فيما يلي ترجمة سريعة لتقرير نشرته منذ قليل وكالة الصحافة الفرنسية عن الأزمة السياسية التي تعيشها إيطاليا بالتوازي مع الازمة الصحية الخطيرة الناتجة عن تفشي وباء كورونا بشكل غير مسبوق، ومحاولة الأطراف السياسية المختلفة تسجيل النقاط على بعضها البعض في معركة فيما بينها لم تبدأ مع أزمة كورونا وانما سبقتها بكثير أقله منذ انتخابات البرلمان الأوروبي التي برز فيها تقدم اليمين المتطرف “الرابطة” على حليفه الحزب الشعبوي الناشئ حديثا “حركة 5 نجوم”. وكان الحزبان اليمينيان تقاسما المشهد طوال سنة كاملة ليفرط عقد تحالفهما بعد الانتخابات الأوروبية حيث خرجت الرابطة الى المعارضة ودخل الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) في ائتلاف حكومي مع حركة 5 نجوم.
ماذا يقول تقرير فرانس برس:
يرى محللون ان ايطاليا تحدق فى اسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، مما قد يعزز اليمين المتطرف ويضر بعلاقة البلاد مع الاتحاد الاوروبى.
وسوف يعوَّل كثيراً على كيفية تعامل روما مع تخفيف قيود الإغلاق الوطني، ومدى سرعتها في تأمين السيولة للشركات التي تعاني من جراء الاقفال، ومدى التضامن المأمول الحصول عليه من الاتحاد الأوروبي في اجتماع الأسبوع المقبل.
إن حالة الطوارئ المتعلقة بالفيروس كورونا في إيطاليا لم تؤجج الكبرياء الوطني فحسب، بل غذت أيضاً الروايات الشعبوية والمتشككة في أوروبا.
ويمكن أن يشكل ذلك ورقةً قوية بيد ماتيو سالفيني، الذي حكم حزبه “الرابطة” إيطاليا في ائتلاف لمدة عام حتى صيف عام 2019، والذي عقد العزم على العودة بسرعة إلى السلطة، والانفراد بالحكم.
وقال جيوفاني اورسينا استاذ السياسة في جامعة لويس LUISS في روما لوكالة فرانس برس ان “الضربة (الاقتصادية) ستكون قاسية للغاية، هذا واضح. لكن يمكن ان يكون الامر صعبا جدا او قد يكون صعبا بشكل استثنائي”.
وقال “إذا بدأ الناس يعانون بشكل خطير، يمكن أن ينتشر الغضب في جميع أنحاء البلاد… وعند هذه النقطة تصبح الدعاية اليمينية المتطرفة فعالة للغاية”.
في ذروة هذه الأزمة الصحية، التي أودت بحياة أكثر من 22,000 شخص وأصابت حوالي 169,000 شخص، وتمركزت إلى حد كبير في شمال ايطاليا الغني، دعت الأحزاب السياسية المتحاربة إلى هدنة مؤقتة من نوع ما.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن شعبية رئيس الوزراء جوزيبي كونتي ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 63 بالمئة.
– المشاحنات المريرة –
ولكن مع بدء الاستعدادات لتخفيف القيود وإعادة إطلاق أجزاء من الاقتصاد، ظهرت تصدعات في الائتلاف الحاكم الهش أصلاً، الذي يتكون من الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) وحركة خمس نجوم الشعبوية المناهضة للمؤسسات.
واستأنف زعيم المعارضة سالفيني هجماته الضارية على الحكومة، إلى جانب جورجيا ميلوني، رئيسة حزب “إخوان إيطاليا” اليميني المتطرف الصغير، الذي يتمتع اليوم بارتفاع في شعبيته.
واندلعت مشاحنات مريرة حول طول فترة الطوارئ التي شلت الاقتصاد والتي مددها كونتي ومن المقرر رفعها يوم 4 مايو بعد إغلاق استمر لشهرين تقريبا.
فالملايين من الإيطاليين إما علقت أعمالهم أو فقدوا وظائفهم فعليا، والمناطق الشمالية – معقل الرابطة – تضغط لإعادة مواصلة الاعمال.
وسمح التأخير في اغلاق العديد من بؤر الفيروسات الساخنة في منطقة لومبارديا، التي تضم العاصمة المالية ميلانو، بانتشار الفيروس، ما اثار خلافا بين الحكومة والرابطة، حيث ألقى كل منهما باللوم على الاخر لفشله فى التعاطي مع المسألة.
