استقبلت بلدة عين كفرزبد بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، في زيارة هي الأولى في التاريخ لبطريرك كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك الى البلدة، تلبية لدعوة من كاهن ومجلس رعية مار الياس في البلدة رفعوها الى سيادة راعي الأبرشية المطران عصام يوحنا درويش الذي بدوره نقلها الى صاحب الغبطة، فازدانت الطرقات باقواص النصر واللافتات المرحبة والصور.
المحطة الأولى في زيارة البطريرك عبسي الى منطقة شرق زحلة كانت في بلدة الفاعور حيث أعد الأهالي استقبالاً لغبطته وللمطران درويش، شارك فيه مشايخ وأعيان البلدة تقدمهم المرشح السابق الى الإنتخابات النيابية هود طعيمي، الذي استضاف غبطته والوفد المرافق في مركز جمعية سواعد للعمل وألقى كلمة شدد فيها على أهمية العيش الواحد، كما تفقد غبطته المستوصف الصحي التابع للجمعية.
وعلى مدخل بلدة عين كفرزبد احتشد المؤمنون على جوانب الطرقات، وعند وصول غبطته كان في استقباله النواب ميشال ضاهر وانور جمعة، كاهن الرعية الأب الياس ابراهيم، رئيس البلدية المهندس دوري مينا الذي قدّم للبطريرك عبسي مفتاح البلدة، وسار الجميع في الطريق الرئيسي للبلدة يتقدمهم موسيقى الكشاف السرياني، وسط نثر الأرز والزهور والزغاريد المرحبة.
وقد ازاح غبطته والمطران درويش الستار عن اللوحة التذكارية التي تؤرخ الزيارة التاريخية.
وترأس غبطته القداس الإحتفالي بمناسبة عيد النبي ايليا في كنيسة مار الياس، عاونه فيه رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم المكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش وراعي ابرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك المطران الياس رحال وعدد من الكهنة.
وحضر القداس دولة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، النواب : ميشال ضاهر، جورج عقيص، سليم عون، ادي دمرجيان وانور جمعة، الدكتور طوني عطالله ممثلاً الوزير سليم جريصاتي، محافظ البقاع القاضي كمال ابو جودة، الأمين العام للمجلس الأعلى لطائفة الروم الكاثوليك المهندس لويس لحود وأعضاء من المجلس، رئيس بلدية عين كفرزبد المهندس دوري مينا، رئيس اتحاد بلديات شرقي زحلة ابراهيم ناصر، رئيس تجمع الصناعيين في البقاع نقولا ابو فيصل، رئيس جمعية تجار زحلة زياد سعادة، العقيد ناصيف مينا ممثلاً قائد الجيش العماد جوزف عون، السفيرة الفخرية لمنظمة حقوق الإنسان السيدة كارولين معلوف سعادة، القنصل بشير سركيس، الأستاذ عدنان نصار، وعدد كبير من رؤساء البلديات والمخاتير وممثلي الأحزاب في المنطقة، المشايخ والفاعليات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والروحية والتربوية.
بعد الإنجيل المقدس القى غبطة البطريرك عظة شكر فيها حفاوة الإستقبال، واستذكر اياماً جميلة أمضاها في بداية حياته الكهنوتية في عين كفرزبد، ومما قال :
” أيّها الأبناء والإخوة أهالي بلدة عين كفرزبد المحبوبون بالربّ (والذين قدموا من الجوار)، يعجُز اللسان عن التعبير عن الفرح الذي يغمرنا به استقبالكم الكنسيّ البنويّ الحافل والحارّ في يوم قدومنا إليكم والذي تعبّرون به عن محبّتكم للكنيسة وعن غيرتكم على إيمانكم وعن انتمائكم للسيّد المسيح. كم أنا سعيد بأن أرى وجوهكم وأسمع أصواتكم وأمشي في شوارعكم التي تعيدني إلى يومَ أتيتُ إلى هذه البلدة المحبوبة إكليريكيًّا شابًّا وأقمنا فيها مخيّمًا رسوليًّا وتعرّفنا على أهل عين كفرزبد الطيّبين المتحابّين المتآلفين. كم أنا مسرور بأن آتي إليكم ولي فيكم أصدقاء ورفقاء وأحبّاء. فأشكر الله تعالى على هذه العطيّة. وأشكر أخي سيادة المطران يوحنّا عصام راعي الأبرشيّة الذي أتاح لي هذه الزيارة المباركة. وكذلك ولدي الكاهن المحبوب الغيور إلياس خادم الرعيّة.
وما يزيد فرحتنا اليوم هو احتفالنا بعيد النبيّ إلياس شفيع هذه الكنيسة المقدّسة وشفيع الكثير من كنائسنا وشفيع الكثيرين من أبنائنا. أن نحتفل بتذكار النبيّ إلياس بالصلاة، وخصوصًا بالليترجيّا الإلهيّة، هو خير ما نعمله لأنّنا بالصلاة نتأمّل في سيرة من نحتفل بهم ونستشفعهم ونسعى إلى الاقتداء بهم. وهذا ما يدفعنا اليوم إلى أن نتأمّل قليلاً في بعض ما اتّصفت به شخصيّة النبيّ إلياس صاحب العيد.”
وأضاف ” كان النبيّ إلياس أكثر ما كان نبيَّ التوحيد، أعني النبيّ الذي كرّس حياته لإعلان وحدانيّة الله والدفاع عنها بإزاء عبادة الأوثان الكثيرة التي كانت شائعة في أيّامه والتي انجرّ إليها كثيرون ممّن كانوا قبلاً يعبدون الإله الواحد الصمد من بني أمّته. كان يعلّم أنّ هذا الإله الواحد الصمد هو الإله الحيّ الإله الحقيقيّ الذي خلق السماوت والأرض والذي له ينبغي أن نسجد من دون سواه. كان تعليمه كلّه مختصرًا بهذه الجملة: الله وحده هو الذي خلق السماوات والأرض وأظهر ذاته لموسى وأعطاه الشريعة على جبل سيناء وكلّم الأنبياء ووعد بمجيء المسيح المخلّص. وكانت غيرته في إعلان وحدانيّة الله والدفاع عنها منقطعة النظير بحيث خاصمه وحاربه مَن كانوا يعبدون الأوثان الكثيرة ومَن انجرّ وراءهم مِن شعبه ومِن بينهم الملكة إيزابيل نفسها التي اضطرّته إلى الهرب فانطلق أوّلاً إلى حوريب وأمره الله تعالى من ثمّ أن يأتي إلى هذه المنطقة. وإنّ هذه الغيرة التي تحلّى بها النبيّ إلياس هي التي جعلت يشوع بن سيراخ يقول عنه في الكتاب المقدّس: “قام إيليّا النبيّ كالنار وتوقّد كلامه كالمشعل” (48: 1).
لكنّ إيليّا ما حارب الذين عبدوا الأوثان فقط بل حارب أيضًا أناسًا كانوا أخطر منهم، أولئك الذين خاطبهم بقوله: “إلى متى أنتم تعرجون بين الجانبين؟ إن كان الربّ هو الإلهَ فاتّبعوه، وإن كان البعلُ إيّاه فاتّبعوه” (1 مل 18: 21). أصحاب الفئة الأولى، عبدة الأوثان، كانوا واضحين وصريحين في خيارهم: لقد رفضوا الله الأحد واختاروا أن يبتعدوا كلّيًّا عنه وأن يقصوه نهائيًّا وعلانية عن حياتهم. أمّا الفئة الثانية، الناس المتقلّبون، فإنّهم غير واضحين وغير صريحين، يميلون تارة إلى الله الحقيقيّ الأوحد وتارة إلى الآلهة الوثن، بحيث ينطبق عليهم قول الله تعالى فيما بعد في سفر الرؤية: “إنّك لستَ حارًّا ولا باردًا، ولأنّك لست حارًّا ولا باردًا بل فاتر فإنّي كدت أن أتقيّأك من فمي”. “
