سهى جفّال – جنوبية – في وقت استشبر بعض اللبنانيين خيرا بتشكيل الحكومة علّها تساهم في حلحلة الوضع المالي والاقتصادي، الا ان المفاجئة كانت وصول الأزمة الى ذروتها مع فرض إجراءات مؤلمة أكثر من السابق، اذ عمدت المصارف مطلع هذا الأسبوع وقبيل صدور تعميم مصرف لبنان، الى خفض سقف السحوبات النقدية مجدّداً نتيجة لتفاقم أزمة نقص السيولة بالعملات الاجنبية، لتصبح عمليات السحب النقدي المسموح بها كلّ 15 يوماً وليس أسبوعياً، بمعدّلات أدنى تبلغ 600 و500 دولار شهرياً، حتّى انّ عدداً من المصارف يسمح بسحب 100 دولار فقط شهرياً.
الوضع الاقتصادي المزري بالتوازي مع القيود التي تتفنن المصارف بفرضها على أموال الموديعين ساهمت بارتفاع منسوب الهلع لدى المواطنين على مصير ودائعهم، وخلقت تساؤلات كبيرة بشأن ما ستؤول اليه الأمور. فهل لبنان أمام افلاس حتمي؟ وماذا ينتظر اللبنانيين بعد؟
لبنان إلى أين؟
أكّد الخبير الاقتصادي والدكتور في الاقتصاد الدولي ايلي يشوعي لـ “جنوبية”، ان جميع الوقائع تشير حتى الآن ان الأزمة المالية والاقتصادية سوف تتفاقم أكثر وأكثر في الأيام القادمة، مؤكد انه “لطالما لا إمكانية لبناء اقتصاد في الوضع الراهن ولا إمكانية لجلب مساعدات مالية من الخارج لا سيما مع إصرار المجتمع الدولي على معرفة مصير المساعدات التي قدمت للدولة اللبنانية في السابق، فإن لبنان أمام افلاس حتمي، أي انه لن يعد قادرا على الدفع بأي عملة كانت، وذلك في حال لم تنجح الحكومة من إدارة ملفات داخلية قادرة ان تضخ مليارات الدولارات دون ان تكبد الخزينة المزيد من الديون”.
الى ذلك شدّد يشوعي على انه قبل استرداد الأموال المنهوبة لا يمكن القيام بأي شيئ”، مشيرا ان “ثمة رساميل تقدر بـ 5 مليارات دولار ولكنها ميتة موجودة بأماكن خاصة داخل لبنان، وتابع “لو تم صدم رساميل “الخوف” بصدمة ايجابية عبر تشكيل حكومة مستقلة لكان الوضع اختلف وتم الاستفادة منها بدلا من لجوء الناس الى وضع هذه الأموال في منازلهم”.
لا دولار والقيود المصرفية ستشتد
أوضح يشوعي ان “المصارف كانت تلبي سحوبات الناس من العملة الأجنبية نقدا خلال الأربعة أشهر الماضية من خلال استخدام احتياطاتها المودعة في الخارج بالدولار، ولكن يخطئ من يعتقد ان هذه المصارف قادرة على الاستمرار بتأمين الدولار الى ما لا نهاية، وهو ما يفسر تشديد القيود على سحوبات الدولار”. مشيرا انه “سوف يأتي يوما سوف تضطر المصارف ان تتوقف عن دفع الدولار نقدا للزبائن لأنها تكون قد استنفذت تقريبا كل احتياطاتها المودعة في الخارج”.
وحول القيود المصرفية، أكّد يشوعي أن “الأزمة ستتفاقم أكثر وأكثر، والقيود المصرفية سوف تشدد وصولا الى منع سحب الدولار نهائيا لعدم توفّره، وبالتالي سيجبر المودع على سحب أمواله بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي أي انها ستفقد حوالي الـ 40% من قيمتها (بحسب سعر الصرف في السوق الموازي). وذهب يشوعي الى اكثر من ذلك، اذ لم يستبعد أيضا أن تعمل المصارف يومين فقط في الأسبوع بدل 6 أيام في الأسبوع.
