روما – طلال خريس – وطنية – استذكرت اليوم الصحف الايطالية ذكرى اغتيال رئيس الوزراء السابق، وزعيم الحزب الديموقراطي المسيحي الدو مورو، في التاسع من أيار، وهو اليوم الذي تعتبره ايطاليا يوما لجميع ضحايا الارهاب بكل انتماءاتهم.
ففي 16 آذار 1978، خطفت مجموعة مسلحة اتخذت اسم “الالوية الحمراء اليسارية المتطرفة” الدو مورو البالغ من العمر 62 عاما، بعد أن قتلت سائقه وكل أفراد حراسته. ثم عثر على جثته، بعد 55 يوما من اختطافه ووضعه في “سجن الشعب”، في صندوق سيارة تركت في شارع فاني وسط روما على مسافة متساوية من مقري حزبه والحزب الشيوعي. وبقي خطف “مورو” ذكرى تطارد الذاكرة الجماعية الايطالية، وقضية يشوبها الكثير من الغموض بعد 42 عاما على حصولها.
الحادث المؤلم، أثار صدمة كبيرة لدى الرأي العام الايطالي، ودشن مرحلة خطيرة. خاصة وان مورو كان أبرم “تسوية تاريخية” Compromesso storico مع الشيوعيين لتشكيل حكومة ائتلافية من أجل مواجهة وضع اقتصادي صعب ومكافحة الإرهاب الذي انتشر في إيطاليا حينذاك.
وتباينت الاراء حول سبب اختطاف مورو وقتله، فمنهم من يقول أن زعيم الحزب الديموقراطي المسيحي صنع لنفسه عدة خصوم من الذين لا يؤيدون سياسة التسوية التاريخية مع الحزب الشيوعي الايطالي، في بلد ينتمي إلى حلف شمال الأطلسي. فيما رأى العديد من المؤرخين في تلك الفترة، أنه لم تبذل جهود كافية للعثور على مورو وتحريره، وإن الدولة الإيطالية، في ذلك الحين اختارت أن تضحي به.
قتل الزعيم مورو بينما كان العالم في أوج الحرب الباردة، وكان يسعى للتقارب مع الشيوعيين الذين يمثلون 34 في المئة من الناخبين في مشروع تسوية تاريخية.
الصحافي سعد كيوان الخبير بالشؤون الايطالية اعتبر ان “تلك المرحلة كانت مفصلية في الحياة السياسية الايطالية وخصوصًا دور الحزب الشيوعي الذي راح يسلك طريق الاستقلالية وينتهج خطًا اشتراكيًا ديموقراطيًا بعيدا عن التبعية للسوفيات بفضل زعيمه التاريخي والمستقيم والشفاف انريكو برلينغوير الذي كان السباق في طرح المسالة الأخلاقية في السياسة ومحاربة الفساد. وان ما مكنه من ذلك الانتصار التاريخي الذي حققه الحزب في انتخابات 1976 التي حقق فيها نسبة غير مسبوقة وهي 34 ٪ من الأصوات وتقدم يومها الى المركز الأول وهذا ما دفع الدو مورو عن البحث عن اتفاق توج بتسوية تاريخية ولأول مرة حكومة مشتركة مع الشيوعيين!”
وعن سبب اختطاف واغتيال مورو قال كيوان: “طبعا قراءة اختطاف مورو وخلفياته معقدة ولكنني اعتقد ان الولايات المتحدة لم تكن بعيدة عما يجري. حصل ذلك في عهد جيمي كارتر الذي كان على ما يبدو ضعيفًا او غير ممسك تماما في زمام أمور السياسة الخارجية، وهي التي على الأرجح أدت الى فشله في التجديد ولاية ثانية في ١٩٨٠ على وقع أزمة احتجاز الخميني الرهائن في السفارة الاميركية في طهران وفشل التدخل العسكري الاميركي لإنقاذهم. بالتالي القرار يومها كان بيد أجهزة الاستخبارات التي ارادت بطبيعة الحال افشال التسوية التاريخية ومنع الشيوعيين من الوصول السلطة بالأساليب الديموقراطية (وليس بانقلاب او حركة عنفية…) ما كان سيعني انتشار العدوى في دول اوروبا الغربية في زمن كان فيه الشيوعيون أقوياء في إيطاليا وفي فرنسا (٢٤٪) وفي اسبانيا (١٧٪) وكان الاشتراكيون بحاجة اليهم. إيطاليا كانت الحلقة الأساسية لضرب هذا النمو التصاعدي الشيوعيين في اوروبا وزعزعة حلف شمال الأطلسي!
وتابع كيوان “اما محليًا فاعتقد ان اغتيال مورو هو الى حد كبير مسؤولية القوى السياسية التي اختلفت حول مسالة التفاوض وان غير المباشر الذي كان بإمكانه ان ينقذ حياة مورو. والموقف المتشدد الرافض جاء أولا من كراكسي ولاقاه فيه بعض وجوه الديموقراطي المسيحي، اما برلينغوير فكان في البداية رافضا ثم اعتبر ان لأسباب إنسانية انه لا بد من إنقاذ حياة مورو. ناهيك عن معضلة عدم التنازل امام الإرهاب التي شكلت المأزق الكبير للقوى السياسية. اما الألوية الحمراء فقد أعطاهم هذا المشهد المعقد والملائم الفرصة للاندفاع بمخططهم الجهنمي غير آبهين وكان كل همهم فرط التسوية وتوجيه ضربة للحزب الشيوعي “التحريفي”.
ولا شك ان ملابسات هذه الجريمة تركت أثقالها على برلينغوير الذي راح يركز على مسألة الإرهاب والمسالة الأخلاقية والفساد حتى انفجر رأسه وسقط صريعا !!
الاحد 10 أيار 2020