وتابع غبطته ” إذا ما عدنا اليوم إلى ذواتنا في هذا العيد المبارك وفحصناها ألا نرى أنّ كلام النبيّ إلياس ينطبق علينا؟ نعيش اليوم في عالم يجهل الله بل يتجاهل الله ويسعى إلى إلغائه من حياته بطرق متنوّعة لأنّ إنسان اليوم لا يريد أن يكون خاضعًا لله لأنّ الله في نظره يسلبه حرّيّته وكرامته ولا يحقّق له سعادته. ولو أنّ الإنسان يتوقّف عند هذا الحدّ قد يكون منطقيًّا مع ذاته. غير أنّه لا يكتفي بأن يتخلّى عن الله بل يتخلّى عنه ليتعبّد لآلهة أخرى كثيرة وليستبدل بسلطة الله سلطات بشريّة متنوّعة وليخضع لسلطان أشياء مادّيّة وبشريّة كثيرة. حين نجعل من المال إلهًا ومن الجنس إلهًا ومن الظلم إلهًا ومن الكبرياء إلهًا. بل حين يجعل البعض منّا من الشرّ ومن الشرّير إلهًا (عبدة الشيطان)؟ لا بل حين يسمح البعض منّا لأنفسهم أو نسمح نحن لهم بصمتنا وخوفنا وتلكّؤنا بأن يستهزئوا بالله بوسائل ووسائل لا سيّما الدعائيّة والتجاريّة منها؟ وياليت الذين تخلّوا عن الله وأقصوه عن حياتهم قد حصلوا بذلك على مبتغاهم من صفو الحياة! قلق وخوف وفقر واستغلال وظلم وحرب…
لذلك تدعونا الكنيسة اليوم إلى أن نصحّح مسارنا الإيمانيّ، أن نجدّد إيماننا بالله الواحد، بيسوع المسيح الواحد، بالروح القدس الواحد، بالمعموديّة الواحدة، بالكنيسة الواحدة. تدعونا الكنيسة إلى أن يكون لله مكانًا في حياتنا، متحلّين بغيرة النبيّ إيليّا ومتذكّرين قوله لبني ملّته: “ألعلّه ليس إله في إسرائيل حتّى تذهبوا وتستشيروا بعل زبوب؟” (2 مل 1: 3). “إلى متى أنتم تعرجون بين الجانبين؟”.
وإذا ما أردنا الآن أن نعرف السرّ الذي كان يجعل من النبيّ إلياس نبيًّا غيورًا وجدنا أنّ الله كان حيًّا في قلبه وحاضرًا بقوّة في حياته. لاشكّ أنّ النبيّ إلياس قد لقّب بالحيّ لأنّ التقليد الكتابيّ يخبرنا أنّه ارتفع إلى السماء ارتفاعًا من دون أن يموت وأنّه سوف يأتي قبل مجيء المسيح ليهيّىء له مجيئه وقد قال المسيح إنّه جاء في شخص يوحنّا المعمدان، إلاّ أنّ ما هو أهمّ من ذلك وأنفع لنا هو أنّ النبيّ إلياس حيّ لأنّ الله كان حيًّا فيه، لأنّه كان عائشًا على الدوام في حضرة الله تعالى، لأنّ الله كان على الدوام حاضرًا في حياته، ساكنًا فيه، في عقله وفي قلبه، حتّى إنّنا نستطيع أن نرى شبهًا بينه وبين القدّيس بولس الذي قال عن نفسه لست أنا أحيا بل إنّما المسيح هو الذي يحيا فيّ، و”إنّ التبشير رسالة موضوعة عليّ والويل لي إن لم أبشّر”. أجل، فحيث يكون الله تكون الحياة والذين يكون الله معهم وحاضرًا في حياتهم لا يذوقون الموت. “لو كنت ههنا لما مات أخي”. قالت مريم ليسوع يوم مات أخوها لعازر. ومار إلياس حيّ لأنّ الله الحيّ معه.”
وختم “أعايد وأهنّىء أبناء عين كفرزبد فردًا فردًا بعيد شفيعهم العظيم، ولاسيّما الذين يحملون اسمه. وأسأل لنا جميعًا أن نقتدي به لنكون بأعمالنا وأقوالنا، بالغيرة والشجاعة، شاهدين صادقين وأمينين ليسوع المسيح إلهنا ومخلّصنا وسائرين على درب القداسة. ونهنّىء ونعايد المؤمنين في الرعايا والكنائس والأديار التي أنشئت على اسم النبيّ إلياس. نهنّىء ونعايد شاكرين كلّ الذين أتوا اليوم ليشاركونا في هذه الصلاة.
