رسالة المطران عصام درويش بمناسبة عيد القيامة المجيدة

إلى الكهنة والشمامسة وخدام الهيكل
إلى الرهبان، الراهبات، المؤمنات والمؤمنين الأحباء
المسيح قام! حقا قام

غلبة القيامة
يخبرنا الإنجيلي لوقا بأن تلميذين من تلاميذ يسوع التقيا معه بعد قيامته وهما مسافران إلى قرية عمّاوس وكيف أنهما أخبرا هذا الرجل الغريب، وقد أُحجب نظرهما عن معرفته، عن الأمور التي حدثت في أورشليم “ما يتعلق بيسوع الناصري، الذي كان نبيا، مُقتدرا في الفعل والقول، أمام الله وأمام الشعب كله، وكيف أسلمَهُ رؤساُ الكهنةِ وحُكَّامُنا، للقضاءِ عليهِ بالموت” (لوقا24/13-35). وبينما هما في الطريق أخذ يسوع يشرح لهما الكتاب المقدس: “ما يختص به في الأسفارِ كلِّها، بدءا من موسى إلى جميع الأنبياء”. ثم يروي لنا الرسول بأنهما عرفاه عند كسر الخبز.
في هذه الظلمة التي نعيش فيها هذا العام، جرّاء الوباء الذي غزا العالم، وفي ظلمة اليأس وجهل الإنسان وعدم قدرته على محاربة جرثومة لا تراها العين، يأتي يسوع إلينا، ويسير معنا، كما سار مع التلميذين، ويقول لنا إنه: “الطريق والحق والحياة” وإن ما يعجز عنه الإنسان مُستطاع عنده، وإنه موجود دائما إلى جانبنا ليشفي نفوسنا وأجسادنا.
إن خبرة هذين التلميذين تعلمنا أن الإيمان الحقيقي هو الإيمان الذي يقودنا، إلى أن نرى الرب القائم من بين الأموات، بأنه هو المنتصر والغالب كما جاء في سفر الرؤيا: “هوذا مَسكنُ اللهِ مع الناس، سيسكنُ معهُم، ويكونونَ لهُ شعبًا.. ويمسحُ كلَّ دمعةٍ من عيونهم، ولا يكونُ بعدُ موتٌ، ولا نوحٌ، ولا نحيبٌ ولا وجع.. وقال الجالسُ على العرش: ها إني أجعلُ كلَّ شيئٍ جديدًا” (رؤيا21/3-5).
لذلك نحن غير قلقين على مستقبلنا، لأن القيامة فتحت لنا الحياة على اللامتناهي، والغلبة صارت لنا، فموت المخلص حرّرنا من الخوف، وقيامته غلبت موتنا وجعلت السماء في متناولنا. لقد قمنا مع المسيح وصرنا قادرين أن نطلب ما هو فوق، كما قال بولس الرسول”حيث يقيم المسيح جالسا عن يمين الله. اهتموا لما هو فوق، لا لما هو على الأرض.. ومتى ظهر المسيح الذي هو حياتنا، فحينئذ تظهرون أنتم معه في المجد” (كولوسي3/3).
المسيح قام!.. يعني أني صرت أعيش في القيامة وأصبحت قادرًا أن أتحدى الشر والوباء والخطيئة والموت والجحيم، وباتت آلامي تحمل لي بعدا خلاصيا، وأنا اليوم أصرخ مع بولس الرسول: “اين شكوكتك يا موت، أين غلبتكِ يا جحيم! ” (1كور15/55).
قام المسيح والحياة صارت أبدية، فبقيامته لم نعد نتخيل العالم بدون غفران، معه ننادي بصوت عال “لا للموت” نعم “للمغفرة” لا “للكراهية” نعم “للمصالحة”، معه صارت المحبة شرط أساس لبناء علاقات سليمة بين البشر.
