ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم وحنا علوان، بمشاركة المطران مطانيوس الخوري والأب فادي تابت والقيم البطريركي في الصرح الأب طوني الآغا وأمين سر البطريرك الأب شربل عبيد، في حضور عدد من أساتذة الجامعة اللبنانية.
بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب”، قال فيها: “الوحدة الداخلية هي الأساس في حياة العائلة والمجتمع والدولة، بل وفي كل جماعة منظمة. عندما شفى الرب يسوع ذاك الأعمى الأخرس، اعتبر الفريسيون أنه طرد منه الشياطين لأنه رئيس الشياطين. لكن هذا مخالف للمنطق البديهي. فهل يعقل أن يطرد شيطان شيطانا؟ فكانت كلمة الرب التعليمية: كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه، لا يثبت”.
أضاف: “هذه الحقيقة يعرفها الجميع، واختبرها كثيرون سواء في الحياة الزوجية والعائلية، أم في الحياة الاجتماعية، أم في الدولة. نحن في لبنان، بسبب الولاءات للخارج والاستتباعات والخلافات على الحصص، والخروج روحا ونصا عن الدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في مؤتمر الطائف، أصبحنا مشرذمين مفككين وفاقدي الثقة بعضنا ببعض حتى وبالدولة والمسؤولين السياسيين، كما يعرب شبان وشابات الثورة. فلا يمكن الاستمرار في هذه الحال التي شلت عمل المؤسسات، وأمعنت في الانقسام السياسي، وأهلكت الحياة الاقتصادية، وأفرغت الخزينة، ورمت الشعب في حال الفقر والبطالة والحرمان. فلا من سبيل إلى الخروج من هذه الحال إلا بالعودة إلى نظام الحياد الناشط المثلث الأبعاد كما سنرى”.
وقال: “يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، أنتم أيها الحاضرون معنا في كاتدرائية الكرسي البطريركي في الديمان، وأنتم الذين تشاركوننا روحيا عبر محطة تلي لوميار – نورسات، والفيسبوك وسواهما. فأرحب بكم جميعا مع تحية خاصة إلى أساتذة الجامعة اللبنانية الحاضرين معنا، الحريصين على أن تظل جامعة وطنية تجمع في كلياتها وفروعها أساتذة وطلابا من مختلف المناطق والانتماءات والطوائف، وترسم صورة حقيقية وواقعية عن ميزة العيش المشترك في لبنان. هذا ما عبرت عنه كنيستنا المارونية في مجمعها البطريركي المنعقد من سنة 2003 إلى 2006، في نصه السابع عشر: الكنيسة المارونية والتعليم العالي. فأنشأنا لجنة للتنسيق والتعاون مع رئاسة الجامعة. لكن الأمور خرجت عن إطار هذا التعاون مع الرئاسة الحالية. فثمة حاجة إلى إصلاح بعض الخلل فيها من مثل: غياب سلطة القانون وخضوعها للاستنسابية، تغييب دور مجلس الجامعة الذي هو الشريك الأساسي والأهم في إدارتها منعا لسيطرة فريق على الآخرين، ولتجيير القرارات لمصلحته الشخصية أو لمصلحة طائفته أو حزبه؛ تعيين عمداء بالتكليف بدل التعيين بالأصالة وعلى قاعدة اختيار الأصلح والأكثر نزاهة وحيادا وكفاءة، اعتماد تأجيل بت قضايا أساسية، وهذا ينذر بالانفجار”.
أضاف: “أمام هذا الواقع، بات ملحا أن تنظر الحكومة والمجلس النيابي بروح المسؤولية في أمور هذه الجامعة الرسمية الوحيدة، لترسما لها رؤية جديدة في دورها ووظائفها وحضانتها للمبدعين من مختلف المكونات الاجتماعية. فتختار لها أفضل قيادة، رئاسة ومجلسا. هذه الجامعة التي تضم تسعة وسبعين ألف طالب، وسبعة آلاف أستاذ، ونحو أربعة آلاف موظف، و16 كلية، وخمسين فرعا جامعيا، وثلاثة معاهد عليا للدكتورا، إنما تحتاج حقا اهتماما كبيرا من الدولة وحماية وتعزيزا”.
وتابع: “احتفل الجيش اللبناني أمس بيوبيله الماسي وقد مرت 75 سنة على تأسيسه. فيطيب لنا أن نقدم معكم أخلص التهاني لقائده العماد جوزيف عون، وسائر القادة والضباط والأفراد، راجين لهذه المؤسسة الوطنية دوام التقدم والازدهار من أجل حماية لبنان وشعبه. وإذ ندعو اللبنانيين إلى الإلتفاف حوله، والشباب إلى الانخراط في صفوفه، فإنا نفاخر بكفاءته وقوته وشجاعته التي تؤهله ليكون حامي الوطن إلى جانب المؤسسات الأمنية الأخرى. ونهيب بالدولة أن تمحضه ثقتها، وتؤمن له كل حاجاته وبسخاء. ويحتفل الإخوة المسلمون بعيد الأضحى المبارك. فإنا نهنئهم بالعيد، سائلين الله عز وجل أن يفيض عليهم بركاته خيرا وسلاما وحياة كريمة”.
أضاف: “من أجل بناء وحدتنا الداخلية، وحماية كياننا اللبناني، والاستقرار، دعوت للعودة إلى نهج الحياد الناشط الذي تأسست عليه سياسة لبنان الخارجية منذ الاستقلال الناجز سنة 1943. لهذا الحياد ثلاثة أبعاد متكاملة ومترابطة وغير قابلة للتجزئة: الأول، هو عدم دخول لبنان قطعا في أحلاف ومحاور وصراعات سياسية، وحروب إقليمية ودولية. وامتناع أي دولة عن التدخل في شؤونه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكرية. الثاني، هو تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرية الشعوب ولا سيما القضايا العربية التي تجمع عليها دولها والأمم المتحدة. لبنان المحايد يستطيع القيام بدوره في محيطه العربي، وهو دور مميز وخاص وتحقيق رسالته كأرض التلاقي والحوار بين الديانات والثقافات والحضارات. الثالث، هو تعزيز الدولة لتكون دولة قوية عسكريا بجيشها، تدافع عن نفسها بوجه أي اعتداء، اكان من إسرائيل أو من أي دولة سواها، ولتكون دولة قوية بمؤسساتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخلية، فتوفر الخير العام وتعالج شؤونها الداخلية والحدودية بذاتها”.
وختم الراعي: “لست أدري إذا كان أحد يعنيه حقا خير لبنان وشعبه، وضمانة وحدته، وعودته إلى سابق عهده المزدهر، يرفض هذا الحياد الناشط أو يشكك فيه أو يدعي أنه لا يلقى إجماعا أو يعتبر أن تحقيقه صعب. وفي كل حال، إن من يسعى يصل دوما بالاتكال على الله”.
الأحد 2 آب 2020 الوكالة الوطنية للإعلام