فكتوريا موسى – Bekaa.com
يعتبر جورج عقيص، عضو كتلة الجمهورية القوية، أحد أكثر النواب نشاطاً على صعيد التشريع والمساءلة وطرح الأفكار البناءة تلمساً للحلول وفتحاً لآفاق الحوار وبحثا عن مخارج واقعية تلاقي تطلعات الناس. كيف لا وهو الآتي الى عالم السياسة من بيت القضاء، والعارف بمشاكله ومعوقاته والمؤمن الصلب بإمكانياته إذا توفرت الإرادة السياسية لتنزيهه وتفعيله وتحصينه.
استطاع النائب عقيص من خلال حركته الدائمة في السنة الأولى له في المجلس من أن يشكل علامة فارقة، فكان له الى جانب مشاريع القوانين الكثيرة التي تقدم بها، والأسئلة التي وجهها للحكومة، حضورٌ دائم ورأي ومتابعة لكل الملفات الإنمائية والتشريعية المطروحة. ما خوّله من أن يحجز لنفسه موقعا متقدما بين نواب الأمة القلائل الذين لم تطلهم ثورة الناس المحقة على طبقة سياسية غرقت في الفساد والسرقة ولم تقدّم للبنانيين أي مستقبل واعد.
في مكتبه في زحلة كان لنا معه حوار حول القضايا والمشاكل الراهنة.
البداية كانت من حيث انتهت اليه التسريبات بخصوص تأليف الحكومة العتيدة، مؤكدا ان المنطق السائد في التأليف إنما يعبّر بوضوح عن استمرار نهج المحاصصات الذي ثار عليه اللبنانيون. واعتبر أن بعض الأسماء في الكواليس ليست من الكفاءات بل أسماء مقنعة لشخصيات غير مستقلة، ومقربة من الأحزاب. ما يعني أن اصحابها لن يتمتعوا بالجرأة الكافية لاتخاذ قرارات وإجراءات تقنية “جراحية” تؤلم ولكن تشفي. تؤلم الطبقة السياسية ومن يتحمل مسؤولية الأزمة الراهنة ولا تطال الناس.
وبالنسبة لموقف القوات اللبنانية من إعطاء دياب فرصة التأليف، رأى عقيص أن لبنان بأمس الحاجة الى حكومة، ولكن الحاجة لا تعني الموافقة على حكومة كيفما كان. ورغم علامات الاستفهام على طريقة تكليف حسان دياب، فإنه ما زال امام امتحان.. وإذا استطاع ان يؤلف حكومة اختصاصيين مستقلين فعلا، وان يضمّن البيان الوزاري خطة انقاذ واضحة وجدية، فإن القوات ما زالت عند موقفها من إعطائه الثقة، وإلا المعارضة الشرسة. وهنا الاحتمالات مفتوحة: قد نلجأ لمعارضة منفردة او قد ننخرط في “جبهة معارضة” بحسب ما تقتضيه التطورات السياسية. إذ لا زواج مارونيا في السياسة ولا طلاق نهائيا. مشددا في هذا السياق على أن معارضة القوات لا تشترط وقوف أي فريق الى جانبها. اذ سبق وانفردت في معارضة موازنة 2019 ولم يقف معها احد من حلفائها المفترضين حينها من تيار المستقبل أو الحزب الاشتراكي.
تصور للخروج من الأزمة الاقتصادية
وعن الأزمة المالية اعتبر عقيص أن البداية تكون في تبني سلسلة التدابير الملحة التي نصح بها الخبراء لإنقاذ القطاع المصرفي المهدد بالاقفال او بالتوقف الكلي عن الدفع، مع الأخذ بالاعتبار حماية مدخرات صغار المودعين…وبالتزامن يجب استعادة الثقة الدولية من خلال الإصغاء الى المجتمع الدولي الراغب بمساعدة لبنان ماليا، انما يشترط لذلك تأليف حكومة ذات مصداقية تلبي المطالب الشعبية.
عندما تؤتي إجراءات دعم القطاع المصرفي ثمارها، وتستعيد الحكومة العتيدة الثقة الدولية، قد ننعم ببعض المساعدات المالية. وبالتزامن يجب ان تبدأ مسيرة استعادة ما تيسّر من الأموال المنهوبة عبر الاليات القانونية التي تسمح بالتدقيق بحسابات من تولى المسؤولية العامة. وهنا جدد عقيص التأكيد أن الإطار القانوني لآلية استعادة الأموال متوفر ولا نحتاج الى نص جديد، بل فقط الى الإرادةالسياسية لتطبيق قانون العقوبات وقانون مكافحة تبييض الأموال وقانون الاثراء غير المشروع وقانون تبادل المعلومات لغايات ضريبية ومن ضمنها الطريقة الالكترونية.
معالجة الأزمة تتطلب أيضا برأيه إعادة ترشيد القطاع العام بدءا باحتواء التوظيف العشوائي الذي تمادى بعد الانتخابات الأخيرة، مرورا باعادة هيكلةالإدارة العامة وملء الشواغر والمكننة، فضلا عن اطلاق عجلة الاقتصاد من خلال تخفيض الفوائد المصرفية وبالتوازي تحفيز الاستثمار في الصناعة والزراعة كي ننتقل من الاقتصاد الريعي الى المنتج. ولا ننسى مسألة النزوح السوري التي تثقل كاهل اقتصادنا.
