عقد اليوم في بيروت مؤتمر “النهوض بالزراعة في لبنان”، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وقد مثله وزير الزراعة الدكتور حسن اللقيس، في حضور 400 مشارك تقدمهم وزراء ونواب ومسؤولون، بالإضافة إلى الخبراء والهيئات الزراعية والشركات المتخصصة وغيرهم من المعنيين بتطوير القطاع الزراعي.
ونظم المؤتمر وزارة الزراعة والمكتب الاقتصادي لرئاسة مجلس الوزراء والاتحاد العام للنقابات الزراعية في لبنان واتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان، بالتعاون مع “مجموعة الاقتصاد والأعمال”.
وتحدث في الافتتاح نائب الرئيس التنفيذي لـ”مجموعة الاقتصاد والأعمال” فيصل أبو زكي، رئيس الاتحاد العام للنقابات الزراعية يوسف محيي الدين، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة (وزير الاتصالات) محمد شقير، وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، وزير الصناعة وائل أبو فاعور ووزير الزراعة ممثلا راعي المؤتمر.
وقال أبو زكي: “كلنا أمل أن يكون إنعقاد هذا المؤتمر بالمشاركة الحكومية الواسعة ومشاركة ممثلي القطاع الزراعي ووزارة الزراعة والشركات والعديد من الخبراء وأصحاب التجارب في الزراعة اللبنانية بداية جديدة وعنوانا لتحول نوعي في التعامل مع هذا الملف الوطني الذي يطاول مئات الآلاف من اللبنانيين”.
أضاف: “إن لبنان وبسبب تراجع القطاعات الإنتاجية ونشاطات التصدير بدأ يعاني عجزا كبيرا في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات، وأحد العوامل التي تساهم في تزايد هذا العجز التراجع الكبير مع مرور السنوات لمساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي في مقابل تزايد واردات لبنان من المنتجات الزراعية وغيرها. لذلك فإن أحد الرهانات الأساسية في مجال تعزيز إنتاجية الاقتصاد اللبناني ونموه هو، من دون شك، إحياء الاقتصاد الزراعي وتوفير الحوافز لإستقطاب الإستثمارات وإدخال التقنيات الحديثة وتعزيز تنافسية المنتجات اللبنانية في الأسواق الخارجية. وفي هذا السياق، يدخل موضوع حماية الإنتاج المحلي من التهريب والاغراق وتصويب إتفاقات التجارة الحرة في مقدم الأولويات، بحيث تأخذ في الإعتبار ليس فقط مصلحة المستورد بل، في الدرجة الأولى، مصلحة المنتجين المحليين”.
وختم: “على رغم كل هذه الظروف غير المؤاتية والتراجع المتزايد لدور الزراعة في الإقتصاد غير أننا شهدنا ولا زلنا نشهد مبادرات خلاقة عدة قام بها لبنانيون في مجالات الاستثمار الزراعي أو التصنيع الحديث للمنتجات الغذائية”.
وقال محيي الدين: “ثمة ثلاثة عوامل ترافق تطورات الوضع الزراعي حاليا في لبنان، هي: الظروف الاقتصادية الصعبة التي اصابت كل القطاعات الاقتصادية، لكن الوقع الأقوى للأزمة كان على القطاع الزراعي لأنه الحلقة الأضعف.
ثانيا، ترافقت المصاعب الاقتصادية مع إطلاق تقارير اقتصادية مثل تقرير ماكينزي وتوصيات المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان، ثم جاء خطاب رئيس الجمهورية ليضع النقاط على حروف الأزمة عموما وفي القطاع الزراعي خصوصا. والأهم هو المراجعة التي أجريت في شأن الاتفاقات التجارية التي وقعها لبنان وأهمية إعادة النظر فيها.
ثالثا، دعيت الهيئات الزراعية مطلع عام 2018 الى اجتماع انبثقت عنه لجنة تحضير لمؤتمر النهوض بالزراعة في لبنان، الذي نستهدف من خلال عقده إيجاد منصة نقاش مشتركة مع المعنيين والتي شملت كبير مستشاري رئيس مجلس الوزراء الدكتور نديم المنلا، ووزارة الزراعة واتحاد الغرف والمجلس الاقتصادي والاجتماعي”.
