يضع الصينيون نصب أعينهم هدف المشاركة بمشروع إعادة إعمار سوريا. وقد اختاروا لبنان ليكون بوابتهم إليها، إذ بدأت وفود صينية بزيارة مناطق لبنانية لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة كي تكون نقطة الانطلاق إلى دول مجاورة… أولها إنشاء مركز تجاري كبير للمنتجات الصينية في منطقة البقاع
لا يُذكَر اسم الصين كثيراً عندَ الحديث عن سوريا. لكنّ الماكينات الصينية في قطاع المال والأعمال، تُدرك أهمية هذه المساحة الجغرافية ومحوريتها اقتصادياً. وعلى عكس الآخرين المنهمكين بالمسار السياسي والعسكري، ينشغل الصينيون في المنطقة انطلاقاً من حكمة قديمة تنصَح بـ «حفر البئر قبلَ العطش». وعليه، تتسارع خطواتهم تجاهها، لانتزاع حصتهم في مشروع ضخم عنوانه «إعادة الإعمار في سوريا». ولأنهم «عمليون»، فقد بدأوا هجمتهم بالفعل، وقرّروا وفق المعلومات اعتماد لبنان نقطةً لوجستية مركزية لإدارة اقتصادهم في عدد من الدول المجاورة (سوريا والعراق والأردن). نقطة الانطلاق ستكون من البقاع، وليسَت صدفة أن يختارها الصينيون، لأن الهدف هو البقاء على تماس مع سوريا.
فيما كان وفد صيني يستطلِع منذ أسبوعين عدداً من مرافِق طرابلس، مُبدياً اهتمامه بمشاريع تتعلّق بالبنى التحتية والسكك الحديدية، قدِم وفد اقتصادي صيني آخر إلى لبنان في الفترة نفسها. ووفقَ مُطلعين على هذه الزيارة، فإنها «هدفت إلى البدء بخطوات عملية لتأسيس فروع لشركات صينية، من أجل تلبية احتياجات الأسواق اللبنانية والسورية والعراقية والأردنية»، على أن «يكون البقاع اللبناني مكاناً مركزياً لتلك الشركات التي باشرت بمُعاملات استئجار أحد المجمّعات التجارية القريبة من طريق الشام لمدة ١٥ عاماً، على أن يجري توسيعه لاستيعاب نحو ٤٠٠ شركة صينية».
في هذا الإطار، عقد الوفد الصيني اجتماعات مكثفة مع النائب البقاعي سيزار المعلوف، الذي يملك مجمّعاً ضخماً في منطقة مكسه البقاعية. وقد اتُّفق مبدئياً على استئجار الصينيين نحو 200 شاليه للسكن في المجمّع. ويأتي اختيار منطقة البقاع الأوسط بسبب «قربها من الحدود مع سوريا، حيث يبعُد المجمَّع التجاري نحو 35 كلم فقط عن دمشق».
من دون أن ينفي هذه المعلومات، فضّل النائب المعلوف في اتصال مع «الأخبار» عدم الكشف عن تفاصيل كثيرة، حرصاً على نجاح هذا المشروع الذي «لم ينضج بعد». لكنه أشار إلى أن «الفكرة مبنية على إنشاء مدينة صناعية في منطقة البقاع، توفّر فرص عمل لأبناء المنطقة وتُنعشها»، مُضيفاً أن الصينيين سيستأجرون منه مساحة 60 ألف متر مربّع، «على أن يؤمنوا هم المساحة الباقية. فالمشروع سيبدأ بمشاركة نحو 400 شركة، وفي الإمكان أن يصِل إلى 1200»، وهم تعهدوا بالتنفيذ خلال «7 أو 8 أشهر».
