علي الأمين – جنوبية – يبدو ان ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري الـ 15 في 14 شباط حبلى بالمفاجآت اللوجستية والسياسية والأمنية والإقتصادية، قبل أيام على إحيائها. رغم توزيع دعوات الإحتفالية في “البيال” (سابقاً)، جرى الإعلان عن نقلها اليوم الى بيت الوسط. لا يمكن فصل خطوة الإنتقال، على الرغم من رمزيتها، عن الأحوال التي يمر بها “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري. لعله انتقال متدرج من المشهدية الجماهيرية التي كانت ساحة الشهداء مسرحها في السنوات الأولى التي تلت سنة الجريمة في 2005 ، ثم تحولت بعد ذلك الى مشهدية رسمية في احتفالات “البيال” بعد ذلك لتصبح اليوم أقرب الى مشهدية عائلية مستقبلية تحتضنها أروقة “بيت الوسط” أي في دارة العائلة او الرئيس سعد الحريري.

اسباب امنية
الإنتقال بالشكل أملته ظروف عدة تتجاوز الزمان والمكان، فبحسب مصادر مطلعة، فأن “قرار الإنتقال أتخذ سريعأ لأسباب فرضت نفسها، وفي مقدمها الموضوع الأمني ااذي لا يزال هاجساُ لفريق الحريري، وخصوصاً هذه الأيام حيث يصعب أن تتمتع منطقة “البيال” بالأمن المطلوب الذي يركن إليه المولجون بحمايته، إذ ان “بيت الوسط” جرى معالجة كل الثغر الأمنية منذ ان قطنه الحريري، ولا يخرقه أية زيارات فردية أو حشود متوقعة”. ولفتت إلى ان “همّ الوضع المالي المتعثر للحريري، لا يزال يجثم بقوة عند المعنيين بالمال، فكلفة المهرجان الضخم في “البيال” مرتفعة جداً، ويُستحسن تجنبها في ظل الضائقة المالية الخانقة التي وصلت إلى حد التخلف عن دفع رواتب الموظفين”.

وفي الشقّ السياسي يبدو ان ثمة مفاجآت تُكشف تباعاُ، ان لجهة مضمون كلمة الحريري ومنسوبها ورسائلها وتموضعها، او لجهة حلفاء الأمس وخصوم اليوم وتحديدا “التيار الوطني الحر”، و”القوات اللبنانية” لجهة الدعوات أو الحضور”.

عملية الانتقال من ساحة الشهداء وصولا الى “بيت الوسط”، هو مسار الذكرى التي اطلقت شرارات الانتقال من دولة الوصاية الى سيادة الدولة، انتقال لم يكتمل بل تصدع وتراجع ليتشكل انتقالا من وصاية الى وصاية، من وصاية سورية الى وصاية إيرانية بملامح وعناصر جديدة، تختلف في الشكل عن الوصاية السورية وتتقاطع في المضمون والجوهر معها.

تصدع سياسي للحريري
اما بشأن الوصيّ، وهنا وصيّ الدم والوصيّ على الإرث السياسي للشهيد رفيق الحريري، فان الحديث يأخذ مجرى آخر، يستبد فيه التصدع السياسي على ما عداه، ذلك أن الانتفاضة اللبنانية التي يصارع اللبنانيون من خلالها مسارات الانحدار السيادي والسياسي والمالي والحضاري للدولة والوطن، يؤكد هذا المشهد مدى التردي الذي وصلت اليه احول الدولة، والخيبة التي اصابت الكثيرين من مآل الدعوات السيادية التي اطلقتها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل خمسة عشرعاما.

كل ذلك وغيره من الارتباك السياسي والتردد يدفع “تيار المستقبل” وزعيمه اليوم الى الانكفاء عن الساحات والعودة الى البيوت، وعلى رغم الدفىء الذي يسكن البيوت لأهاليها، فان ذلك لا يقلل من شأن القضية التي كانت ولاتزال قضية وطنية لبنانية، قصدت قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والارث السياسي الذي امتدت شرايينه في كل الساحات اللبنانية، وحركت دماءه فيها حيوية لبنانية اعادت الاعتبار للوطن والدولة، حيوية ما لبثت أن تمددت واشعلت مشاعل جديدة منذ 17 تشرين ولاتزال.

تيار المستقبل ورئيسه بلا مشعل، انطفأ المشعل أو خمدت ناره وانطفأ الجمر، وجفّ زيته، وهو ما يجب أن يتضح في الاذهان وان ينكشف على انظار المريدين والتابعين، فالسياسة في زمن الثورة فعل ابداع وارتقاء لمن يرتجي التغيير والخلاص لشعبه، وهذا ما يبدو من حكايات انحسرت في سيرة الوارث، سيرة منكفئة اليوم من الساحات اللبنانية الى البيت والغرف المغلقة، مهما كانت مطلة على فناء المدينة وازقّتها التي بكت رفيق الحريري يوم مقتله، وتبكي اليوم ارثاً ضاع او يكاد.

المصدر: موقع جنوبية
الجمعة 7 شباط 2020

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *