ينظر المجتمع المدني في لبنان إلى اللامركزية الإدارية باعتبارها خطوةً فعالةً لقطع ذراع أو أكثر من أذرع الفساد، إذ يُعوّل على أن إقرار القوانين المتعلقة باعتمادها يعالج الاختلال في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية العادلة والمتوازنة بين المناطق، كما أوصى اتفاق الوفاق الوطني في الطائف عام 1989.

وفي حين يربط بعض أهل السياسة والقانون في لبنان إقرار اللامركزية الإدارية بالحلول المستقبلية للمشكلات الحالية الاقتصادية والخدماتية في لبنان، يعترض عليها آخرون يعتبرونها جنوحاً نحو الانفصال والتقسيم، في ظل الواقع اللبناني الذي تتحكم به الانقسامات المذهبية، ما يُسهِم بتعزيز الهويات الفئوية التي تغذيها الأحزاب القائمة على الطائفية وتنشر ثقافتها في مناطق نفوذها لاستثمارها بغية الاستئثار بالسلطة.

ويقول وزير الداخلية السابق زياد بارود لـ«الشرق الأوسط» إن «اللامركزية دخلت الإجماع اللبناني منذ (اتفاق الطائف)، ولم تعد مطلباً فئوياً لمجموعة دون أخرى، فقد حسم (الطائف) المسألة في اتجاه اللامركزية الإدارية الموسعة بعيداً عن فكرة التقسيم أو الفيدرالية، وتشكلت بذلك عنواناً إصلاحياً جامعاً. إلا أنها بقيَتْ حبراً على ورق على رغم مشاريع واقتراحات عدة منذ تقدم النائب الراحل أوغست باخوس عام 1995 باقتراح قانون وصولاً إلى مشروع اللجنة الخاصة التي كنت رئيسها عام 2014».

وأشار إلى أن اللجنة التي تولى رئاستها «أنجزت مشروعاً متكاملاً، وإن لم يكن كاملاً. ولو أُقرّ فهو يجيب عن أسئلة عدة تتعلق بالصلاحيات والتمويل ومسائل أخرى تعزّز المناطق ولا تنتقص من صلاحيات البلديات ووارداتها. وتعزز المشاركة المحلية على مستوى الأقضية عبر مجالس منتخبة بالكامل، تأخذ صلاحيات القائمقام والمحافظ».

ويلفت بارود إلى أن «المشروع قيد المناقشة في البرلمان وفي لجنة فرعية ضمن لجنة الإدارة والعدل النيابية. وقد بلغت المناقشات مرحلة متقدمة. واليوم تتم مناقشة الشق المالي والتمويلي لأن أي صلاحيات مهما عظمت تبقى حبراً على ورق إذا لم تقترن بتمويل مناسب يعطي واردات خاصة إضافة إلى الصلاحيات التي تسمح له بالتفعيل».

ورأى أن «الفساد يسهل ضبطه محلياً لأن المجتمع المحلي والناخبين يراقبون ويسألون عن كثب. كما أن مشروع القانون يتضمن ضوابط رقابية من خلال هيئة عامة تراقب على مستوى القضاء وعلى مستوى مجلس الإدارة، إضافة إلى أنه يذهب في اتجاه رقابة مؤخّرة وليست مسبقة، ورقابة قضائية وليست إدارية».

وشدد بارود على أن «الصندوق البلدي المستقل لم يعطِ نتائج إيجابية، ويجب العودة عن هذه الصيغة واستبدال صندوق لامركزي بها، يحل محل الصندوق البلدي المستقل، مجلس إدارته مختلف، وطريقة التوزيع تعزّز واردات البلديات بنسبة 20 في المائة. كما أن في لبنان بلديات لما دون 5 آلاف نسمة، وبنسبة 84 في المائة، وبموجب مشروع قانون اللامركزية سيساعد مجلس القضاء هذه البلديات الصغيرة. كما أن عدد البلديات في لبنان البالغ 1100 بلدية كبير جداً قياساً إلى عدد السكان. والحل يكون بتعديل قانون البلديات باتجاه اتحادات لضم بعضها إلى بعض».

وفي ندوة نظمها «مركز بوليتيكا للدراسات والأبحاث»، يشير الإعلامي إيلي قصيفي إلى «الخلط المتكرر المقصود وغير المقصود بين مفهومي اللاحصرية واللامركزية، فمثلاً يتكرّر القول إن اللامركزية تساعد على تسهيل المعاملات الإدارية وتوفر على المواطن عبء التنقل من مكان سكنه إلى مكان نفوسه، وهذه صفات اللاحصرية. ويمكن أن تتولاها الحكومة الإلكترونية، فعلى السبيل المثال لا الحصر، أصبح بإمكان أي مواطن أو أي مقيم في الإمارات العربية المتحدة أن ينجز نحو 190 معاملة إدارية عبر هاتفه الذكي، علماً بأن اللامركزية تفترض مفهومياً وتطبيقياً توزيع الصلاحيات الإدارية بين السلطة المركزية، من جهة، والسلطات المحلية من جهة ثانية. وهذا تحدٍّ أساسيّ أمام إصلاح اللامركزية الإدارية».

وأوضحت مستشارة النائب سامي الجميل للشؤون القانونية المحامية لارا سعادة في الندوة أن «الحسنات والأسباب الموجبة للامركزية الإدارية تنعكس على صعيد الفرد المواطن وعلى صعيد العلاقة بين الطوائف أو المجموعات الدينية المكونة لهذا البلد. كما أن مجرّد انتخاب هذه المجالس وليس تعيينها يشكل نقطة إيجابية مفصلية، ويفتح الطريق باتجاه محاسبتها، بعيداً عن العلاقة الانتفاعية الحالية بين المواطن المحتاج إلى خدمة حياتية والمسؤول، نائباً كان أو وزيراً. كما أن أهمية انتخاب مجلس محلي تكمن في أن هذا المجلس هو من المنطقة نفسها، وعلى علم بتفاصيل احتياجاتها. وهذه الحالة غير موجودة اليوم بوزير معيّن مثلاً يريد إطلاق مشروع في منطقة ليست منطقته».

واعتبرت سعادة أن «تطبيق اللامركزية الإدارية سيغير الدورة الاقتصادية حكماً، لوجود برنامج تطوير اقتصادي محلّي يلحظ نمو القطاعات في المنطقة كلها ويخلق فرص عمل جديدة للشباب في منطقتهم ويساهم باستقرارهم فيها، ما يعني التخفيف من زحمة السير تلقائياً لعدم ضرورة التنقّل، وسيكون له مردود على انخفاض في أسعار الإيجارات والعقارات عموماً، ومردود على تخفيض كلفة المعيشة لأنها في المناطق أقل منها في المدن والعاصمة».

وأضافت: «لن تكون هناك مشكلة قروض إسكان لأن الكلفة تكون قد تدنّت ولا حاجة للقروض، ما يحرّر المواطن من حاجته إلى الوساطة لحل مشكلاته الخاصة أو المحيطة به. وعلى صعيد العلاقة مع المجموعات، لم تعد هناك اتهامات متبادلة بين المجموعات بالمسؤولية عن تأمين الخدمات، لأن المجموعة نفسها مسؤولة عن تأمين خدماتها لمجتمعها، ما يعني التخفيف من التشنّج بين المكونات في البلاد».

الشرق الأوسط – سناء الجاك – الاثنين 1 نيسان 2019

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *