خاص – Bekaa.com
كعربون وفاء وتقدير لشخصيات عالمية تركت بصماتها في تاريخ الإنسانية وأثبتت أنها مثال للتضحية في سبيل خير البشرية، افتتحت “حديقة الصالحين” في بلدة كفرنبرخ الشوفية في موقع الحديقة التعليمية وهي مشروع بيئي وتثقيفي لجمعية “الناس للناس” Annas Linnas التي أسسها الأب عبدو رعد عام 2009 بهدف تعزيز الفرص والأفكار التي تخدم مفهوم “العيش معا”.
ولدت هذه المبادرة نتيجة الجهود المشتركة للجمعية ومنظمة GARIWO (Garden of the Righteous Worldwide) وهي منظمة غير حكومية مقرّها ميلانو تهدف إلى تحويل المساحات العامة والخاصة إلى أماكن لتكريم “الصالحين” في العالم وتعريف الطلاب والزوار إلى مسيراتهم.
الأب رعد شرح لBekaa.com أن حديقة الصالحين هي الأولى من نوعها في لبنان، إذ توجد مئة وإثنتان وعشرون حديقة مثلها حول العالم بما فيها إثنتان في تونس والأردن. ومع كفرنبرخ سيصبح العدد مئة وثلاثا وعشرين حديقة، مشيرا إلى أن هذا النشاط الثقافي هو لتكريم محبي الخير الذين حاربوا الشر ودافعوا عن المظلومين ولو على حساب حرياتهم تغليبا لمبدأ المسؤولية الاجتماعية.
لهذه الغاية، زرعت عشر أشجار زيتون رمزًا للسلام وتكريما لمسيرة عشرة من الصالحين للتعلّم من أمثولاتهم وهم:
نلسون مانديلا Nelson Mandela الحائز على جائزة نوبل للسلام 1993، بعد مسيرة نضالية طويلة خاضها في السجون وخارجها دفاعا عن حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا بمواجهة نظام الفصل العنصري. ونجح في نقل بلاده الى مرحلة السلم و”العيش معاً” باعتماد سياسة “الاعتذار والغفران” بديلا من العنف.
كارلو أنجيلا Carlo Angela وهو طبيب إيطالي عارض الفاشية وتم اعتباره “صالحًا بين الأمم” لجهوده خلال الحرب العالمية الثانية في إنقاذ مئات اليهود وسائر معارضي الفاشية المُلاحقين في تلك الفترة.
فراس حسين Faraaz Hussein طالب متفوق من بنغلادش كان يدرس في جامعة اموري Emory في الولايات المتحدة الامريكية حين قتل أثناء زيارة لوطنه وهو يحاول إنقاذ أصدقائه عوض الفرار أثناء هجوم إرهابي وقع في دكا في يوليو 2016. وكان حينها في العشرين من عمره. ومذذاك يُحتفل به عالمياً لشجاعته.
جاكوب واليزابيت كونزلر Jakob et Elisabeth Künzler: زوجان سويسريان شهدا على الإبادة العرقية ضد الأرمن في أورفا في تركيا بين 1915 و1917 وأنقذا العديد من الأرمن. وفي عام 1922 استقرا في لبنان وأنشآ ميتماً ساعد ما يناهز 8000 يتيم. وثّق جاكوب شهاداته عن الإبادة في كتاب “في أرض الدماء والدموع”.
أنطونيا لوكاتيللي Antonia Locatelli: وهي مدرّسة إيطالية عملت في رواندا منذ سبعينيات القرن الماضي وساهمت شهادتها الحية في الكشف عن المجازر التي تعرّض لها شعب التوتسي على يد القوات الحكومية في 9 آذار 1992، ما دفع بهذه القوات إلى اغتيالها عشية اليوم نفسه.
فريديوف نانسن Fridtjof Nansen: مستكشف نروجي وعالم ودبلوماسي، تمت بفضل جهوده المصادقة عام 1922 في جنيف على جواز نانسن الذي يسمح للأشخاص المهجرين بالحصول على بطاقات هوية. وحاز على جائزة نوبل للسلام.
أندريه ساخاروف Andrej Sacharov: عالم فيزيائي روسي حائز على جائزة نوبل للسلام عام 1975 بعد معارضته لخطط النظام الشيوعي في استخدام الطاقة النووية لأهداف عسكرية ولدفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان في بلاده. اعتقل عام 1980 أثناء اشتراكه في مسيرة إعتراضا على التدخل السوفياتي في أفغانستان. ونفي وزوجته الى غوركي حيث خاض معركة طويلة مع النظام تخللها إضراب طويل عن الطعام. في ديسمبر1986 أفرج عنه الرئيس غورباتشوف الذي كان بدأ سياسية إصلاح النظام البريسترويكا.
صوفي شول Sophie Scholl: طالبة ألمانية وناشطة سياسية معادية للنازية عضوة في المقاومة اللاعنفية “الوردة البيضاء”. أدينت بتهمة الخيانة العظمى بعدما وزعت منشورات مناهضة للحرب العالمية في جامعة ميونيخ وأعدمها النازيون عام 1943. ومنذ سبعينيات القرن الماضي يُحتفل بصوفي على نطاق واسع لعملها المقاوم للنازية.
أزوتشينا فيلافور Azucena Villaflor: ناشطة إجتماعية أرجنتينية وإحدى مؤسسات جمعية حقوق الإنسان “أمهات ساحة مايو”، وهدفها البحث عن ديساباريديس (ضحايا الاختفاء القسري أثناء الحرب القذرة في الأرجنتين). وقد خُطفت وقتلت على يد النظام الديكتاتوري في الأرجنتين عام 1977.
أرمين فاغنر Armin T. Wegner طبيب وكاتب وشاعر وضابط في الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الأولى. استطاع التقاط عشرات الصور لعذابات الشعب الأرمني في الصحراء السورية أثناء الإبادة الجماعية الأرمنية في عام 1918. ويعود له الفضل في إيصال هذه الصور سرا إلى المانيا والولايات المتحدة، فساهم بذلك في الكشف عن فظائع الإبادة الأرمنية.
يرى الأب رعد أن “حديقة الصالحين” تجسد ذاكرة الخير في مجسّم طبيعي حسي يعتبر بمثابة أداة تثقيفية قوية للتأكيد مع الشخصيات المُكرَّمة على رفض الإبادات الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، لافتا إلى أن وجود عشر شخصيات مكرّمة تنتمي إلى مجموعات عرقية وأديان ومعتقدات مختلفة سيساهم حتما بتعزيز العلاقات الجيدة بين مختلف أطياف المجتمع وردم الهوة وتعزيز الثقة كنقطة انطلاق لبناء غد أفضل. فبرأي رعد، ما يسبب الجفاء والعداء بين الناس هو انعدام الفرص والمساحات للتعرف إلى الآخر ومحاولة فهمه، معتبرا أن البرلمان الأوروبي يعي هذه الإشكالية، ولذلك أعلن في العام 2012 وبناءً على طلب GARIWO، “اليوم الأوروبي للأبرار” الذي يحتفل به في السادس من آذار، وأصبح منذ العام 2017 بمثابة احتفال مدني في إيطاليا تحت عنوان “يوم الاحتفال بالإنسانية”.
فضلا عن ذلك، تشكل حديقة الصالحين جزءا من الحديقة التربوية في كفرنبرخ التي تُعتبر، بحسب رعد، مساحة للتلاقي على الحوار مع الآخر المختلف عرقيا وطائفيا ونموذجا للتنوع الإجتماعي وللتأمل الفردي والجماعي الذي تعززه الطبيعة الأم. كما تهدف الحديقة إلى تعريف الطلاب على التنوع النباتي وأهمية الأشجار التي تحتضنها وتجذر بعضها في التاريخ والتراث اللبنانيين. كما ستساهم باجتذاب أبناء المنطقة المقيمين في العاصمة للتعرف إلى أرضهم والتفاعل مع طبيعتها من خلال أقسام الحديقة التربوية والتثقيفية فضلا عن النشاطات التي ستنظم فيها تباعا.
وختم رعد: “فكّرنا في الحديقة لأن فهم الطبيعة والدفاع عنها هو السبيل الأول لضمان حياة أفضل. فهي أرضية مشتركة بين جميع الجماعات الجندرية والعرقية والدينية والقومية بمختلف الفئات العمرية. أن تحب الطبيعة يعني أن تحب الله”.
الجدير بالذكر أنه ومنذ العام 2011، تلتزم جمعية “الناس للناس” بعدد من المشاريع وعلى رأسها مساعدة اللاجئين والفقراء في لبنان وخارجه للتخفيف من معاناتهم.
Bekaa.com فكتوريا موسى