قام المسيح وصارت الغلبة لي، فإلهي “ليسَ هو إلهَ الأموات، بلْ إلهُ الأحياء لأن الجميعَ يَحيَوْنِ له” (لوقا20/38). بقيامته صارت قبورنا فارغة ولم يعد للموت سلطة علينا لأننا أبناء الحياة.
قام المسيح ولم يعد القبر هو النهاية، بل صار جسرًا نعبر به الى الحياة. وقيامته أنبتت فينا رجاء جديدًا بأننا نحن الغالبون.
قام المسيح وفاضت طاقة النور فينا وصرنا مغمورين بفرح روحي عميق وقادرين أن نستضيف الله في حياتنا: “هلمُّوا، في يوم القيامة السَّني، نشتركُ في عصيرِ الكرمة الجديد، وفي الفرح الإلهي، وفي ملكوت المسيح” (سحرية العيد).
قام المسيح وجعلنا ننقاد إلى روح الرب وصرنا بنعمة الروح القدس مقدسين، ننظر إلى العالم بأعين المسيح، نرى الآخرين كأخوة لنا وشركاء في العبادة ونعيش حياة الله في عملنا اليومي وفي خدمة مجتمعنا وفي علاقاتنا الإنسانية.
قام المسيح فصرنا له، بنعمة الروح القدس ابناء حقيقيين، ولم نعد بعد يتامى (يوحنا14/18)، لقد أصبح هو أبونا وسلامنا “سلامي أمنحُكم… فلا تضطرب قلوبكُم ولا تفزع” (يوحنا14/27). وكما كتب بولس الرسول في رسالته إلى مسيحيي روما: “إن الذين ينقادون إلى روح الله يكونون حقا أبناءَ الله. لم تتلَقَّوا روحًا يستعبدُكم ويَرُدُكم إلى الخوف، بل روحا يجعلُكم أبناءً” (روم8/14).
قام المسيح وانتصرنا على الخوف الموجود فينا، فسمحنا له أن يقتحم حياتنا، فكافأنا وأعطانا حياة عصية عن الموت وهو حاضر فيها على الدوام: “المسيح إلهنا قد أجازنا من الموت الى الحياة” (صلاة السحر).
قام المسيح ودحرج الحجر عن قلوبنا وبيوتنا، وجعل كل شيئ جديدا في حياتنا، فلم نعد نرى إلا سناءً ونورًا. وحجرُنا مهما كان كبيرا لن يُغلق قلبنا أمام قوة الله التي أقامت يسوع.
قام المسيح وأعطانا القدرة على التغلب على الانقسامات والبغض واللامبالاة واليأس، وكشف لنا أن الحقيقة تكمن في المحبة والغفران والتآخي. ورغم الوباء المحيط فينا، نشعر بفرح عميق ورجاء كبير، فالقيامة هي انفتاح على المستقبل “هلمُّوا، في يوم القيامة السَّني، نشتركُ في عصيرِ الكرمة الجديد، وفي الفرح الإلهي، وفي ملكوت المسيح” (سحرية العيد).
الأهم من ذلك كله، أعطانا المسيح بقيامته، أمّا هي حاضرة معنا في صلب حياتنا، تشهد في العالم لتجسد المسيح وتتشفع لديه لنحافظ على بنوتنا ولنبقى في شركة محبةٍ تتجسد في الجماعة، فنحن لا يمكننا أن نكون كنيسة إن لم تنبض حياتنا بالمحبة والحنان، كما يقول بولس الرسول: “إني شديد الحنان عليكم جميعا في قلب يسوع المسيح” (فيليبي1/8).
نرفع الدعاء معكم ليرافق المسيح القائم حياتنا، ويهدئ اضطراب نفوسنا، ويمنحنا سلامه وفرحه وأدعوكم لنردد مع القديس بولس: “الشكر لله الذي أعطانا الغلبة بربنا يسوع المسيح”

المسيح قام!.. حقا قام!..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *