وجه رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب، مساء أمس كلمة متلفزة الى اللبنانيين قال فيها:
“لأنني أؤمن بالدولة العادلة. الدولة التي لا مكان فيها للحسابات الشخصية والفئوية.
الدولة التي يسود فيها منطق المؤسسات، وتتعزز فيها استقلالية القضاء المسؤول.
وقعت اليوم مرسوم التشكيلات القضائية للقضاة العدليين الذي وردني.
ولأنني أؤمن بالدولة التي تعطي الناس حقوقهم كما تطالبهم بحقوقها. الدولة التي تحترم الكفاءات.
الدولة التي يحكم فيها منطق القانون وتفي بالتزاماتها مع أبنائها، وقعت اليوم أيضا، مرسوم تعيين جميع الناجحين في مباراة كتاب العدل، إحقاقا لحقهم الذي انتظروه ما يقرب من سنة ونصف السنة.
ووقعت، كذلك، مرسوم تعيين أمناء صناديق متمرنين، في ملاك وزارة الاتصالات.
أيضا، وقعت مرسوم تعيين حراس أحراج وصيد أسماك متمرنين في ملاك وزارة الزراعة.
وقد طلبت من الأمين العام لمجلس الوزراء، إدراج بند تعيين الناجحين، في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، لوظيفة مفتش معاون، في المفتشية العامة التربوية في إدارة التفتيش المركزي.
كما أنني سأوقع تباعا، وعندما تصبح جاهزة، مراسيم تعيين الناجحين في المباريات المختلفة في مجلس الخدمة المدنية، والتي لا تكبد الدولة رواتب إضافية.
قراري هذا نابع من التزامي بقناعاتي، والتي أعلنتها صراحة منذ اليوم الأول لتكليفي، بأن منطق الدولة، هو الذي يجب أن يسود، لأن الدولة هي التي تحفظ حقوق الناس، وتحمي أبناءها، بمعزل عن انتماءاتهم، الطائفية أو المناطقية.
سأستمر بهذا النهج، لإنصاف باقي الشباب اللبنانيين الذين ينتظرون منذ أشهر طويلة، مع مراعاة واقع الدولة المالي.
لكن، كل ذلك، لا يعفي الدولة من مسؤولية خلق فرص عمل للشباب اللبناني الذي ضاقت به السبل في الخارج، بعد أن سدت أمامه الطرق في الداخل، وصارت فرصة العمل كأنها كنز مفقود.
ولذلك، فإن التركيز يجب أن ينصب على كيفية خلق فرص عمل لهؤلاء الشباب، حتى لا يخسر الوطن كفاءاتهم، وحتى لا يدفعهم الإحباط إلى الهجرة التي فقدت حوافزها وأصبح عنوانها، العيش بكرامة، هذا إن بقي للهجرة معنى في ظل هذا الانغلاق الذي تفرضه الدول على نفسها بمواجهة الغزو الوبائي”.
اضاف الرئيس دياب:”ان الخطر الوبائي الذي يجتاح العالم، يزيد علينا من الضغوط الاجتماعية والمالية، ويفرض أجندته على يومياتنا، ويتحكم بنمط حياتنا، ويحاصرنا في المنازل، لكن، كل ذلك يبدو سهلا أمام مخاطر حقيقية بخسارة أحباء لنا من أهلنا وأولادنا وأصدقائنا.المعادلة هنا لا تحتاج إلى تفسير ولا تحتمل الاجتهاد:
إما أن نخسر بعضا من حريتنا عبر الالتزام بالتدابير والإجراءات التي اتخذتها وتتخذها الحكومة، وإما أن نخسر أنفسنا والناس الذين نحبهم من حولنا.
أؤكد لكم، أن أولى أولوياتنا هي حمايتكم، من أجل حماية مجتمعنا من الانتشار المدمر لفيروس كورونا، وجميع جهودنا تتركز على إنقاذ الأرواح.
