فكتوريا موسى – Bekaa.com
فيما يتواصل شد الحبال بين المدارس الكاثوليكية والأساتذة والأهالي الرازحين تحت ثقل الأزمة المعيشية الخانقة، اطلق راعي ابرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران ايلي حداد في لقاء مع Bekaa.com وفينيسيا نيوز سلسلة مواقف من الوضع الاقتصادي وما باستطاعة الكنيسة تقديمه لمساعدة أهالي المنطقة على تخطي هذه المرحلة الصعبة، فضلا عن موقفه من الثورة.
الكنيسة وأزمتا التعليم والغذاء
رغم الضائقة المالية التي تعانيها، أكد المطران حداد أن “مطرانية صيدا تساعد رعيتها ضمن امكانياتها في قطاعات التربية والصحة والزراعة، وقررت وضع أراضي الأبرشية الزراعية بتصرف مسيحيي المنطقة . فهناك نحو ستين ارضا مؤهلة. حوالي 800 متر لكل شخص ليزرع حاجاته من الخضار والحبوب. ولكن من اصل هذه الأراضي، تم زرع خمس فقط حتى الآن، لأن ليس الجميع على دراية بالزراعة، ولذلك ستُنظّم دورات تدريبية على ابسط أساليب الزراعة لاستغلال باقي الأراضي.
نقدم مئة مليون ليرة سنويا لانقاذ مدرستين..
والحل بخصخصة التعليم الرسمي والاستفادة من الجدارات العلمية
على الخط التربوي، رأى المطران حداد أن فئاتا ثلاث تعاني من مشكلة التربية المتشعبة: الأهالي والأساتذة والإدارة أي الكنيسة التي أصبحت تصارع لإتمام كل عام بعامه.
وأسف لإقفال عدد من المدارس في المنطقة كمدرسة كفرنبرخ، متخوفا من ان مدارس أخرى قد لا يمكنها الاستمرار أكثر من اشهر معدودة وفي احسن الأحوال لسنتين. ولكن اذا بقي الوضع على حاله هناك نحو 30 مدرسة تابعة لأبرشيات عدة، بين جزين وصيدا والشوف مهددة أيضا بالإقفال.
ورأى أن “التعليم الرسمي ليس بديلا بل هو حل ناقص باعتبار ان هناك هدرا وفسادا كبيرين في إدارة مخصصاته، وتراجع الثقة به لذلك ناشد الدولة خصخصة التعليم الرسمي لإنقاذ الجدارات العلمية للمدارس الخاصة وتحويل تكاليف التعليم الرسمي اليها وتبني قسم من الأساتذة وتحويل منح الطلاب الى التعليم الخاص. وفي النهاية المدارس الخاصة تستوعب اعداد التلامذة في التعليم الرسمي خصوصا وان لكل الطوائف مدارسها.”
واعتبر أن مقولة “الكنيسة لا تساعد” غير دقيقة لأن الكنيسة ما زالت تموّل خسائر المدارس. وقال “على سبيل المثال، تؤمّن مطرانية صيدا مئة مليون ليرة سنويا على الأقل لتغطية خسائر مدرستي السيدة في مغدوشة وسان نيكولا عين المير… وأطلقت نداء الى الخارج والداخل لعدد من المحسنين والجمعيات والمنظمات ولكن الكل يعاني جراء الأزمة.”
الكنيسة تشتري الاراضي ولا تبيع الوقف..
لا نبيع المسيحي بل نوظفه ونؤمن له المسكن
ردا على سؤال لم لا تبيع الكنيسة بعضا من أراضي وقفها لمساعدة الناس؟ أجاب المطران حداد: “مطرانية صيدا تشتري الأراضي واحيانا تبني عليها مجمعات سكنية للمسيحيين لتشجيعهم على العودة. فكيف لها ان تبيع وقفها وتهدد وجود المسيحيين في المنطقة! المسيحيون من دون ارض هم مسيحيون من دون وجود. ومن جهة ثانية، تتخوف الكنيسة أن يعاد بيع الأوقاف وتتحوّل المساعدة الى مصدر للتجارة والربح. وهذا ما حصل عندما اعطينا المسيحيين أراضي بأسعار رمزية لكنهم ما لبثوا ان تاجروا بها! لذلك مخططنا ان لا نبيع المسيحي بل ان نوظفه ونؤمن له المسكن. وعلى المسيحي ان يفهم ان الكنيسة ليست أغنى منه وانها اذا لم تكن قوية، لن يكون قويا.. علما أنها تساعد اليوم ضمن قدراتها ومؤسساتها عبر توفير فرص عمل لأكثر من 25000 مسيحي بينها نحو مئتي وظيفة في نطاق ابرشية صيدا ودير القمر.
