ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قداس الاحد في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه المطرانان حنا علوان وأنطوان عوكر، في حضور القنصل الفخري لجمهورية موريتانيا ايلي نصار وعائلة الراحل أنطوان بخعازي، وألقى الراعي عظة بعنوان “من تراه العبد الأمين الحكيم” (متى 24: 23)، قال فيها: “
نحتفل معكم بهذه الليتوجيا الإلهية، وهي حضور الله معنا من خلال كلامه الحي الي ينير عقولَنا وضمائرَنا، ومن خلال ذبيحة المسيح الإله المتجسد لفدائنا، ووليمة جسده ودمه لحياتنا. الإفخارستيا هي سر الإيمان الي يسند ضعفنَا، ويساعدنا على الصمود بوجه الصعوبات والمحن. فالدمار الي أحدثه انفجار المرفأ يرتسم أمامَ أعيننا مع كل تداعياته ونتائجه. والقضاء يقلقنا بصمته عن الأسباب والمسببين، وعن نوعية الإنفجار: أعدوانا كان، أم عملا إرهابيا، أم نتيجة إهمال وتغاض. فمن حق المتضررين معرفة كل ذلك، لكي يتمكنوا من التفاوض مع الشركات للحصول على ما يحق لهم من تعويضات. والدولة مطالبة بإعطائهم الجواب. وها نحن أمام انفجارين، بالأمس: واحد في منطقة طريق الجديدة، وآخر في الأشرفية، أوقعا ضحايا وجرحى. نصلي لراحة نفوسهم وعزاء أهلهم، وشفاء الجرحى ونتساءل: ما هذه الظاهرة من الإنفجارات والحرائق الدورية، وما أسبابها الحقيقية؟ وهل يجب على المواطنين أن يعيشوا باستمرار في دوامة الخوف والقلق والإهمال؟
ويتعاظم قلقنا إذا تعثر تكليف شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة، وبخاصة إذا تعثر تأليف حكومة إنقاذية، غير سياسية، وتكنوقراطية، تتمكن من المباشرة بالإصلاحات في البنى والقطاعات، وفقا لتوصيات مؤتمر CEDRE (نيسان 2018). إن ضمانة نجاح التأليف هي العزم من قبل الجميع على تجنب التسويف، ووضع الشروط، وافتعال العقد غير الدستورية وغير الميثاقية، من أجل قضم الدولة وإبقاء مصير لبنان مرهونا بصراعات المنطقة واستحقاقاتها التي لا تنتهي. وهذه مشكلة وطنية خطيرة عندنا لا حد لها إلا باعتماد نظام الحياد الناشط الذي يعيد للبنان هويته، ومكانته، ودوره الحضاري في سبيل السلام والإستقرار في الداخل وفي المنطقة. في هذا السياق يجب أن يبقى أي تفاهم حول تأليف الحكومة العتيدة ضمن منطوق الدستور والميثاق. فلا يحق لأي فريق أن يتخطى الدستور، ولآخر أن يتنازل عنه، ولآخر أن يشوه النظام الديمقراطي.
الشعب يدين المسؤولين وكل الجماعة السياسية، وقد نبذهم علنا بمظاهرات وحراك وثورة لم تتوقف، بل تمهل، من دون أن تهمل، لا تجنيا على السياسيين والمسؤولين، بل لأنهم هم الذين أوصلوا بلادنا إلى حضيض الجمود والبؤس المالي والاقتصادي والمعيشي، وضربوا المصارف وجعلوا الشعب يتسول أمواله على أبوابها، من دون أن يحصل ولو على قليل يسد به حاجاته الغذائية والطبية والتربوية وسائر استحقاقاته.
إنهم بذلك يسهلون الإنقضاض أكثر فأكثر على الشرعية والدستور والنظام. ما يضعنا أمام عملية إسقاط للدولة المركزية والتغاضي عن نشوء حالات تؤثر سلبا على وحدة لبنان. إننا ندين كل هذه الممارسة السياسية التي تضحي بلبنان ونموه واستقراره وبحبوحته الأصلية على مذبح مصالحهم وخياراتهم الخاطئة. لن تكون عندنا حكومة يثق بها الشعب والأسرة الدولية، إذا لم يتعالَ الجميع عن كل ما هو مكاسب ظرفية، سياسية كانت أم مادية، وعن المحاصصة.
ما هو الطعام الي يجب على العبد أن يعطيه في حينه لأهل بيت سيده (متى 24: 45)، سوى حاجات الشعب وحقوقه الأساسية لكي تتأمن له حياة كريمة في وطنه، فلا تعاوده تجربة هجرته؟ تأتينا اليوم عطية سماوية بالنفط والغاز في بحرنا، لذا نحتاج إلى دولة قوية وحكومة قادرة على إجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين دولتي لبنان وإسرائيل. أهمية هذه المفاوضات في أن تؤدي إلى اتفاق يعزز سلطة الدولة اللبنانية المركزية، التي من شأنها أن تسيطر على حدودها الدولية المثبتة في خط هدنة سنة 1949 أساسا، وعلى ثروات النفط والغاز، وتسهر على عدم محاصصتها وتوزيعها وتبديدها. بل تكون في عهدة الدولة لتفي ديونها وتطلق عجلة النهوض الإقتصادي والمالي والمعيشي.
أمام استفحال وباء كورونا عندنا وازدياد عدد الوفيات والإصابات، مع تراجع إمكانيات مواجهته، نجدد الدعوة إلى الإلتزام بالحجر الصحي وبتوجيهات وزارتي الصحة والداخلية والتقيد بوسائل الوقاية والحماية. وإننا إذ نصلي لراحة نفوس كل ضحايا هذا الوباء، وَلشفاء المصابين عندنا وفي العالم، نأسف لسقوط ضحايا وجرحى آخرين، في حرب العالم بغنى عنها، هي المشتعلة في إقليم ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا وكأنه لا يكفي ما تسبب به وباء كورونا من ضحايا. نأمل ونصلي أن تفلحَ الجهود الدولية في تثبيت وقف إطلاق النار وإيجاد حلول ديبلوماسية وسياسية، رحمة بالمواطنينَ الأبرياء، وصونا للسلام في المنطقة والعالم.”
الأحد 11 تشرين الأول 2020