أنطون الفتى – وكالة “أخبار اليوم” – يبدو أن قَدَر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لن يختلف كثيراً عن مصير من سبقه من رؤساء فرنسا، وغيرها من الدّول، الذين “تعلّموا من كيسهم” في نهاية المطاف، بعدما خدعوا أنفسهم، وأضاعوا وقتهم وأوقات شعوب كثيرة في المنطقة، بإمكانية القيام بتسويات مبدئية مع إيران، ليجدوا أنفسهم في وقت لاحق، في سجون السخرية.
فماكرون نفسه اعترف، قبل أيام من زيارته الثانية للبنان، بوجود قوى إقليمية “فاسدة”، ستتسبّب باندلاع حرب أهلية، وبتقويض الهوية اللّبنانية إذا تُرِك لبنان في أيديها. فكيف يقبل بنسج تسوية مع الفساد، عبر تلك القوى الفاسدة، فيما يدعو اللّبنانيين الى محاربة الفساد؟ والى أي مدى لم ينتبه الرئيس الفرنسي الى أن تلك القوى الفاسدة، جعلته أضحوكة ومهزلة، انطلاقاً من إسقاطه في تسوية مع فسادها؟
2008
شبّه مصدر مُطَّلِع “الواقع الحالي بمرحلة عام 2008، عندما احتلّ “حزب الله” بيروت من خلال ما سُمِّيَ بأحداث 7 أيار، والتي عُقِدَ على إثرها مؤتمر الدوحة، وانتُخِب الرئيس ميشال سليمان بفعل التسوية”.
وأوضح في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” أنه “طوال الفترة التي كانت تحصل فيها المحادثات في الدوحة، لم يحصل أي تفاهم على حلّ، ولم تتقدّم المفاوضات ولو قيد أنمُلة، وذلك لأن الورقة اللّبنانية كانت في يد السوريين والإيرانيّين، رغم الضّغط الأوروبي والغربي للوصول الى حلّ”.
وأضاف:”في ظلّ الجوّ الملبّد هذا، أتى الحلّ فجأة، وصدر اتّفاق الدوحة بطريقة سريعة أثارت استغراب الجميع. وبالتقصّي عن الحقيقة، علمنا أن أمير قطر آنذاك، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، اتّصل بالرئيس السوري بشار الأسد، وبالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وقال لهما إنه لن يسمح بفشل مؤتمر الدوحة، لأن ذلك يعني أن دولة قطر فشِلَت، وهدّدهما بسَحْب استثماراته من سوريا وإيران إذا لم يخرج المؤتمر بمقررات تخدم المصلحة اللّبنانية. وبسبب ذلك، سهّلت دمشق وطهران الحلول بعد معاندة كبيرة، وتمّ التفاهم الذي انتُخِب على أساسه الرئيس ميشال سليمان كرئيس للجمهورية”.
دور قطر
وأشار المصدر الى أن “فرنسا تلعب حالياً الدور الذي قامت به قطر في عام 2008. وهي هدّدت إيران بتركها بلا أي غطاء تجاه الأميركيين، ولا سيّما في ما يتعلّق بإعادة فرض العقوبات عليها من ضمن الأمم المتحدة، وهو ما دفع طهران الى القيام بشيء من الحلحلة في الملف اللّبناني، والى الضّغط على “حزب الله” ليقبل بالتسهيل”.
واعتبر أن “نجاح فرنسا يتوقف على مدى قدرة باريس على متابعة واستكمال خطواتها، خصوصاً أن الأهداف الفرنسية مختلفة عن الإيرانية. فباريس تريد تشكيل حكومة لبنانية مستقلّة، فيما أبرز ما تريده طهران هو تشكيل حكومة لبنانية بإيعاز فرنسي لا أميركي. وبذلك، تكون فرنسا احتفظت بانتصار خارجي، فيما الحقيقة تقوم على أن إيران تتحكّم بالتفاصيل الداخلية الدقيقة لتلك الحكومة، وهو ما سيظهر من خلال البيان الوزاري الذي سيصدر، والذي سيحمل لفتة واضحة الى المقاومة. فضلاً عن أن “حزب الله” يرفض الخروج الكلّي من مقاعد مجلس الوزراء”.
ورأى أن “فرنسا تتلهّى حالياً بالقشور الخارجية للملف اللّبناني، بينما تعمل إيران على السيطرة على لبّه الداخلي. أما الأميركيون، فيهمّهم أن يتركوا الفرنسيين ينغمسون في الوحول اللّبنانية، عارفين أنهم سيُعلنون فشلهم في وقت لاحق، وذلك رغم تنسيق ماكرون مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الملف اللّبناني. ولكن الأكثر دهاءً من الإثنَيْن هو الطرف الإيراني الذي يُعطي من “اللّسان حلاوة”، فيما يعمل على أمور أخرى، متّكلاً على سلاح “حزب الله” وفائض قوّته، لإفشال كلّ الأطراف الإقليمية والدولية في الداخل اللّبناني”.
وختم:”لا نتّجه الى إيجابيات في الملف اللبناني، خصوصاً أن التشكيل الحكومي حصل من ضمن مسار تهديدي فرنسي لإيران، ولأطراف لبنانية رسمية، على مستوى رفيع. وسيتلقّن ماكرون درساً من خلال الملف اللّبناني، يعلّمه أن لا مجال للثّقة بالإيرانيّين، ويفضح له التفاوت الكبير بين سياساتهم الظّاهرة والباطنية”.
المصدر: وكالة أخبار اليوم
الثلاثاء 1 ايلول 2020