معظم المصابين لا تظهر عليهم أعراض الإصابة بالمرض، أو لديهم أعراض خفيفة، وهنا تكمن خطورة هذا الفيروس.
كانت استراتيجيتنا، منذ البداية، التصدي للفيروس بسرعة وحزم. وهدفت الإجراءات إلى السيطرة على هذه الأزمة الصحية، وتركزت جهودنا على احتواء وإبطاء سرعة الانتشار، حتى نتمكن من إعداد نظام الرعاية الصحية في لبنان، لزيادة طاقته الاستيعابية وقدرته على الاستجابة لحاجات المواطنين.
لقد كان أداء لبنان أفضل من العديد من البلدان الأخرى، على الرغم من القدرة المالية المحدودة للغاية.
هناك دلائل على لجم انتشار المرض حتى الآن، ولكننا لا نزال في منتصف مرحلة تفشي الوباء.
لقد أعلنا مرارا وتكرارا، وبشكل منتظم، ضرورة بقاء الناس في منازلهم، وفرضنا تدابير التباعد الاجتماعي الأكثر صرامة في تاريخ لبنان. وأنا اليوم أدعوكم إلى الصبر، لأن القوة الاستثنائية التي يمتلكها الشعب اللبناني هي الركيزة الأساسية لنجاحنا.
للأسف، فإن هذه التدابير ستكون لها تكاليف اقتصادية باهظة، ولذلك، فقد بدأنا بمناقشة خطة لكيفية إطلاق العجلة الاقتصادية، وإعادة فتح البلد تدريجيا. لكنني أؤكد لكم أننا لن نتسرع في اعتماد أي خطوة على حساب صحتكم.
لقد أثبت اللبنانيون مدى التزامهم، ونجحنا سويا، بالحد، قدر الإمكان، من سرعة انتشار هذا الوباء. أما الحكومة فهي تعتبر أنها قامت بواجبها تجاه الشعب وقدمت له أبسط حقوق الحماية والاستشفاء.
طبعا لم ننس اللبنانيين في الخارج، فنظمنا العودة الآمنة، لهم ولعائلاتهم، وللمجتمع اللبناني، واتخذنا كافة الإجراءات اللوجستية والطبية والأمنية لعودتهم. ونحن اليوم نقيم المرحلة الأولى من الرحلات، على أن تستأنف المرحلة الثانية في 27 من الشهر الحالي.
بلغت نسبة الإصابات 1.3 بالمئة من أصل 2656 لبناني تمت إعادتهم من الخارج، كما بلغت نسبة الإصابات 4.5 بالمئة من أصل 16 ألف فحص أجري في لبنان”.
وقال دياب:”لقد ضرب هذا الوباء اقتصاديات العالم أجمع. أما في لبنان، فتفاقمت الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المترسخة منذ عقود، وجعلت الوضع أكثر صعوبة وخطورة.
لذلك، قامت الحكومة بوضع لوائح المصنفين الأكثر حاجة لتوزيع المساعدات عليهم. وعلى الرغم من الإمكانات القليلة ومن بعض الثغرات في هذه اللوائح، إلا أننا نسعى لإتمامها سريعا على أن يبدأ توزيع المساعدات في الأيام المقبلة.
وأعلن اليوم عن إطلاق خطة التحفيز والأمان الاجتماعي بقيمة ألف و200 مليار ليرة لبنانية، سيتم إنفاقها لتغطية أعباء مواجهة وباء كورونا، ومساعدة المياومين في القطاع العام، ودعم القطاع الصحي، والمزارعين، وإعطاء المؤسسات الصناعية الصغيرة قروضا مدعومة لتحفيز الصناعة الوطنية”.