وكلّنا معًا نعايد ونهنّئ راعي الأبرشيّة سيادة المطران يوحنّا عصام، وكذلك حضرة الأب إلياس خادم هذه الرعيّة الغيور، وجميع معاونيه من وكلاء وشباب ومربّين ومرنّمين وأخويّات ونشاطات على العمل الجميل المتكامل المتماسك الذي عملوه لإحياء تذكار شفيعهم إلياس النبيّ. هكذا يكون العمل ناجحًا حين نكون يدًا واحدة وقلبًا واحدًا، حين نكون رعيّة واحدة. في كلّ مجتمع مكامن ضعف ومكامن قوّة، أماكن ضوء وأماكن ظلّ، وعلينا أن نركّز على مكامن القوّة وأماكن الضوء وأن نعمل على تخفيف وإزالة الضعف والظلّ متحلّين بالرجاء الذي لا يُخزي كما يعلّمنا القدّيس بولس. رسالتنا نحن المسيحيّين هي أن نسعى إلى أن نعيش نحن بالسلام والفرح وإلى أن نعطي السلام والفرح للناس جميعاً في عالم تجعله الخطيئة يتخبّط في الخصومات والمنازعات والحروب. هذه رسالتنا لا نتخلّى عنها مهما حصل لأنّها مبنيّة على وصيّة السيّد المسيح بأن نحبّ بعضنا بعضًا، لأنّها مبنيّة على وصيّة المحبّة التي هي رباط الكمال والتي لا تسقط أبدًا كما يعلّمنا القدّيس بولس. وأهل كفرزبد رباطهم المحبّة ومحبّتهم لا تسقط أبدًا.آمين.”
وفي نهاية القداس قدّم كاهن الرعية ومجلس الرعية ووكلاء الوقف قلادة السيدة العذراء الى غبطة البطريرك عربون محبة وتقدير واحترام، كما قدموا ايقونة السيدة العذراء والسيد المسيح الى المطران عصام يوحنا درويش عربون شكر لرعايته الدائمة، وقدمت أخوية حاملات الطيب أيقونة النبي الياس لغبطته.
وبعد القداس انتقل غبطته والمطران درويش والحضور الى مستوصف البلدة القريب من الكنيسة، حيث استمع الجميع الى شرح من الدكتور يوسف ساسين عن أعمال التأهيل والتجديد، وبعد مباركة المياه نضح غبطته أرجاء المكان بالماء المقدس وقدّم له الفريق العامل في المستوصف أيقونة، كما قدموا للمطران درويش أيقونة.
وانتقل الوفد الى بلدة كفرزبد حيث زار غبطته كنيسة مار شربل في يوم عيده، وكان في استقباله خادم الرعية الأب وديع الجردي الذي رحب بغبطته، كما كانت كلمة لصاحب الغبطة اكد فيها ان كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك تعيّد في عيد القديس شربل وكل أعياد القديسين بعد ان أقر ذلك السينودس المقدس، واختتمت الزيارة بترنيم طروبارية القديس شربل.
وزرا غبطته والوفد المرافق منزل الدكتور يوسف ساسين، حيث كان في استقباله الشيخ حمزة شكر والكهنة وأبناء البلدة. وكانت كلمة للشيخ شكر رحب فيها بغبطته بإسم العيش الواحد في كفرزبد ، وكان رد من البطريرك عبسي بأن وحدة العيش في المنطقة هي مصدر قوة للجميع، وقدّم الطفل نجيب نجل الدكتور يوسف ساسين أيقونة العائلة المقدسة لغبطته، والتقطت الصور التذكارية مع الحضور.
ختام الزيارة كان في حفل عشاء أقامته الرعية في مطعم الشمس عنجر على شرف الزائر الكبير والوفد المرافق، أحياه القنان جو معلوف. وألقى الأستاذ ملحم الحكيم كلمة الرعية، والأستاذ جورج مينا كلمة البلدة، ورئيس البلدية دوري مينا كلمة ضمنها مشاريع البلدية، وكلمة لخادم الرعية الأب الياس ابراهيم شكر فيها مساهمة الجميع في هذا الحدث التاريخي.
الاثنين 22 تموز 2019