ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الاحد في كنيسة السيدة، في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران حنا علوان ولفيف من الكهنة، في حضور النائب ادغار معلوف، العميد الركن عفيف صالح ممثلا قائد الجيش العماد جوزيف عون، العميد ميلاد خوري ممثلا المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، العقيد ريمون ابو معشر ممثلا المدير العام لأمن الدولة اللواء انطوان صليبا، رئيس الطبابة العسكرية العميد الركن جورج يوسف، رئيس فرع مخابرات جبل لبنان العميد كليمان سعد ممثلا مدير المخابرات العميد الركن انطوان منصور، رئيس حزب البيئة العالمي ضومط كامل، أمين سر نقابة شعراء لبنان الشاعر إميل نون، قائد اللواء الثاني عشر في الجيش العميد فادي ابو حيدر، وفد من القوة الدولية في الجنوب ممثلا قائد “يونيفيل” الجنرال ستيفانو دل كول، “مؤسسة المقدم المغوار الشهيد صبحي العاقوري” برئاسة ليا العاقوري، عائلة الراحل جينو كلاب، وفد من الحجاج البولنديين وعدد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الإنجيل، ألقى الراعي عظة بعنوان “أنا أمة الرب. فليكن لي بحسب قولك”، قال فيها: “على بشارة الملاك جبرائيل المفاجئة والصعبة، وفيها تصميم الله على مريم لتكون اما لابنه الذي سيأخذ جسدا بشريا منها بقوة الروح القدس، وهي المخطوبة ليوسف، ولم تنتقل بعد إلى بيته لمساكنته بحسب الشريعة، أجابت بإيمان وشجاعة: “أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك” (لو 38:1). إن أمنا وسيدتنا مريم العذراء، هي مثال لنا في اتخاذ القرار الشجاع المبني على الإيمان بالله وبتصميمه الخلاصي للجنس الشري بأسره”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه اللتورجيا الإلهية التي نلتمس فيها نعمة الإيمان وشجاعة القرار. ويطيب لي أن أرحب بكم جميعا. فأحيي بخاصة مؤسسة المقدم المغوار الشهيد صبحي العاقوري التي أنشأتها زوجته السيدة ليا إحياء لذكراه وذكرى شهداء الجيش، إنها حاضرة مع أولادها الأربعة الذين كانت أعمارهم تتراوح يوم استشهاد والدهم بين الخمس سنوات والسبعة أشهر. تعنى هذه الجمعية بأطفال لبنان وبخاصة بأطفال شهداء الجيش وعائلاتهم، فتقوم بنشاطات لصالحهم من مثل السفر إلى الخارج، وتنظيم رحلات ومخيمات ترفيهية، بالإضافة إلى إنشاء حدائق عامة في أكثر من منطقة لبنانية، وتجهيز قاعات في ثكنات عسكرية بالتعاون مع قيادة الجيش اللبناني والقوى الأمنية كافة والقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان. ونحيي عائلة المرحوم جينو كلاب، رئيس بلدية جبيل السابق، الذي ودعناه معهم منذ عشرين يوما. فنحيي زوجته وابنته وكل الأنسباء. ونذكره في هذه الذبيحة الإلهية مع المرحوم المقدم الشهيد صبحي العاقوري، راجين لهما الراحة السعيدة في الملكوت ولأسرتيهما العزاء. ونرحب أيضا بجماعة الحجاج الآتين من بولندا، وطن القديس البابا يوحنا بولس الثاني، والقديسة فوستينا، رسولة الرحمة الإلهية. إنهم في زيارة تقوية إلى قديسي لبنان، ولاسيما القديس شربل، الذي يحظى بتكريم خاص في كل بولندا. نتمنى لهم زيارة مباركة وإقامة سعيدة في ربوعنا اللبنانية”.
وتابع: “إن البشارة لمريم بأن منها يولد ابن الله إنسانا لخلاص الجنس البشري، يعتبرها بولس الرسول “ملء الزمن”، إذ كتب إلى أهل غلاطية: “لما بلغ ملء الزمن، أرسل الله ابنه مولودا لإمرأة، في حكم الشريعة، ليفتدينا فننال منزلة البنين” (لو 26:1). عندما نقرأ: “في الشهر السادس أرسل الملاك جبرائيل من عند الله” (لو 26:1)، نفهم تحدديا زمنيا مرتبطا بالبشارة لزكريا قبل ستة أشهر. لكنه يعني لاهوتيا مسيرة تاريخ الخلاص الذي يقوده الله، عبر تاريخ البشر، الذي الله أيضا يسوده. إن “ملء الزمن” في البشارة لمريم هو في آن نقطة وصول لجميع الأجيال التي استنارت بنبوءات العهد القديم، ونقطة انطلاق في تحقيقها”.