لا قضاء مستقلا من دون بيئة تشريعية حاضنة
وشرح عقيص أن كل ذلك لن يستقيم من غير تفعيل القضاء وتحصينه في وجه التدخلات السياسية. ونقطة التحول تبدأ بالإسراع بإقرار قانون استقلالية القضاء الذي يتم درسه حاليا في لجنة الإدارة والعدل. وهو كفيل وحده بفصل السلطات وتحصين السلطة القضائية عبر النص القانوني.
وأضاف: هذا القانون يخوّل القضاء إدارة أموره بنفسه من دون تدخل السلطة السياسية. بحيث تكون السلطة القضائية العليا، أي مجلس القضاء الأعلى، منتخبة من القضاة ومسؤولة وحدها عن المناقلات والتشكيلات في المحاكم وعبثا نفتش عن طرق أخرى. فلم تحظَ دولة في العالم بقضاء مستقل الا من خلال النصوص القانونية التي أعطت صلاحية المناقلات القضائية للسلطة القضائية العليا المحكومة بتقييم أداء القضاة وفقا لمعايير الكفاءة والفعالية والشفافية.
ولفت عقيص الى ان الكتل النيابية اليوم أمام الامتحان الأهم. فمن يدفع باتجاه تسريع التصويت على القانون يثبت أنه يريد “فعلا لا قولا” دولة المؤسسات. ومن سيضع العراقيل ويصوت ضد القانون مهما كانت ذريعته، فانه بلا شك مرتاح لوضع الفساد.
الانتخابات المبكرة والنظام الانتخابي
لا يعارض عقيص إجراء انتخابات نيابية مبكرة ويرى أن الفريق السياسي المتصالح مع جمهوره يجب ان لا يخاف امتحان الانتخابات المبكرة، ولا بأس إن أعطت الكتل السياسية مواقف صريحة من هذه المسألة.
وأشار الى أن الثورة وبعد أكثر من سبعين يوما اعطتنا إشارة كافية الى تعديلٍ في مزاج الثوار، ومنهم من امتنع سابقا عن المشاركة في الانتخابات ويجب ان تتاح له الفرصة لذلك، شرط تشكيل حكومة ثقة تباشر الإعداد للانتخابات.
ولكنه لا يحبذ من جهة ثانية البحث في تغيير النظام الانتخابي ككل لكون المصالحة الفعلية بين اللبنانيين لم تتحقق بعد على نطاق كامل، معتبرا ان قانون الانتخاب من أصعب القوانين التي يمكن ان تناقش في لبنان. وليس من التشريعات التي يجب ان نستسهل تغييرها. كما أنه قد يكون فتيلا لنزاعات داخلية نحن بغنى عنها، وقد يعرقل مطلب الثوار بإجراء انتخابات مبكرة.
وعن القانون الحالي قال: ولو لم يعطنا الأكثرية لكنه اعطى تمثيلا سليما للمسيحيين كما المسلمين والطوائف الأخرى. فلنقيّم تجربة انتخابات 2018 بطريقة علمية، ولنطوّر هذا القانون ليتضمن اصلاحات من شأنها تعزيز الممارسات السليمة وتكافؤ الفرص والشفافية. من هذه الإجراءات مثلا اعتماد الميغا سنترز (مراكز الاقتراع التي تتيح للناخب الاقتراع في مكان سكنه) والبطاقة الانتخابية الممغنطة ومراقبة الانفاق الانتخابي للمرشحين واتاحة الفرص المتساوية امامهم للوصول الى الجمهور عبر الاعلام، فلا يقتصر الظهور الإعلامي على الميسورين والمسؤولين. فضلا عن تعزيز دور هيئة الاشراف على الانتخابات لضمان نزاهة العملية الانتخابية. كل ذلك يغير خريطة العمل السياسي وحجم الكتل الممثلة في المجلس النيابي.
مستقبل الثورة
عقيص متفائل بالطاقات الشبابية، ويعتبر ان ما بدأ في 17 تشرين، يجب ان لا ينتهي قبل تحقيق المطالب. والسبيل الوحيد الى ذلك فرض المزيد من الضغط السلمي، مناشدا الشباب عدم اليأس وترك الساحة لجمهور تحرّكه غرائز ومصالح حزبية وطائفية. وتبقى “الوصفة السحرية” في النخبة الشبابية الواعية ومواصلة النضال السلمي من جهة، ومن جهة أخرى في استمرار تمسك القوى الأمنية والجيش اللبناني بالحياد والهيبة وثقة الشعب، ولنا ملء الثقة أنها نجحت في ذلك حتى الآن.
ودعا في هذا السياق الى عدم الاستهانة بمكاسب الثورة التي تحققت في أقل من ثلاثة اشهر، خصوصا ان الطبقة السياسية باتت حذرة جدا من اتخاذ قرارات ومواقف تغضب الناس. وهذا تحول راديكالي في أدائها.
ختاما وعد عقيص مع بداية العام الجديد بمتابعة ملف استقلالية القضاء ومراقبة عمل أي حكومة قد تتشكل ولو كانت من اختصاصيين ومستقلين، وبأنه “سيبقى على تواصل يومي مع الاهالي في زحلة لمساعدتهم على تخطي المرحلة بقدر امكانياته الشخصية والحزبية”.
السبت 04 كانون الثاني 2019 BEKAA.COM