بلدية زحلة – في مرتفعات زحلة ورد. يطل من تلة “عين القرداح” على واحد من أروع المشاهد لمدينة زحلة. ولكنه أيضا يختزن قصة علاقة توطدت بين زحلة والورد، لم يكتب لها أن تستمر لفترة طويلة، فكادت تمحى من الذاكرة، لولا هذه الفصول التي أخبرنا إياها صاحب ال”وردات” السيد حبيب نمير.
على مساحة تسعة دنمات، سبعة منها مزروعة بال”جوري”، يمتد الحقل الذي يقطر إنتاجه، ليكون الوحيد الذي يحمل توقيع “الورد الزحلاوي”، بعد أن كانت شهرة زحلة بقطافه تفوق شهرة قرى بقاعية أخرى…
وهذا ما يجعل نمير يحمل عمليا أمانة آخر علاقة تربط مدينة زحلة بالورد وزراعته، خصوصا أنه لم يتمكن من نقل هذا الاهتمام الى أي من أبنائه “الناجحين” في بلاد “الانتشار”…
وفقا لنمير يقترن وجود الورد في زحلة باتساع مساحة الكروم في مرتفعاتها. إذ أن الورد لم يكن يزرع إلا كسياج يحدد ممتلكاتها.
ولما كان في كل بيت بزحلة تقريبا كركة، كانت النسوة والأولاد ينشغلون ب”تحويش” الورد، ليقطر ويستخدم منزليا.
في مطلع القرن التاسع عشر عرف مخايل والد حبيب نمير بضمانه قطف الكميات التي تسيج الكروم، وتقطيرها ومن ثم بيعها الى معامل الحلويات.
من الأشخاص الذين عرفوا بصناعة ماء الورد حينها أيضا، يتذكر نمير كل من جوزف شديد، وخليل شديد الذي كان يشغل خمارته في شهر أيار لتقطير الورد، وتشرين في شيل العرق. فيما كان ميشال قرطاس يجمع هذا الورد ويسفره الى الولايات المتحدة.
اختفى الورد من مرتفعات زحلة حوالى سنة 1948. ويتحدث نمير هنا، عن وباء ضربه مع كروم العنب، حملته أرجل خيول قوافل الجيش الفرنسي والإنكليزي التي اتخذت من المرتفعات مراكز عسكرية لها.
حينها بحث صانعو الحلويات عن مصادر أخرى للورد فوجدوه في قصرنبا ونيحا وبدنايل وغيرها.
ولما كانت هذه الزراعة قد دخلت بقوة في الدورة الزراعية، قرر نمير التوجه الى الورد كإنتاج زراعي. فزراعته سهلة كما يقول، وهو لا يحتاج للري، ويكفي نكش تربته المرضعة مرتين في السنة، ومن ثم انتظار الإنتاج.
ينظر نمير الى حقل الورد الذي يملكه في المقابل، كفصل آخر من فصول حياته التي بدأت بعد تقاعده من وظيفته المصرفية، وضمها الى اهتماماته بمواسم الصنوبر والكرز واللوز. فيعيد لها الفضل في الحفاظ على شبابه الدائم، على رغم سنوات عمره التي بلغت ال 90.
يزهر شباب السيد نمير خصوصا كلما أزهر الورد مجددا، ولذلك يقول “تعاهدت مع ربي أن أتجاوز المئة عام بكل صحة وعافية”. رافضا الحديث عن إحباط مع مواسم الورد. صحيح أن جائحة كورونا هذه السنة، وما تسببت به من تراجع عالمي في طلب الورد لصناعة الحلويات، جعلت الإنتاج يزبل و”يفلت” في أرضه، ولكن الورد سيزهر مجددا في السنة المقبلة مهما كانت الصعوبات، ولن يحمل سوى الأمل بتجدد الحياة واستمرارها.
الخميس 21 أيار 2020 بلدية زحلة