وتابع:”اليوم، تتأكد واقعية خطوة الحكومة بتعليق تسديد سندات اليوروبوند، لا لعدم احترامها التزاماتها، بل لأننا، كما قلت عند استحقاق الدفعة الأولى من السندات لهذا العام، لن ندفع للدائنين في الخارج بينما نترك المستشفيات تعاني من نقص في المستلزمات الطبية أو الغذائية أو المحروقات. وكما وعدت الحكومة في بيانها الوزاري، لقد قمنا بوضع خطة إنقاذ مالية. وما تم التداول به في وسائل الإعلام، هو مسودة مطروحة للنقاش. نحن نعمل مع شرائح المجتمع، ونسمع صوتكم، وتهمنا ملاحظاتكم. لذلك، أطلقنا نقاشا واسعا، بالتنسيق بين وزارة الإعلام والوزارات المختصة، للاستماع إلى الهيئات المدنية، والاقتصادية، والنقابية، والتربوية. هناك خسارة وقعت، ولقد عملنا على تشخيص المرض، وتحديد حجمه وعمقه، ونحن في صدد التوصل إلى الحل الأنسب. سندرس جميع الحلول المقترحة، آخذين بالاعتبار مصلحة اللبنانيين والمودعين، لتأمين راحة الشعب الذي يدفع اليوم، ثمن القرارات والاستدانة والهندسات المالية الخاطئة في السابق.
ودعوني أكون واضحا: الوضع صعب ومعقد، لكن جنى عمر الناس له خصوصية وحصانة، ولا يعود إلى أحد حق المساس بأموالهم.
لذلك، علينا العمل كفريق واحد، ولا أعني الحكومة فقط، بل جميع أركان الدولة، ومصرف لبنان، مع المصارف، لنحمي مصلحة اللبنانيين.
وبالمناسبة، وتمهيدا للمحافظة على الثقة الدولية بلبنان، وإعادة الأمل إلى شعبه، لقد باشرت وزارة المال التواصل مع صندوق النقد الدولي الذي لمسنا منه أصداء إيجابية على مشروع الخطة المالية، آخذين في الاعتبار، أولا وأخيرا، مصلحة اللبنانيين، لنحصل على دعم المؤسسات الدولية.
عرضنا المرحلة الأولى من خطتنا، الخاصة بالانتعاش المالي، على مجلس الوزراء، للمناقشة المفتوحة، في 6 نيسان 2020. تنطوي أهداف هذه الخطة الأولية على ما يلي:
أولا، قدمنا هذه الخطة الأولية قبل شهر من الموعد الذي حددناه في البيان الوزاري في 11 شباط 2020. هذه الخطة مطروحة الآن للنقاش داخل مجلس الوزراء، ومع مختلف القطاعات والخبراء في البلد.
ثانيا، هذه الخطة هي مرحلة أولى، وهي تقدم سلسلة من الإجراءات المالية، الرامية إلى تحويل عجز الموازنة إلى فائض، وتخفيض ديون الحكومة بشكل جذري. هذه الديون التي ما انفكت تزداد على مر السنين، بحيث بلغت مستوى غير قابل للاستدامة، وصل إلى 176 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ثالثا، تحدد الخطة، الخسائر المتراكمة في النظام المالي اللبناني، على مر السنين، للمرة الأولى في تاريخ لبنان. ونحن نعرض هذه الأرقام من باب الشفافية الكاملة، والتي هي السمة الرئيسية لهذه الحكومة، ولإعطاء اللبنانيين صورة كاملة عن أوضاعنا المالية، والسبب الذي يرتب علينا التضامن كشعب واحد، والعمل معا، للتغلب على الصعوبات المالية التي تراكمت على مر السنين.
