الراعي: من حقّ اللبنانيّين أن يعرفوا من فجّر مرفأ بلدهم!

تساءل البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة اليوم الأحد من بكركي: “أين المسؤولون السياسيّون عندنا من فضائل الرحمة والعدالة والإنصاف؟ لكي يوفّروا المساعدات لشعبنا المتزايد فقرًا وعوزًا يومًا بعد يوم بسبب سياستهم وفسادهم، وهو يحتاج إلى غذاء ودواء ومحروقات؟”، مجدداً، بعيدًا من بقاء نظام الدعم أو إعادة النظر فيه، “اقتراحنا باعتماد البطاقة الإجتماعيّة الإلكترونيّة، فيتمكّن شعبنا من الصمود بانتظار الفرج”، معتبراً أنّه “لا بدَّ للمجلسِ النيابي الذي أقرَّ قانونَ “الدولار الطلّابي” من أن يتابعَ وضعَ المراسيمِ التطبيقيّةِ للقانون بالتفاهمِ مع الهيئاتِ المصرفيّة ليُصبحَ نافذًا فعلًا ويَخرجَ من إطارِ المزايداتِ السياسيّة”، مشيراً إلى أنّ “أهالي الطلّاب وهؤلاء يعيشون مأساةً بسببِ ارتفاعِ الدولار وينتظرون الفرج”، كاشفاً عن أنّ “الكنيسة من جهتها تنظّم وتنسّق المساعدات على كامل الأراضي اللبنانيّة من خلال مؤسّساتها، ومن خلال البطريركيّة والأبرشيّات والرعايا والرهبانيّات والأديار والمنظمات والجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة والإنمائيّة”، موجّهاً التحية لـ”الشباب والشابات وجميع المتطوّعين العاملين في قطاع المحبّة الاجتماعيّة”.

وفي الملف الحكومة، تساءل: “هل من مبرّر لعدم تشكيل حكومة جديدة تنهض بلبنان الّذي بلغَ إلى ما تحت الحضيض والانهيار اقتصاديًّا وماليًّا ومعيشيًّا وأمنيًّا، وتعيده إلى منظومة الأمم؟ أين ضميرهم الفرديّ وأين ضميرهم الوطنيّ؟ ماذا ينتظرون أو يضمرون في الخفاء؟ وفي كلّ حال لبنان وشعبه وكيانه فوقهم جميعًا، وصامد بوفائه وكرامته!”.
وتابع: “مع ذلك، مهما كانت الأسباب الحقيقيّة التي تؤخّر إعلانَ حكومةٍ جديدة، فإنّا ندعو رئيسَ الجمهوريّةِ والرئيسَ المكلَّفِ إلى تخطّي جميع هذه الأسباب، وإتخاذ الخطوة الشجاعة وتشكيلِ حكومةِ إنقاذٍ استثنائية خارج المحاصصة السياسيّة والحزبيّة. لا تَنتظِرا اتّفاقَ السياسيّين فهم لن يتّفقوا، ولا تَنتظِرا انتهاءَ الصراعاتِ الإقليميّة فهي لن تنتهيَ. ألِّفا حكومةَ الشعب، فالشعبُ هو البدايةُ والنهاية، وهو الذي سيحسم بالنتيجة مصير لبنان”.

وحيّا الراعي “الأربعين دولة ومؤسّسة التي شاركت في مؤتمر باريس “لدعم الشعب اللبنانيّ” المنعقد الأربعاء الماضي، شاكرينهم ورئيس فرنسا وأمين عام الأمم المتّحدة. وقد لاحظنا بأسفٍ كبيرٍ غيابَ حكومةِ لبنان لأنَّ لا حكومةَ عندنا. إنَّ أخطرَ ما نتعرّض له اليوم هو تَخطي العالمُ لبنانَ كدولةٍ، وبالمقابل تعاطيه مع شعبِ لبنانَ كشعبٍ منكوبٍ تُوزَّعُ عليه الإغاثات. يَــحُــزُّ في نفوسِنا وفي كرامتِنا أن نرى مُعدَّلَ الفُقر قد ارتفع من 28% إلى 55% خلالَ سنةٍ واحدة. فأين لبنانُ الازدهارِ والبحبوحة والعزّة؟ ويَــحُــزُّ في نفوسِنا أيضًا أنَّ البيانَ الختاميَّ لمؤتمرِ باريس تحاشى ذكَرَ كلمةِ “الدولةِ اللبنانيّةِ”، وتوجّه إلى الشعبِ اللبنانيِّ دون سواه”، متسائلاً: “ألا يَشعُر المسؤولون في لبنان بالخجل؟”.

وتساءل عن العدالة التي تُظهر حقيقة إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، فقال: “أين إنصاف أهالي الضحايا والمنكوبين والمتضرّرين؟ مرّت أربعة أشهر ولم يَعرف اللبنانيّون شيئًا عن نتائجَ التحقيق. وكلّما تأخّرت الحقيقة، كلّما ازدادت التساؤلاتُ والشكوكُ، خصوصًا وأنَّ هذا التأخيرَ ترافقه من جهة تصفياتُ أشخاص أمنيّين وآمنين في ظروف مشبوهة، كان آخرها في قرطبا منذ ثلاثة أيّام، ومن جهة أخرى إشكاليّاتٌ حول الصلاحياتِ القضائية، كأن المعنيّين بالتحقيقِ يَرمُون المسؤوليّةَ على بعضِهم البعض فيما الشعبُ يَنتظر، ويكاد يفقد الثقة بقضاء حرّ وشجاع، حريّ به أن يعطي جوابًا للشعب وللعالم. إنّ مِن حقِّ اللبنانيّين أن يَعرفوا مَن فَجّر مرفأَ بلدِهم، مَن دَمّرَ جُزءًا من عاصمتِهم. مَن قَتل أبناءَهم وأطفالهم وأباءَهم وأمّهاتِهم. مَن شرَّدهم وأفْقرَهم ورماهُم في الشارع؟ إنَّ الصمت أحيانًا رديفُ الرَيْبة، والتأخير رديف الكِتمان”.

وتابع، في عظته: “وممّا يعزّي الشعب اللبنانيّ ويشجّعه على الصمود، قرب البابا فرنسيس منه، وقد أُسعدت بلقائه السبت الماضي. فشعرت بمدى إهتمامه بلبنان وقضيّته وشعبه، وبحرارة صلاته وعاطفته، وبعميق حزنه لانهيار لبنان الحاصل ولمآسي الشعب عامّة والمسيحيّين خاصّة من جرّاء إنفجار مرفأ بيروت. ورفعت له تقريرًا مفصّلًا عن كلّ هذه الأمور، وعمّا تقوم به الكنيسة على مستوى خدمة المحبّة الإجتماعيّة، وتنسيقها عبر هيئة “الكرمة”. وقدّمت لقداسته اقتراحات حلول، وفي مقدّمتها أن يكون لبنان بلدًا حياديًّا بعيدًا من الصراعات الإقليميّة والدوليّة ومجتمعًا متضامنًا يلعب فيه الجيل الجديد دوره في صناعة المستقبل. وفي هذا المجال أكّد قداسة البابا استعداده للقيام بما يلزم مع الدول المعتمدة لدى الفاتيكان والمؤسّسات الدولية لدعم لبنان والحفاظ على دوره ورسالته في هذا الشرق. ونأمل أن يعبّر عن قربه وتضامنه بزيارة إلى وطننا الحبيب لبنان، ونرجو أن تكون قريبة”.

وختم متضرّعاً: “فيا إله الرحمة، ارحم شعبك، وعلّمنا ثقافة الرحمة، لنربّي عليها أجيالنا الطالعة، بعيدًا عن الحقد والتفرقة، فوطننا قائم بهويّته على التعدّدية الثقافيّة والدينيّة، والعيش معًا بروح الأخوّة والتضامن والتعاون”.

الأحد 6 كانون الأول ديسمبر 2020 موقع النهار

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *