تحت عنوان “الفقراء وثمن الوباء” كتب الأب عبدو رعد:
في كل حرب وخلال أي وباء…
هم، هم، الفقراء يدفعون الثمن أولا!لماذا؟بكل بساطة،…
لأن الفقر يفقد الانسان المناعة بجميع أنواعها: لا يستطيع الفقير أن يشتري ما هو ضروري لا للغذاء، ولا للسكن، ولا للطبابة.
لا يستطيع أن يسافر إلى مكان آمن عند الضرورة. وإن اختلفت نسبة الفقر من فقير إلى آخر، إلا أن كل إنسان لا يكفيه معاشه (أو مدخوله) لتأمين الضروريات الصحية والسكنية والغذائية يعتبر فقيرا.لأن الفقر يجعل الانسان عبدا عند الاقطاعي (صاحب رأس المال اليوم) ويزداد الطين بلة عندما يكون صاحب رأس المال هو الحاكم! فالعبيد هم دوما في الواجهة الأمامية خلال الحروب والأوبئة التي يمكن أن نعتبرها حربا من نوع آخر،
فهم الجنود والعمال المجهولون الذين يقومون بأصعب الأعمال وينفذون الأوامر التي يصدرها المتحكمون. وبالعموم يطيع العبيد الحكام خوفا وحاجة أو مصلحة آنية، وليس لقناعة ما.
انتاجهم وحربهم وعملهم لمصلحة الزعيم.لأن السلطة التي تشرع لذاتها الأنظمة يهمها مكسبها ولا يعنيها كرامة الإنسان والعامل. فالأنظمة الحالية (خاصة في لبنان) جردت معظم الناس من الضمانات التي يستطيعون بها حماية أنفسهم، فيما وفرتها للطبقات الحاكمة بشكل فضفاض وزيادة عن اللزوم، إلى درجة أصبح فيها الحاكم ليس مصدر رزق وحسب إنما مصدر حياة أيضا للفقراء! فالثروة التي تؤمن جزء من المناعة أين هي؟ إنها في جيوب الحكام ناهبي المال بالسياسة، وفي جيوب الرأسماليين ناهبيه بالاقتصاد. لم أفهم يوما لماذا يتقاضى الحاكم راتبا قدره عشرات لا بل مئات أضعاف راتب العامل العادي؟
وماذا يعمل أكثر من غيره؟ لماذا هو محصن عن المحاكمة وهو الفاسد أكثر من غيره بكثير؟ ويمكننا القول أن الفرق بنسبة الفساد هو نفس نسبة الفرق بالراتب!لأن الحاكم أكان في الدين أو الدنيا أو المال، ناهب المال العام، يصبح متعجرفا ونازيا إلى درجة اعتبار الفقير والمريض وكل ضعيف آفة في المجتمع، كونه غير منتج، وبالتالي فإن حمايته ليست ضرورية لا بل التخلص منه هو الأفضل، ونادرا ما نجد أن أهل الدين يقفون إلى جانب الفقراء عمليا وواقعيا، إما خوفا إما من أجل مصلحة ما، أو أنه لم يعد هناك تأثير لرجال الدين على مسيرة السياسة.لأن الفقراء مغشوشون وغير مدركون لدورهم الأساسي الذي لولاه لما استطاع الظالم الاستمرار في ظلمه،
ولأنهم يظنون أن المشكلة في العالم هي الفقر، ولا يفكرون أن المشكلة هي الغنى.نعم، المشكلة هي الغنى،
وبشكل أساسي الغنى غير المشروع الناتج عن السرقة من كيس الفقير. وسنخصص مقالا للحديث عن معضلة الغنى.هل سيأتي زمن وتتغير المعادلة، يدفع فيه الأغنياء ثمن الوباء وأثمان الحروب؟ لا نريد الشر لأحد، إنما بكل بساطة ما نريد أن نقوله أنه يمكن للأغنياء دفع الفاتورة دون أن يتأثروا كثيرا.أم هل سيأتي زمن تسود فيه العدالة فيتأمن للفقراء ما هو مؤمن للأغنياء من خلال أنظمة عادلة وحكام صالحين، فيتم دفع الفاتورة معا؟ويبقى أن النظام الصالح هو الذي يؤمن المساواة والعدالة، فتكون الثروات بخدمة الجميع، ودفع الثمن عمل تعاضدي مشترك.
هذا هو التعاضد الحق ومن هنا يبدأ خلاص الانسان والكون.
الأب عبدو رعد – 9-5-2020