رابعا، نواصل العمل، بحثا عن سبل تخفيف عبء هذه التركة، من التكاليف والخسائر المتراكمة على جميع المودعين، وخاصة المودعين المتوسطين والصغار، وسنقدم مخططا محددا حول كيفية تحقيق ذلك، خلال الأسابيع المقبلة، وكل الخيارات مفتوحة للنقاش. وأنا كنت قد وعدت اللبنانيين، بأن ودائع ما لا يقل، أكرر: ما لا يقل، عن 90 بالمئة من المودعين لن تتأثر. لكن، وبعد الدراسات المعمقة، وبناء على الأرقام العائدة إلى آخر شهر شباط 2020، يمكنني أن أعلن اليوم أن نسبة الذين لن يتأثروا لن تقل عن 98 بالمئة من المودعين.
خامسا، ما زلنا نركز على التبليغ عن الأصول والأموال المسروقة، واستعادتها، ومحاسبة الذين ارتكبوا هذا الظلم بحق اللبنانيين، وقد طلبت شخصيا أن يعود التحقيق والتدقيق إلى أشهر عديدة قبل انتفاضة 17 تشرين الأول. وستوضع هذه الأموال في صندوق خاص، يستخدم بطريقة عادلة وشفافة، للتعويض على اللبنانيين الذين أصابتهم سهام هذا الظلم.
وبمناسبة الظلم، فإن ما تعرض له مشروع خطة الإصلاح المالي، يكشف أن البعض يتعامل مع الأمور على قاعدة “عنزة ولو طارت”. وهذا يعني أن هناك من يخفي بين أحرف كلماته حسابات ذاتية، ويطلق العنان للاستنفار السياسي أو الطبقي أو الطائفي أو المذهبي، ضد عدو غير موجود”.
واوضح دياب “اعتمدت منذ البداية، سياسة النأي بالنفس عن السجالات السياسية، لأن الأزمات العميقة، الموروثة والمستجدة، تحتاج إلى جهد كبير للتعامل مع تداعياتها. كما أنني لن أنزلق إلى محاولات استدراج مكشوفة إلى معارك وهمية، تستخدم قنابل دخانية فاسدة، لم تعد تغطي رغبة البعض بالاستمرار في نهج العصبيات، والمحسوبيات، والحسابات الشخصية والمصرفية.نحن أحوج ما نكون إلى استنفار وطني، وأحوج ما نكون إلى استعادة منطق الدولة التي هي فوق الجميع.
لا توجد في قاموسي كلمة مرادفة للدولة. لا بديل عنها، ولا يمكن تجزئتها، ولا توجد تفسيرات مختلفة لها.
الدولة هي مظلة الجميع. واللبنانيون لديهم رغبة جارفة في أن تستعيد الدولة دورها، ومكانتها، وموقعها في حياتهم ويومياتهم. ولقد أثبتت الدولة أنها تمتلك القدرات، وأن اللبنانيين استعادوا ثقتهم بها، بعد أن كانت الحسابات والمصالح، قد نهشت في جسدها، حتى فقدت مرجعيتها، لصالح المصالح المبعثرة، التي أنهكت قدرة الدولة على الصمود”.
واكد دياب “أن ثقتكم بالدولة تمنحكم حصانة، وأن الدولة حاضنة وحامية للجميع، وأن الوطن يحتاج اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، إلى صمت الأحقاد، ودفن المصالح، وزرع المواطنية، وتجذير الانتماء، وتحفيز التعاضد الاجتماعي.إن لبنان يحتاج اليوم إلى كل المؤمنين به، وطنا لنا جميعا، وعلى قياسنا مجتمعين”.
وختم الرئيس دياب:”لبنان أقوى بكم وهو قادر، بفضل جهودكم، على تجاوز الأزمات العميقة، لأن بنية الدولة تحتاج إلى أعمدة الانتماء والصدق والشفافية والتعاون والتفاني وإلغاء الذات وتجاوز الفئويات… وأنا على ثقة أن الدولة ستعود قوية، بقراركم، وجهودكم، ونبذ النشاز، في السياسة والاقتصاد.عشتم وعاش لبنان”.
الجمعة 17 نيسان 2020 الوكالة الوطنية للإعلام