غيَّب الموت عند الساعة الثالثة من فجر الأحد 12 أيار، البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير عن عمر 99 سنة، بعد أيام من العناية الطبية الفائقة في مستشفى أوتيل ديو.
وصدر عن المكتب الإعلامي في الصرح البطريركي في بكركي ما يلي: “الكنيسة المارونية في يتم ولبنان في حزن”.
بالألم والحزن الشديدين المقرونين بالرجاء المسيحي، يعلن غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي خبر وفاة المثلث الرحمة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، أيقونة الكرسي البطريركي وعميد الكنيسة المارونية وعماد الوطن. فعند الساعة الثالثة من فجر اليوم ، الأحد 12 أيار أسلم الروح بالتسليم المطلق لإرادة الله، منتقلا الى بيت الآب في السماء، بعد ثلاثية صلاة رافقته في هذا العبور من البيوت والكنائس والأديار وسواها، وبعد أيام من العناية الطبية الفائقة في مستشفى أوتيل ديو.
يطلب غبطة أبينا البطريرك قرع الأجراس حزنا في جميع الكنائس عند الساعة العاشرة، والصلاة لراحة نفس الراحل الكبير في كل قداسات هذا الأحد الذي فيه ذكرى قيامة المسيح من الموت.
تقبل الله روحه الطاهرة في مجد السماء، ورحم جميع الموتى المؤمنين.”.
وسيُنقل جثمان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يوم الاربعاء في 15 من الحالي، من مستشفى اوتيل ديو الى بكركي عند العاشرة صباحا وسيسجّى في كاتدرائية القيامة، على أن تقام صلاة الجنازة لراحة نفسه يوم الخميس عند الخامسة من بعد الظهر.
والبطريرك صفير هو البطريرك الماروني السادس والسبعون. انتخب في 19 نيسان 1986 خلفًا لأنطونيوس بطرس خريش وقاد الكنيسة المارونية خمسا وعشرين عاما حتى استقالته بداعي التقدم بالسن، ليكون بذلك ثاني بطريرك يقدّم استقالته وقد خلفه منذ 25 آذار 2011 البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
يتذكّره اللبنانيون بمواقفه الجريئة والعنيدة تجاه النظام السوري طيلة سنوات وجود قواته في لبنان. وهو أطلق عام 2000 وبعد أشهر على انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان شرارة التحرك للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان يوم كان هذا المطلب من التابوهات. ويتذكّروه برفضه دعوات النظام لزيارة سوريا مراراً قبل انسحاب جيشها من لبنان وإفراج مخابراته عن كافة المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
فيوم زار قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الشرق الاوسط، سأل الكاردينال صفير مرافقته الى دمشق، فرفض بتهذيبه المفرط، قائلا لقداسة البابا: « أذهب الى دمشق مع طائفتي، وأعود منها مع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، فإذا كانت لدى قداستك ضمانات بتلبية مطالبي فأنا سأرافقك الى دمشق!»
ويوم كان متوجها الى روما، في صالون الشرف في مطاربيروت الدولي، أراد أحد الصحافيين إحراج البطريرك صفير بسؤاله عن عدم مرافقة قداسة البابا الى قصر المهاجرين مقر الرئيس السوري بشار الاسد، فأجاب غبطة البطريرك صفير: « أين يقع قصر المهاجرين؟ »!
كما سجل البطريرك الماروني مواقف اعتراضية حادة على قوانين الانتخابات التي وضعت بعد الحرب في اثناء الوجود السوري والتى ادت عام 1992 الى اعلان المقاطعة المسيحية لتلك الانتخابات، معتبرا ان الهدف منها هو اقصاء فريق وتغليب فريق على اخر.
ويتذكره اللبنانيون لقيادته مصالحة الجبل التاريخية مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في 3 آب 2001 ، ورعايته للقاء “قرنة شهوان” الذي تأسّس على إثر نداء مجلس المطارنة الموارنة الشهير في 20 ايلول 2000. ولعب اللقاء دوراً هاماً في فترة الوصاية بنسج خيوط التلاقي مع المسلمين المعارضين للتمديد لولاية الرئيس أميل لحود ووصفها البطريرك حينها بالخطوة غير الدستورية. فأسسوا بذلك نواة المعارضة اللبنانية التي انفجرت بوجه الوصاية السورية بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ونجحت بدعم الضغط الدولي والقرار الأممي 1559 ، في فرض انسحاب الجيش السوري الكامل عن لبنان في 30 نيسان 2005 بعد 29 عاماً من دخول هذه القوات الى لبنان سنة 1976.
ولذلك سُميّ عن حق بطريرك الاستقلال اللبناني الثاني. وتبقى عبارته الشهيرة “قلنا ما قلناه” حاضرة لتجسد موقف الرجل الذكي الثابت والعنيد في مواقفه الوطنية المتعلقة بالسيادة والاستقلال واحترام الدستور.
الأحد 12 أيار 2019