تحدث الوفد الصيني عن عدد شركات يفوق الـ 1000
أمس غادرَ الوفد الصيني لبنان، على أن يعود إليه قريباً، كما قالت مصادر في الوفد. وقد وصفت المشروع بأنه «سيكون نسخة مكررة عن المركز التجاري الصيني في دبي – Dragon Mart»، لافتة إلى أن «المتعهدين بدأوا التسويق لهذا المشروع في الصين لاستقطاب الشركات التي تريد المشاركة». وهذا المشروع سيقسّم على عدة مراحل، يُنتقَل من واحدة إلى أخرى بحسب الوضع الأمني في المنطقة والاستقرار السياسي فيها. المرحلة الأولى تبدأ في لبنان عبر اتخاذ قرار بالاستثمار التجاري والاقتصادي في منطقة البقاع من قبل 450 إلى 400 شركة، على أن يزداد عدد هذه الشركات في المرحلة الثانية، إذ تحدث الوفد الصيني عن عدد شركات يفوق الـ 1000، وتحدث عن «مصانع ضخمة وإنتاج ضخم يستنهض الاقتصاد اللبناني ويستهدف السوق السورية والأردنية والعراقية»! ويستند الصينيون لتحقيق هذا المشروع إلى «علاقات ممتازة مع مختلف الدول، والقدرة على التواصل مع جميع الجهات السياسية في البلد، إضافة إلى أن النظام الاقتصادي اللبناني يتناسب مع هذا النوع من المشاريع، وهو ما يُشكل أساساً اقتصادياً للمرحلة المقبلة».
وفيما أكدت مصادر السفارة الصينية في بيروت لـ «الأخبار» وجود نية لدى بعض رجال الأعمال الصينيين للاستثمار في لبنان، أشارت إلى أن «المشروع لا علاقة للحكومة الصينية به، بل يبادر إليه بعض المتعهدين والمستثمرين وشركات كبيرة». أما في الجانب اللبناني، فقد بدأ المعلوف بعرض هذا المشروع على الجهات المعنية، واختار أن تكون وجهته الأولى عين التينة. وفي المعلومات، أن الرئيس نبيه برّي أبدى حماسة كبيرة لهذا الأمر، ومن الممكن أن يلتقي المعلوف مرة ثانية برفقة الوفد الصيني لوضعه بكافة التفاصيل. وكان الوفد قد زار رئيس الحكومة سعد الحريري، طالباً تقديم تسهيلات تتعلق بإقامات وإجازات العمل وغيرها.
ورغم التفاؤل الذي تُبديه جهات مطلعة على هذا المشروع، قد تبرز إشكاليات جوهرية لها علاقة بعنوانين: رأي الصناعيين في لبنان، والحسابات السياسية. فهل تُعرقل قوى سياسية المشروع لعدم استفادتها منه بحصص وازنة، كما هي العادة اللبنانية في التعامل مع ملفات مشابهة؟ إشكاليتان تعترضان المشروع، فيما «لا يمكن معرفة مسار التعامل السياسي الذي قد يعرقل أي تشريعات قد يحتاج إليها مشروع كهذا، خصوصاً لجهة إقامة سوق حرة في البقاع». فقد أشار بيان كتلة المستقبل النيابية أول من أمس إلى هذا الأمر، ورأى وجوب أن «يسبق أي اقتراح لإنشاء هذه المناطق، إقرار مجلس الوزراء لمخطط توجيهي تحدد فيه الأماكن الفضلى التي تؤمن قدراتها التنافسية عداً مستلزمات إنشائها»، بعدَ أن اعتبر أن «الهدف من إنشاء مناطق اقتصادية في لبنان يتمحور حول تنفيذ أنشطة اقتصادية محددة مبنية على دراسة جدوى علمية واقتصادية في مناطق جغرافية معينة تتوافر فيها مستلزمات إقامة مناطق كهذه، من تمويل وبنى تحتية وقدرات تنافسية».
ميسم رزق – جريدة الأخبار الخميس 28 آذار 2019
كل الدول ستتهافت بمشاريعها وقريبا..