وتدعو حركة سردين Sardine وهي حركة شبابية يسارية مناهضة للشعبوية تأسست العام الماضي في محاولةٍ لوقف صعود سالفيني، رئيس الوزراء كونتي إلى وضع المنطقة تحت لجنة خاصة لإدارة الكوارث.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتقلص الاقتصاد الإيطالي بنسبة 9.1 في المائة في عام 2020 – وهو أسوأ انخفاض في وقت السلم منذ ما يقرب من قرن من الزمان.
وقال لوبي الأعمال الكبرى Confindustria كل أسبوع اغلاق يقتطع 0.75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، يتردد كونتي في الدخول إلى ما يسمى بـ “المرحلة الثانية”، وهي تخفيف الإغلاق، وسط نصيحة من كبار العلماء بأن الوباء قد يشتعل مرة أخرى، مما يجبره على إغلاق البلاد للمرة الثانية. ويحاول الان الحصول على مساعدة من الاتحاد الأوروبي للتغلب على العاصفة.
– رد فعل عنيف ضد الاتحاد الأوروبي –
وقد وافق وزراء مالية المجموعة الأوروبية على حزمة إنقاذ بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة البلدان الأوروبية التي تضررت بشدة من هذا الوباء – ولكن بعض الإيطاليين يخشون من أن يأتي التضامن عبر الحدود مع قيود قاسية.
وقد رفض الوزراء الاوروبيون حتى الآن الاستجابة لاقتراح من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا بشأن صك اقتراض مشترك، يطلق عليه اسم “الكورونابوند”،coronabonds كان من شأنه أن يجمع الأموال من أجل التعافي بعد الوباء.
ويمكن لهذه السندات أن تخفض تكاليف الاقتراض في إيطاليا، ولكن الدول الشمالية تحاجج إن ذلك يساعد بشكل غير عادل البلدان التي كانت تنفق ما هو أبعد من إمكانياتها لسنوات.
وقد أثار ذلك غضب العديد من الإيطاليين.
كما شعرت إيطاليا بالتخلي عنها في بداية الأزمة، حيث ترددت الدول الأوروبية في تشارك الإمدادات الطبية التي تشتد الحاجة إليها، والتي قدم رئيس المفوضية الأوروبية “اعتذاراً صادقاً” بسببها هذا الأسبوع.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته “تيكني” في الفترة من 9 إلى 10 أبريل/نيسان أن حصة الإيطاليين الذين سيصوتون لمغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام ارتفعت بنسبة 20 نقطة مئوية إلى 49 في المائة، مقارنة باستطلاع سابق للرأي أجري في نهاية عام 2018.
وتتردد روما في قبول خطة الانقاذ الاوروبية التي تشمل قروضا من ضمن آلية الاستقرار الاوروبية ESM الخاصة بحقبة الازمات المالية على الرغم من تخفيف بنود الاصلاحات الاقتصادية والمالية القاسية المرتبطة بها عادة كمتطلبات.
وتثير آلية الاستقرار تلك ذكريات سيئة عن سياسة بروكسل التي أمليت على اليونان التي تم إنقاذها، وقال سالفيني وميلوني إن كونتي سيجرد إيطاليا من سيادتها إذا استخدمها.
كما يشكون من أنه عُرضَ على إيطاليا جزء صغير من الأموال التي تصبها في الاتحاد الأوروبي، وسيتعين عليها دفع فوائد أيضا.
وقال سالفيني ” انها سرقة! “، مذهولا من الاقتراح الذى حصلت عليه ايطاليا فيما يتعلق بالشروط المخفضة.
وقالت ميلوني إن استخدام الآلية “خليق بنظام شمولي”.
في المقابل تأمل الحكومة أن تحرز فوزاً في مسألة السندات المشتركة لتمويل إعادة الإعمار في اجتماع عبر الفيديو لقادة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس المقبل – وربما يسمح لها ذلك بتجنب استخدام “آلية الاستقرار الأوروبية”.
وناشد رئيس الوزراء الايطالى السابق انريكو ليتا Enrico Letta بروكسل وبرلين وباريس “عدم الاستهانة … بتزايد الإحباط من اليورو” في صفوف الإيطاليين. وتابع في تغريدة على تويتر إن ذلك سيكون “خطأ كبيراً”.
– المخاطر –
الاان مشاكل كونتي لا تقتصر على اليمين المتطرف.
ففي حين يؤيد الحزب الديمقراطي استخدام آلية الاستقرار الاوروبية، يعارض فريق من حركة الخمسة النجوم ذلك بشدة، حيث قال احد قادة الحزب فيتو كريمي في مقابلة أجريت معه يوم الأربعاء إن رئاسة كونتي للحكومة معرضة للخطر بسبب ذلك.
