد له ابنا يمهد الطريق للمخلص الإلهي الآتي، على أن يكون اسمه يوحنا، إظهارا أن “الله رحوم”، كما يعني هذا الاسم باللغة الآرامية، وأنها تشمل جميع الناس والشعوب.
لقد التمس طويلا زكريا وأليصابات من الله ابنا، يكون ثمرة حياتهما الزوجية. لكن الله أنعم عليهما، بحسب تدبيره، ابنا صاحب رسالة عظيمة بالنسبة إلى المسيح الآتي، فهو خاتمة أنبياء العهد القديم، وأول نبي في العهد الجديد. إنه الفجر المبشر ببزوغ الشمس الإلهي، المعلن بلوغ ملكوت الله. فكانت رسالته الدعوة إلى معمودية التوبة. عن يوحنا قال الرب يسوع: “لم يولد مثله في مواليد النساء” (متى 11:11).
عطاء الله هو دائما أكبر مما نطلب، وأفضل، وأفيد. عطاؤه إنما هو بمقدار محبته اللامتناهية، وحكمته التي لا تدرك. فلا تقاس عطاياه بمقاييس البشر”.
وقال: “الرب يسوع يستحثنا لنصلي وبإلحاح: “إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم. فمن يسأل ينل، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له” (لو9:11). يشرح القديس أغسطينوس سبب إلحاح الرب للصلاة. فيقول: “لأن المسيح يصلي معنا كرأس، ويتشفع لنا ككاهن، ويلبي طلبنا كإله”.
وحيا “كل الذين يصلون في هذه الأيام الصعبة من حياتنا الوطنية في لبنان، أكانوا في بيوتهم أم على فراش الألم في المستشفيات، أم في الرعايا والأديار. وأحيي بنوع خاص كل الذين يواظبون على الصلاة معنا يوميا في كنيسة الكرسي البطريركي، سواء بحضورهم، أم عبر وسائل الإعلام والتواصل ولاسيما تيلي لوميار و Charity TV و Facebook، وسواها. نصلي مع الذين يتألمون من الجوع والعوز والضائقة المالية والحاجة إلى دواء وإلى عناية صحية ومع العاطلين عن العمل وهم أرباب عائلات. وندعو إلى مبادرات تضامن لمساعدتهم في البيئة التي يعيشون فيها، بحيث نشكل نوعا من سلسلة محبة اجتماعية. ونصلي مع شعبنا وشبابنا، شبانا وصبايا، الذين يحيون هذه الانتفاضة الشعبية السلمية في الشوارع والساحات العامة العابرة للطوائف والأحزاب والألوان والمناطق، والتي تؤلف وحدة وطنية متراصة تحت راية الوطن الواحدة. إنا ندعوهم للمواظبة على الصلاة، وللتمسك بالأخلاقية واحترام المواطنين في حاجاتهم الملحة والحياتية وتنقلاتهم، فلا يكونوا مكسر عصا، والابتعاد عن النزاعات”.
وتوجه الى السياسيين قائلا: “وأنتم أيها السياسيون المسؤولون، من شتى المواقع، عن تأليف الحكومة الجديدة، نحن نصلي أيضا من أجلكم، لكي تتحرروا من مصالحكم وحساباتكم الخاصة والفئوية، ومن ارتباطاتكم الخارجية، وتدركوا مسؤوليتكم التاريخية عن الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي. وهي مسؤولية ستحاسبكم عليها الانتفاضة الشعبية، والتاريخ، وصوت الله في أعماق ضمائركم. ثلاثة أسابيع مرت على استقالة الحكومة، والمواقف هي هي، ومركب الوطن آخذ في الغرق. فأية مسؤولية هي هذه؟ هل أضحت المسؤولية السياسية عندنا للهدم والخراب والتعطيل؟ أليس هذا جرما كبيرا بحق الوطن والمواطنين؟ أليس خيانة عظمى إفقار الشعب وتفكيك الدولة؟
ولا تنسوا تأكيد مقدمة الدستور أن الشعب هو مصدر سلطتكم! لا تزدروا بانتفاضة الشباب السلمية والحضارية والمجردة من أي سلاح! لا تسيسوها، ولا تلونوها! فالشباب سئموا سياساتكم وألوانكم، ويريدون سياسة شريفة تعمل متفانية في سبيل توفير الخير العام. هذه السياسة لم تمارسوها أنتم، فأوصلتم البلاد إلى الإفلاس والانهيار. لكن رجاءنا بالله كبير، وبالمسيح الذي غلب الخطيئة بالنعمة، والموت بالقيامة، والاستعباد بالحرية.
للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، نرفع بهذا الرجاء نشيد المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين بالذبيحة الالهية.
الأحد 17 تشرين الثاني 2019 الوكالة الوطنية للإعلام