وأضاف: “نتوقع أن يخرج المؤتمر بتوصيات تشكل ورقة عمل للقطاع، وخصوصا أن معنا اليوم ممثلين لنحو 76 تعاونية زراعية و27 نقابة زراعية إضافة الى عشرات المهندسين والاتحاد العام للنقابات الزراعية والاتحاد العام للتعاونيات”.
وقال الوزير شقير: “كان اتحاد الغرف اللبنانية على الدوام داعما أساسيا للقطاع الزراعي ولم يتوان يوما عن الدفاع عنه والعمل على حمايته وتطويره وزيادة تنافسيته، بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية ولا سيما وزارة الزراعة وكذلك مع المنظمات غير الحكومية. وأغتنم المناسبة اليوم لأوجه التحية الى رئيس لجنة الزراعة في اتحاد الغرف الصديق رفلة دبانة لنضاله الطويل ولحركته التي لم تهدأ خدمة للقطاع الزراعي”.
أضاف: “لا يخفى على أحد التقصير الحاصل حيال الزراعة في لبنان، والتراجعات التي اصابت القطاع والخسائر التي تكبدها نتيجة توقف التصدير البري عبر سوريا الى الدول العربية ولا سيما الخليجية التي تشكل السوق الرئيسية لمنتجاتنا. لكن، نحن اليوم أمام مرحلة جديدة وأمام فرصة حقيقية يجب الافادة منها للنهوض بالقطاع، نعم، الفرصة تتجسد بالشراكة القوية بين القطاعين العام والخاص في مؤتمرنا اليوم، الفرصة تكمن في الحاجة الى القطاع الزراعي لانقاذ إقتصادنا الوطني، الفرصة أيضا بدعم أركان الدولة القوي للزراعة من ضمن رؤية استراتيجية تضمنتها خطة ماكينزي”.
وأضاف: “مؤتمرنا يكتسب أهمية خاصة، لأنه أيضا يتزامن مع الجهود التي يبذلها أركان الدولة وخصوصا الحكومة ورئيسها سعد الحريري لانقاذ الوضعين المالي والاقتصادي، بحيث بات القطاع الزراعي يشكل إحدى الدعائم الاساسية للنهوض. من هنا فإن المسؤوليات مضاعفة للخروج بتوصيات واضحة وقابلة للتطبيق، ترسم من خلالها خارطة طريق للقطاع الزراعي للسنوات المقبلة، ولا سيما لجهة زيادة مساهمته في الناتح المحلي وتنمية الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل وأعمال وتنمية الأرياف وتثبيت الأهالي في أرضهم”.
واقترح ان “يتبنى المؤتمر تشكيل لجنة دائمة تعمل تحت رعاية وزارة الزراعة مهمتها متابعة تنفيذ التوصيات مع كل الجهات المعنية وان يكون مقرها في اتحاد الغرف اللبنانية”.
وقال الوزير بطيش،: “لا استقرار بعيدا من محورية قطاعات الإنتاج، ولا نمو وازدهار وبحبوحة من دون أن نعيد الإعتبار إلى زراعتنا وصناعتنا وسياحتنا والخدمات المتميزة بجودتها ونوعيتها وفرادتها وقيمتها المضافة العالية. لقد أهمل القطاع الزراعي طويلا تحت أعذار شتى حتى بات يسهم بأقل من 3 بالمئة من إجمالي الناتـج المحلي”.
أضاف: “لنا في دراسة ماكينزي خارطة طريق يمكن الإرتكاز عليها ووضع آليات عملية لتنفيذها. فهذه الدراسة دعت الى تعزيز التكنولوجيات الحديثة ودعمها من أجل تحسين إنتاج المحاصيل وجودتها. قد شددت على أهمية تعزيز الأبحاث الزراعية وتجديد خدمات الإرشاد وتوجيه المزارعين بما يضمن بالتالي الجودة والأمن الغذائي. ولأن استنهاض هذا القطاع، كما غيره، يحتاج إلى سلسلة خطوات مترابطة، لا بد من إحصاء الأراضي الزراعية وتسجيلها، وتشجيع رؤوس الأموال على الإستثمار في الزراعة وضمان حسن إدارة المياه على المستويات كافة”.
