كتب الاب عبدو رعد:
لم تعد تكفي الصلاة.
في الرابع عشر من أيار 2020، منذ أيام، رفع العالم الصلاة من أجل خلاص البشرية من الوباء… ليست المرة الأولى التي يصلي فيها الناس ويصومون.
ولكن… مكانك راوح!
ألم يسمع الله أم أن هناك عطلا في الصلاة؟
بالنسبة للبعض، الصلاة بلا فائدة من حيث أنه لا وجود لإله، إنما الطبيعة تسير ضمن نظامها، والبشر يتقلّبون مع تقلبات الزمن، وهم صانعو الخير أو الشر.
بالنسبة للبعض الآخر، الصلاة لا تغير في مشروع الله المكتوب سابقا، إنما تجعل الناس متّحدين روحيا ومفكّرين أكثر بعضهم ببعض، وتدعوهم إلى زخّ روح التضامن والتعاون.
بالنسبة لآخرين فإن الصلاة لا تقدم ولا تؤخّر بسبب اختلاف الحضارات والثقافات. فنحن، في الشرق مثلا، وبشكل عام، نعتبر أنفسنا شعوبا مؤمنة ومصلية، ومتدينة، متمسكون بالقيم والعائلة، فيما الغربيون تخلوا عن القيم بنظرنا. أما الغربيون، عموما، فيؤكدون أنهم يعيشون بالاحترام وينعمون بالسلام، ولا تصل نسبة الفساد في بلدانهم إلى 10% من نسبة الفساد في بلادنا.
بالنسبة للمتشددين، فالصلاة المشتركة، هي بدعة. فالأديان والمذاهب متناقضة وكل واحد يرى أنه لا خلاص إلا في دينه وصلاته. ويزداد الأمر تعقيدا عندما يقوم المتشددون بتكفير بعضهم البعض. المتعصب من هذا الدين أو من ذاك، ومن هذا المذهب أو من ذاك، يريد ارتداد الآخرين إلى ما يؤمن به هو، وإلا فهم كفرة وصلاتهم بلا فائدة، لا بل شر لا خير فيه!
أما بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين الذين يعبدون الله بالروح والحق في كل مكان وزمان، فالصلاة صلة البشر بالله وقوته معهم للخلاص أرضا وسماء.
ولكن كم هو عدد هؤلاء؟
كم شخصا فعلا صام في 14 أيار، بعيدا عن الواجب والفلكلور، وحدد وقتا لصلاة خاصة فردية نابعة من القلب؟
أظن أن العدد قليل.
على كل حال، نعود إلى السؤال: ألم يسمع الله صوت هؤلاء، أم أن هناك عطل في الصلاة؟
لا شك بأن هناك عطل ما. ولا ينبغي التفكير كثيرا لمعرفته: الصلاة لا تثمر إلا بالتوبة. إن لم يكن في العالم توبة، فلا نفع لصلاة المصرّين على الخطيئة، لا بل صلاتهم كذب ودجل. وهذا واضح في كل الأديان. والسيد المسيح، قبل أن يقول صلوا، قال: “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات”.
لا بد إذن للعالم من التوبة. ومن أين تبدأ التوبة؟ تبدأ من رأس الهرم.
هل تذكرون صوم نينوى؟ ذاك الصوم الذي خلص المدينة من الهلاك ومن الغضب بعد أن صعد شرها أمام وجه الله. بمجرَّد أن سمع الملك نداء يونان، تحرك ضميره… لم يأمر الناس بالصوم والصلاة ولم يسمعهم الوعود والعظات، بل نزل حالا عن كرسيه الملكي ونزع عن نفسه كل أنواع الفخفخة والغنى والفساد والمظاهر الفانية الكاذبة، ولبس ثوب التوبة وطهارة الصدق وجمال العدالة. ثم أعطى الأمر بالصيام وبرفع الطعام عن كل إنسان وبهيمة لثلاثة أيام…
من هنا تبدأ التوبة من نزول زعماء هذا الكون عن كراسيهم، من لبسهم المسح والتخلي عن الفجور والعنف وتجارة السلاح والدواء والبشر.
تبدأ التوبة من إعلانهم عن إنهاء الحروب والتخلي عن الجشع والقمع وسلطان المال.
تبدأ التوبة من ذاك الرئيس عما سببه من أذية لمرؤوسه وبالتكفير عن خطاياه، ومن ذاك الحاكم الذي تخلف عن القيام بواجبه وبدلا من أن يضحي بنفسه من أجل شعبه، قتله وسرق جنى عمره، غطرسة وإرضاء لشهوته.
وتبدأ من توبة كل إنسان عن أي شر صنعه تجاه أخيه الإنسان،…
ولن تصل التوبة إلى خواتيمها إلا برفض التعصب وقبول الآخر: “لا دينوا كي لا تدانوا”.
بالمختصر إن لم يتب كبار القوم، ويزول التعصب من النفوس، فسيبقى مفعول الصلاة قليلا على المستوى الجماعي.
ولكن…. أوليس الله قادرا على صنع العجائب وإيقاف المرض والشر رغم أنف الخطأة؟
للموضوع القادم، وعليكم خير… وشفاء
الأب عبدو رعد 23-5-2020