مصير الودائع
وفي سؤال حول ما إذا كانت المصارف عرضة للإفلاس، أجاب يشوعي ان “المصارف تعمل على ترتيب أوضاعها عبر فرض المزيد من القيود على السحوبات وهو ما يحميها، ولولا هذه الإجراءات لكانت أفلست منذ بداية الأزمة”، وتابع “هذه القيود التي يتم وضعها وتشديدها يوما بعد يوم تنقذهم من الإفلاس، الا انها عمليا هي مؤشر على وصول الأزمة الى منحى خطير”.
وعن مصير الودائع، قال يشوعي، انه في حال الافلاس فان هذه الأموال هي حق لا يموت، وبالتالي يتم استحصالها عندما يتحقق فائضا في الموازنات”.
سياسات مالية خاطئة
وحول أسباب الأزمات التي يواجهها لبنان، اوضح يشوعي أن الأزمة المالية الحاصلة هي أزمة مزمنة وليست مستجدة، الا انها برزت الآن في ظل تهافت الموديعون على أبواب المصارف لسحب أموالهم بسبب انعدام الثقة في النظام المصرفي والخوف على مصير ودائعهم الأمر الذي يجعلهم يطلبون بكثافة العملة الصعبة”، مشيرا انه “مع الأسف تم “دولرة” الاقتصاد بهذه الدرجة العالية مع اعتماد سياسات اقتصادية ومالية ونقدية خاطئة منذ عام 1993 حتى اليوم لم تبنِ اقتصادا ولا حتى قطاعات إنتاجية داخلية، بل بنت ريوعاً، بل اكثر من ذلك بنت هيكل استيرادي بالاقتصاد اللبناني كبيرا جدا”، وبكلام آخر لو تم بناء اقتصادا داخليا لما كنا اليوم بأمس الحاجة الى هذا الدولار كي نستمر بالاستيراد حتى الأساسيات من أجل الحد الأدنى من العيش المكتفي”.
أسباب شح الدولار
الى ذلك أشار يشوعي، ان السبب وراء زيادة الطلب على سحب الدولار نقدا سببين، الأول استيرادي ولكن السبب الثاني وهو الطلب الأعلى والأهم من قبل عامة الموديعين لأنهم يعتبرون انه كلما استطاعوا الاستحصال على دولارات نقدية كلما استطاعوا انقاذ ولو جزء صغير من ودائعهم لدى المصارف، لأنهم اصبحوا يدركون تماما ان هذه الودائع أسيئ توظيفها من قبل المصارف ان كان من خلال التوظيفات في المصرف المركزي او في اكتتابات مباشرة بسندات دين مصدرة من الخزينة اللبنانية بالليرة والدولار، مشددا انه “لم يتم استخدام هذه الأموال بطريقة مجدية خصوصا من قبل خزينة الدولة اذ تم انفاقها في موازنات عامة يتخللها الكثير من الهدر والمنافع الشخصية على حساب نوعية الخدمات ونوعية البنى التحتية، مشيرا ان “المصرف المركزي أيضا تصرف بهذه الأموال بطريقة خاطئة فصحيح انه اعطى قروضا بكميات كبيرة الا انه اعتراها مخالفات كثيرة بسبب الزبائنية ومحسوبيات وأصحاب نفوذ حصلوا على ملايين الدولارات”.
وقال يشوعي إن “المصادر الخارجية للدولار والتي كنا دائما نعتمد عليها في تزويد اقتصادنا بالعملة الصعبة هي تقتصر على تحويلات اللبنانيين العاملين والمستثمرين في الخارج، وكذلك الاستثمارات الخليجية تحديدا وأيضا الاقتراض الخارجي من خزينة الدولة، الا ان هذه العوامل شديدة التأثر بعوامل أخرى على الصعيدي الخارجي والداخلي”، وتابع “وهو ما حصل اليوم وأظهر عورات الداخل لأنه عندما لا نبني اقتصاد لا نبني صادرات التي هي المصدر الوحيد والأكيد والثابت لتأمين العملة الصعبة للاقتصاد المحلي”.
المصدر: موقع جنوبية
الجمعة 7 شباط 2020