وقال: “التقى تصميم الله مع مسيرة التاريخ البشري، بإرسال الملاك إلى عذراء مخطوبة لرجل إسمه يوسف (لو 26:1). الخطبة في الشرع القديم هي عقد زواج أبرم شرعا، على أن تنتقل المخطوبة إلى بيت عريسها بعد بضعة أيام. يوسف ومريم إذن زوجان شرعيان لم يتساكنا بعد. ويسوع ابن الله منذ الأزل ولد بقوة الروح القدس من أم عذراء في إطار زواج شرعي. إنه بحاجة إليه قانونيا واجتماعيا. فكان معروفا أنه إبن يوسف ومريم من الناصرة. أن يتدخل الله لتحقيق تصميمه، في الفترة الفاصلة بين عقد الخطبة والانتقال إلى البيت الزوجي، فهذا يعني أن الله يحقق تاريخ الخلاص عبر تاريخ البشر. فلا بد للإنسان في كل ظروف حياته، ولاسيما إذا كان يحمل مسؤولية ما في البيت والمجتمع أو في الكنيسة والدولة، أن يقرأ التصميم الإلهي في علامات الزمن، ويتصرف بوحي هذه القراءة”.
أضاف: “بجواب “نعم” لبشارة الملاك، قدمت عذراء الناصرة كل ذاتها، عقلا وقلبا وإرادة وجسدا، لنتائج هذا الجواب. إنها شجاعة الأبطال المؤمنين بالله والقضية العامة، شجاعة القرار الحر السيد المستقل. هذه الشجاعة نفتقدها عند أصحاب القرار السياسي عندنا في لبنان، غير القادرين على اتخاذ القرار الشجاع، لصالح لبنان وشعبه، لأنهم ما زالوا أسرى مصالحهم ومواقفهم المتحجرة وارتباطاتهم الخارجية وحساباتهم. لكننا والحمد لله نجد هذه الشجاعة عند شعبنا، بكباره وشبانه وصباياه، في انتفاضتهم السلمية والحضارية منذ سبعة وثلاثين يوما. هؤلاء من كل المناطق اللبنانية والطوائف والمذاهب والأحزاب، من دون أن يعرفوا بعضهم بعضا، التقوا أخذوا قرارهم الشجاع والحر. فطالبوا بإجراء الاستشارات النيابية وفقا للدستور، وتشكيل حكومة جديدة بأسرع ما يمكن، توحي بالثقة وتباشر الإصلاح ومكافحة الفساد وإدانة الفاسدين، واستعادة المال العام المسلوب إلى خزينة الدولة، وإيقاف الهدر والسرقات. حكومة تبدأ بالنهوض الاقتصادي بكل قطاعاته، من أجل خفض العجز، وتسديد الدين العام المتفاقم، ورفع المالية العامة. قرارهم رفض أنصاف الحلول، والوعود الكلامية، لأنهم شبعوا منها، وقد بلغت بالدولة إلى حد الإفلاس، وبالشعب إلى الفقر والجوع، وبالشباب والأجيال الطالعة إلى الهجرة بحثا عن أوطان بديلة. أما اليوم فقرارهم هو البقاء على أرض الوطن ووضع حد للذين أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه اليوم”.
وتابع: “حقق هؤلاء المنتفضون اليوم ما قاله المكرم البطريرك الياس الحويك، رئيس البعثة اللبنانية إلى مؤتمر الصلح في فرساي سنة 1919ومهندس قيام دولة لبنان الكبير: “لا يوجد في لبنان طوائف، بل طائفة واحدة إسمها الطائفة اللبنانية. لبنانيون نحن وسنبقى لبنانيين متحدين في وطنية واحدة. لذلك ما يهمنا، في الذي يدير شؤون وطننا، تعلقه بالعدالة والرأفة، لا بمعتقداته الدينية. فليبارك الله كل الذين يريدون خير لبنان، إلى أي طائفة انتموا”.
وختم الراعي: “يسوع الإله، بميلاده في عائلة بشرية، قدس العائلة، ورفعها إلى رتبة سر مقدس، فيكون الله حاضرا في كل زواج شرعي، ويقدس الزوجين بنعمته ويعضدهما، ويجعل من العائلة كنيسة بيتية مصغرة تنقل الإيمان وتعلم الصلاة. نصلي اليوم من أجل حماية قدسية العائلة وتربية أفرادها على القيم المسيحية والأخلاقية والإنسانية من أجل مجتمع أفضل. ويبقى يرتفع منها نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.
الأحد 24 تشرين الثاني 2019 الوكالة الوطنية للإعلام