وطبيا، تساعد الأبرشية من خلال مستوصفاتها العشرة بين جزين وصيدا وشرقها والنبطية والشوف فضلا عن مأوى العجزة التابع لها، لكنها تعاني أيضا من شح في المستلزمات وباتت الأدوية بمعظمها بديلة ولا ترضي الناس. وتمنّى حدّاد ان يتأقلم اللبناني والمسيحي مع التغيير الحاصل في الأنماط الطبية والعلمية والغذائية بدءا من الكنيسة مرورا بالرعايا.”
وأردف: “من المهم الإشارة الى أن نسبة كبيرة من المستفيدين من خدمات مستوصفاتنا والأدوية هم من أخواننا غير المسيحيين ونحن مسرورون بذلك كدليل على فعالية وجودنا في المنطقة.”
الوجود المسيحي في الجنوب والشوف
رأى المطران حداد أن هذا الوجود الى ازدياد بدليل ارتفاع نسب العمادات والزيجات والمشاريع السكنية للمسيحيين. ولكنْ للتعايش قاموس خاص في المناطق المختلطة على المسلمين والمسيحيين مراعاته وركيزته أن لا سلطة لطائفة على أخرى والجميع أصحاب الأرض، عليهم العيش معا متساوين. هذه اللغة والقاموس أفادت المسيحي وحافظت على أرضه وعزّزت وجوده، والدليل ان لدى المطرانية اليوم 700 طلب لشقق سكنية في المنطقة..
ولطمأنة المسيحيين يقول المطران حداد: هناك وعي عند مجمل الطوائف نعمل على تعزيزه ونبني علاقة ثقة تدريجية مع الطوائف الأخرى التي كرّرت مرارا انها تفضّل العيش مع المسيحي لذلك ندعو رعايانا للعودة وبالتوازي ندعو القيادات والأحزاب المسيحية الى تهدئة الخطابات لمصلحة مسيحيي الأطراف.
وردا على سؤال عن ضرورة استرجاع أراضي المسيحيين على أبواب مخيمي المية ومية وعين الحلوة بعدما اثارها النائب ادكار طرابلسي، ردّ بأن مطرانية صيدا تعمل على هذا الملف منذ ثلاثين عاما وبعيدا من الاعلام، والجيش وضع يده على بعض هذه الأراضي ولكن الأهالي لم يعودوا وبعضهم متردد لالتصاق أراضيه بالمخيمات… وسبق للكنيسة ان تقدّمت بمشروع قانون في هذا الشأن عبر النائب ميشال موسى منذ سنوات واستحصلت على احكام استرجاع الأراضي بانتظار التنفيذ.
الثورة كادت تعيدنا الى الحرب الأهلية
عن ملف الثورة وما ينتظره اللبنانيون يقول المطران حداد: “عندما اسمع ان الثورة عائدة أكون مسرورا لكن حذرا. لقد كنت احد الثوار ولكن وصلت الى قناعة ان الأحزاب استوعبت الثورة وربما افتعلتها وغذتها أي انها لم تكن بريئة تماما ولو ان الكثيرين شاركوا عفويا. ولم تستطع الثورة انتاج شعارات مستندة الى فلسفة تنموية كما انها لم تفرز حتى الآن قيادات حكيمة. ثورة مثل هذه كادت ان تعيدنا الى الحرب الأهلية.. ولبنان ما زال بيئة حاضنة للحرب، ولكن الحمد لله ان لا دعم خارجيا لذلك..”
وتابع: “برأيي تبدأ الثورة الحقيقية من منطلقين: الأول ثورة على المنتخِبين وليس المنتخَبين كونهم من أوصل هذه القيادات، والثاني بانتخابات نيابية في وقتها وبالقانون الحالي. وبالانتظار، على الثورة الحقيقية ان تنتج قيادات ذات أفكار بناءة تترجم ببرامج سياسية وتنموية وثورية واضحة، يتم الانتخاب والتغيير على أساسها.”
الصيغة والنظام والفدرالية
أخيرا أشار المطران حداد الى ان الوجع اللبناني ليس بسبب الصيغة اللبنانية بل بسبب الفساد اللبناني. وأن الفدرالية ليست حلا انما هي طرح جيد من ناحية انقاذنا من منطق العدد والشعور بالتهديد الناتج عن الذوبان في المحيط، ولكنها من جهة أخرى قد تعزز الفساد حتى داخل الكانتون الواحد. وفي لبنان نحتاج الى اكثر من صيغة للمذاهب والأحزاب حتى داخل الكانتون الواحد.”
وختم: “يبقى الخلاص بإغلاق منافذ الفساد عبر الاتيان بمجلس نيابي ممثِّل يدير بوصلة السياسة النظيفة.”
الأحد 7 حزيران 2020 خاص Bekaa.com