صلّى البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، خلال عظة الأحد التي ألقاها بعنوان “متى جاء إبن الإنسان في مجده، يجلس على عرش مجده وتُحشد أمامه جميع الأمم” (متى 25: 31-32)، من أجل شفاء المصابين بوباء كورونا وسائر المتألّمين من مرضى وجائعين وفقراء ومظلومين ومهمَلين. ومن أجل لبنان وشعبه ومنكوبي انفجار بيروت وضحاياه الموتى والأحياء.
والتمس خلال العظة، من الله، “حلّ الأزمة اللبنانيّة بدءًا بتكليف رئيس جديد للحكومة، وبتشكيلها بأسرع ما يمكن على أسس سليمة، مبنيّة على الدستور والميثاق، وقادرة على إجراء الإصلاحات والنهوض الاقتصادي والماليّ والمعيشيّ. فنشكر الله على التكليف ونسأله أن يواكب التشكيل بمسّ ضمائر جميع المسؤولين وقلوبهم، محرّرًا إيّاها من أسر المصالح والكيديّة، الشخصيّة والسياسيّة”.
ورأى أنّه “إلى الآن أخفق المسؤولون في المؤسّسات الدستوريّة والإدارات العامّة في واجب تأمين الخير العام، لأنّهم اعتنوا فقط بخيرهم الشخصي الخاص، وبعدم الولاء للوطن، وبالفساد وسرقة المال العام وتقاسم المغانم. ففكفكوا أوصال الدولة، وأفقدوها هيبتها وكسروا وحدتها، وأرهقوها بالديون وأفقروا شعبها، واستباحوا السلاح غير الشرعيّ والمتفلّت، وهجّروا شبابها وقواها الحيّة، وأوصلوها إلى حالة البؤس”.
أمام هذا الواقع الأليم والالتزام بإزالته، تابع الراعي، أنّ “الحكومة العتيدة تقف قبل تشكيلها وبعده. فإنّا، إذ نهنئ رئيسها المكلّف السيد سعد الحريري، نُشجّعه ونرغب إليه أن ينطلق في تشكيل حكومته من هذا الواقع. فمعه الشعب المنتظر الفرج، والثورة الإيجابيّة العابرة للطوائف والأحزاب والمناطق، ومعه اللبنانيّون المحبّون للبنان، ومعه الكنيسة المؤتمنة على خير كلّ إنسان، ومعه منكوبو نصف العاصمة بيروت المدمّرة من إنفجار المرفأ، وأكثريّة أهلها الساحقة من المسيحيّين”.
وتوجّه إلى الحريري بالقول: “تخطَّ، أيّها الرئيس المكلّف، شروط الفئات السياسيّة وشروطهم المضادّة، وتجنّب مستنقع المصالح والمحاصصة وشهيّة السياسيين والطائفيين، فيما الشعب منهم براء. من أجل بلوغ هذا الهدف نقول لك باحترام ومودّة: التزم فقط بنود الدستور والميثاق، ومستلزمات الإنقاذ، وقاعدة التوازن في المداورة الشاملة وفي اختيار أصحاب الكفاءة والأهليّة والولاء للوطن، حيث تقترن المعرفة بالخبرة، والاختصاص بالاستقلالية السياسيّة. احذر الاتفاقيات الثنائيّة السريّة والوعود، فإنّها تحمل في طيّاتها بذور خلافات ونزاعات على حساب نجاح الحكومة: “فلا خفيّ إلّا سيظهر، ولا متكوم إلّا سيُعلم ويعلن، لأنّ كلّ ما قلتموه في الظلمة سينادى به على السطوح” (لو 12: 2-3)، على ما يقول السيّد المسيح. لا تضع وراء ظهرك المسيحيّين، تذكّر ما كان يردّد المغفور له والدك: “البلد لا يمشي من دون المسيحيّين”. هذا انتباه فطن وحكيم، فالمسيحيّون لا يساومون على لبنان لأنّه وطنهم الوحيد والأوحد، وضحّوا كثيرًا في سبيل إيجاده وطنًا للجميع، وما زالوا يضحّون”.
وأضاف: “أنتم هذه المرّة، خلافًا لكلّ المرّات السابقة، أمام تحدٍّ تاريخيّ وهو إعادة لبنان إلى دستوره نصًّا وروحًا، وإلى ميثاقه، وإلى هويّته الأساسيّة الطبيعيّة كدولة الحياد الناشط، أي الملتزمة ببناء سيادتها الداخليّة الكاملة بجيشها وقواها العسكريّة، والقائمة على سيادة القانون والعدالة، والممسكة وحدها بقرار الحرب والسلام، والمدافعة عن نفسها بوجه كلّ إعتداء خارجيّ بجيشها وقواها الذّاتيّة، والفاصلة بين الحقّ والباطل. دولة حياد ناشط في تعزيز لقاء الثقافات والحضارات والأديان وحوارها، وفي الدفاع عن حقوق الإنسان والشعوب لا سيما العربيّة منها. ودولة حياد ناشط تنأى بنفسها عن الدخول في أحلاف وصراعات وحروب إقليميّة ودوليّة. هذا الحياد الناشط هو المدخل الضامن إلى الوحدة الداخليّة وإلى الإستقرار والنهوض الإقتصاديّ والماليّ والإنمائيّ والاجتماعيّ”.
وتابع توجّهه إلى الحريري قائلاً: “تطلّع يا دولة الرئيس، مع فخامة رئيس الجمهوريّة بعين واحدة: إلى بيروت المدمّرة التي يجب إعادة إعمارها، وإلى نجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، مصير النفط والغاز وتأمين مردوده إلى خزينة الدولة؛ وإلى مواكبة المبادرة الفرنسيّة والإشراف على المساعدات والهبات الآتية من الدول الخارجيّة. أمّا الآن وقد انتهت استشارات التأليف، والمطالب اتّضحت، وحاجة البلاد معروفة، وحالة المنكوبين المأساويّة ضاغطة، وشروط الإنقاذ الدوليّ صريحة، فلا يبقى سوى العجلة في تشكيل الحكومة. والعجلة هذه المرّة من الله. فلا تخيّبوا مرّة أخرى آمال اللبنانيّين والمجتمع الدوليّ”، موضحاً: “لست أعني بالعجلة التشكيل كيفما تيسّر، وعلى قاعدة: “من مشى مشى، ومن لم يمشِ يبقى خارجًا”. لبنان ذو نظام ديموقراطي يتفاهم فيه الجميع موالون ومعارضون من أجل الخير العام”.
الأحد 25 تشرين الأول 2020