وتابع: “أما موضوع تشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية، وهي من توصيات ماكينزي، فأتركها للتوافق السياسي ومعايير الضبط والإنضباط في زراعتها وحصادها وتسليمها. كل هذه الاقتراحات وغيرها تحتاج إلى سياسة وطنية واضحة تضع استراتيجية عمل للنهوض بالقطاع، يصار إلى تفصيلها ووضع آلياتها ضمن المؤسسات، لنشرع بعدها جميعا في العمل والإنتاج”.
واستهل الوزير أبو فاعور كلامه بسؤال: “هل لبنان بلد انتاجي أو إستهلاكي”، وعاد بالوقائع إلى “عهد الأمير فخر الدين الذي شجع التجارة ولكنه شجع الزراعة والصناعة واقام توازنا بينها، فلماذا لا نستلهم عهد الأمير فخر الدين؟”.
ثم تحدث عن “الظروف الاقتصادية التي أثبتت أن الاعتماد على القطاعات الخدمية والريعية لم تؤد إلى أي نتيجة”، وعرض “بعض الأرقام على الميزان التجاري مدى السنوات القليلة الماضية”، مستنتجا منها أن “الواردات تزيد بوتيرة عالية، بينما ثمة نمو في الصادرات على رغم المعوقات”.
ووضع “عناوين أساسية للعلاج ترتكز على دعم القطاعات الإنتاجية وتوفير مختلف الحماية لها، وإعادة النظر في الاتفاق الموقع سواء على صعيد اتفاق التيسير العربي أو على صعيد الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي”.
وقال الوزير اللقيس: “كلنا أمل ان نخرج من هذا المؤتمر، بتوصيات جريئة، تطرح افكارا بسيطة في بنيتها، وجذرية في فاعليتها، تصب في مصلحة الزراعة في لبنان، تعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتستقطب التمويل من المستثمرين، والجهات الدولية المانحة. إن القطاع ألزراعي في لبنان، لم يأخذ الإهتمام الذي يستحق، وهو يعاني معوقات بنيوية مزمنة، والتي تستدعي معالجة مختلفة، تحدد مكامن الخلل، وتقترح الحلول الملائمة. وهذا يتطلب رؤية واضحة، وقرارات جريئة، كذلك يستدعي تضافر جهود جميع المعنيين في هذا القطاع الحيوي، الذي نعمل لتطويره ليأخذ مكانته في الاقتصاد اللبناني”.
أضاف: “من أجل ذلك باشرنا بإجراء مشاورات نعمل على معالجتها عبر تطوير استراتيجيات العمل، مع جميع الأفرقاء، من المزارعين، والقطاع الخاص، والنقابات وغرف التجارة والصناعة والزراعة، وشركائنا من المنظمات الدولية، من أجل تحديد التوجهات والأولويات التي نحتاج اليها لتطوير الاستراتيجية الزراعية، لإدراج الزراعة ضمن الرؤية الاقتصادية الجديدة للحكومة اللبنانية. إننا نسعى الى بلورة سياسة زراعية واضحة، ترتكز على تشجيع الاستثمارات، وتبني السياسات المحفزة والملائمة لنقل التكنولوجيا في الزراعة، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية اللبنانية ذات القيمة المضافة، وتفعيل الرقابة على سلامة الغذاء للمستورد كما للمصدر، وتحسين فاعلية خدمات الإرشاد ونقل المعرفة الى المزارعين والمنتجين، والولوج الى أسواق جديدة تحتاج إليها منتجاتنا، وتطوير التعليم الفني الزراعي ووضع مناهج جديدة تتلاءم والتطور التكنولوجي، وتحسين فاعلية إستخدام الري، وانشاء البرك الترابية، مع المحافظة على إستدامة إدارة الموارد الطبيعية واستخدامها. وإننا نعي تماما أهمية استقطاب الشباب للإستثمار في المشاريع الزراعية الواعدة، إضافة الى الدور المحوري للنساء في الزراعة والغذاء. ونولي أهمية قصوى لتطوير قطاع تربية الاحياء المائية البحرية والنهرية، وتحديث قطاع صيد الأسماك عبر وضع الأطر القانونية الملائمة لتنظيمه وللإستثمار فيه”.
الثلاثاء 24 أيلول 2019 الوكالة الوطنية للإعلام