ويقول محللون ان رئيس الوزراء يقامر في الحصول على مساعدات اكثر جاذبية من الاتحاد الاوروبى اذا سحب قدميه فوق الآلية الاوروبية.
وقال كونتى يوم الاربعاء انه لن يتخذ قرارا قبل معرفة الشروط الدقيقة وعرضها للدرس أمام البرلمان . وقالت ايطاليا انها ستستخدم موارد اخرى معروضة من الاتحاد الاوروبى مثل صندوق دعم البطالة.
ولكن لم يتضح بعد ان كانت تأكيداته سوف تخفف من هدير الاستياء داخل الحكومة وخارجها.
ووفقاً للمحلل السياسي ستيفانو فولي Stefano Folli فإن كسراً كهذا الذي يقسم حالياً الأغلبية الحاكمة “كان من الممكن أن يطيح فعلا بالحكومة “.
وقد بدا كونتي “مشوشا بشكل متزايد” خلال الأسبوعين الماضيين، وكان خصومه يتغذون من “تعامله المتواضع مع حالة الطوارئ”، كما كتب فولي في صحيفة ريبوبليكا الثلاثاء.
وقد اتُهم رئيس الوزراء بتجنب اتخاذ قرارات صعبة بشأن رفع الإغلاق بمجرد تمديده.
– “مشكلة خطيرة” –
ودعا كونتي الايطاليين الى التحلي بالصبر قائلا ان المساعدات المالية قادمة. ولكن هناك مخاوف حقيقية من أن يؤدي فقدان الوظائف والفقر والتشرد والجوع على نطاق واسع إلى إثارة الاضطرابات الاجتماعية – والثورة ضد الحكومة.
وأشارت تقارير إعلامية إلى ارتفاع في الانتهاكات المنزلية والانتحار مع تعرض الأسر الخاضعة للحجر الصحي للضغوطات.
وقد وضع وزير الداخلية الايطالى الشرطة فى حالة تأهب. وسيولى اهتمام خاص للمناطق الفقيرة جنوب روما حيث يكلف الاغلاق حوالى 10 مليارات يورو شهريا من الانتاجية المفقودة، وفقا لما ذكرته جمعية سفيميز SVIMEZ.
ويتصاعد الغضب هناك خاصة لأنها منطقة تعاني أصلا من ارتفاع معدلات البطالة لم يُسمح لها بمغادرة الإغلاق في وقت مبكر، على الرغم احتوائها علدد قليل نسبياً من حالات الفيروس.
“إذا كان لديك بلد مضطرب جدا جدا، لا يجوز أن يكون لديك سالفيني وميلوني يؤججان النيران”، قال أوريسينا من جامعة لويس LUISS.
وقال ” انتم تخاطرون بمتاعب خطيرة: ارقام اقتراع سيئة للغاية للحكومة ، واشخاص يحتجون فى الشوارع، واشخاص يسرقون فى المتاجر الكبرى، وبلاد غاضبة ” .
وقال أورسينا إن الخيار الوحيد لكونتي في هذه المرحلة هو ضم حزب رابطة سالفيني وحزب “إخوان إيطاليا” الذي يتزعمه ميلوني إلى حكومة وحدة وطنية جديدة – على الرغم من أنها ستكون “عملية معقدة للغاية”.
ولكنه أردف: “لا أعتقد أن كونتي من المرجح أن يكون قادرًا على الاستمرار” كما هي الأمور.
ليس الجميع متشائم!
المعلق في صحيفة “ستامبا” أوغو ماجري Ugo Magri قال إنه من غير المرجح أن يسدد سالفيني و ميلوني ضربة قاضية لكونتي الآن، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنه سيتم إلقاء اللوم عليهما إذا أبطأت مناورتهما أو أعاقت تخفيف الإغلاق.
“وكتب “لن يُمَس كونتي سياسيا طوال ‘المرحلة 2’، وذلك حتى الخريف”.
وفي حين يعتقد المحلل ماسيمو فرانكو Massimo Franco ان القوى الايطالية المناهضة لاوروبا يمكن ان تسود على المدى القصير، الا انه يعتقد “ان الايطاليين سيدركون قريبا ان علاقتهم باوروبا ضرورية ومهمة بشكل متزايد”. كما قال لوكالة الصحافة الفرنسية.
وختم “إن مشاكل مثل الأوبئة تحتاج إلى جهد عابر للأوطان. وأوروبا، على الرغم من كل شيء، تفعل ما في وسعها من أجل إيطاليا”.
المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية إعداد وترجمة Bekaa.com
السبت 18 نيسان 2020