جريدة النهار – يُعدّ الليطاني أطول نهر في لبنان، اضافة الى كونه ثروة مائية مهمّة، إذ يشارك في تأمين مياه الشرب والري للمزروعات، كما يزوّد المنطقة الطاقة الكهرومائية. علاوة على ذلك، يشكل الليطاني لبعض العائلات ركيزة مالية مهمة، على اعتبار أن بحيرة القرعون تحتوي على ثروة سمكية تؤمّن مصدر عيش للصيادين، كما يؤمّن مردودا سياحيا للمنطقة من خلال النشاطات المائية والمطاعم الموجودة على ضفافه والتي تستقطب عددا كبيرا من السياح سنويا.
إلا أن التعديات المستمرة على النهر، والممارسات غير القانونية طوال الأعوام الماضية حولت الليطاني الى مستنقع يتخذ الذباب من نفاياته وروائحه الكريهة مسكنا له. لم تؤثر هذه التعديات على صورة النهر فحسب، بل تعدّت ذلك حتى باتت تهدّد سكّان المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر. فتلوث المنتجات الزراعية وتاليا انتقال التلوث الى المستهلكين، سيؤدي إلى أمراض في الجهاز الهضمي منها التسمم الغذائي المرتبط بتلوث المياه والسلسلة الغذائية. أمّا على الصعيد الاقتصادي فالحد من النشاطات والالعاب المائية بسبب التلوث القائم سيؤثر على القطاع السياحي، اضافة الى انحسار المدخول من صيد السمك.
استنادا الى ما ذُكر، اندفعت وزارة الصناعة بكل اجهزتها للحد من التلوث الذي يستهدف النهر، وعملت على اتّباع خطة انقاذية مُحكمة، بدءا بالكشف الاولي من فريق مشترك من اصحاب الاختصاص في عدد من بلدات الحوض الاعلى والحوض الادنى للنهر. وجاءت الارقام بحسب الاحصاءات التي قامت بها الوزارة مخيفة، إذ تبين من الكشف ان 74 مصنعا كانت تخالف المعايير البيئية، وتاليا تساهم في تلويث النهر، فيما تبين ان 47 مصنعا كانت لديها الاجراءات الكافية، اي انها لم تتسبب بأي تصريف صناعي او تصريف لنفايات صناعية سائلة.
بعد الكشف الاولي، وتصنيف الصناعات الى 7 انواع بحسب الصرف الصناعي الناتج منها، اصدرت وزارة الصناعة قرارا نبهت فيه المصانع المخالفة ضمن محافظتي البقاع وبعلبك – الهرمل القائمة على حوض نهر الليطاني وبحيرة القرعون، الى ضرورة الالتزام بالشروط البيئية ووقف كل أشكال تصريف النفايات السائلة الى المجاري المختلفة ما لم تخضع للمعالجة وتكون مطابقة للمواصفات والمعايير البيئية، على أن تكون تلك الاصلاحات ضمن مهل نهائية غير قابلة للتجديد، يصار بعدها الى اقفال المؤسسات المخالفة. وتم تحديد تلك المهل استنادا الى معايير واضحة وزعت المصانع على 5 فئات: المهلة المعطاة لمصانع الفئتين الاولى والثانية كانت ستة اشهر، انتهت في 28 ايلول 2019. اما مصانع الفئة الثالثة، فكانت المهلة محصورة بأربعة اشهر انتهت في 28 تموز 2019، فيما انتهت المهلة المعطاة لمصانع الفئتين الرابعة والخامسة في 28 حزيران 2019 بعد فرصة 3 اشهر للعمل على وقف مُسببات تلويث النهر.
عند انتهاء المهل للمصانع من مختلف الفئات، قامت الوزارة بكشوفات جديدة وذلك مع انضمام مندوبين من جميع الوزارات المعنية. وبعد الكشف على المصانع للتأكد من استيفائها للشروط البيئية عبر تأمين معالجة لمياهها الصناعية، اتت النتائج افضل من السابقة. فبعد الكشف على 269 مصنعا تبيّن ان 154 منها قد استوفى الشروط عبر وضع محطات او تنظيم معالجة او عبر عدم الحاجة الى اي نوع من المعالجة، فيما المصانع الاخرى التي لم تستوفِ الشروط قررت الوزارة اقفالها. وتجدر الاشارة الى ان تلك القرارات ليست نهائية، ويمكن النظر فيها عبر تقديم طلب استرحام واجراء الوزارة كشفا جديدا يؤكد الالتزام بجميع الشروط، كما الحال مع 22 مصنعا فتحت ابوابها من جديد بعدما عملت على تسوية أوضاعها عبر انشاء محطات تحد من تلويث مياه النهر.
مع استكمال الخطة عينها وانقضاء جميع المهل والكشف وأخذ العينات من جميع المصانع في حوض الليطاني، والوصول الى نسبة 0% من نفايات صناعية سائلة في الحوض الاعلى للنهر، أبدت الوزارة مخاوفها من ان تكون الاصلاحات التي قام بها اصحاب المصانع موقتة او ظاهرية للتهرب من الملاحقة القانونية، وذلك بسبب غياب الدورات الاعدادية ودورات تبادل الخبرات للموظفين وأصحاب المصانع. كما اكدت الوزارة ان عدم توافر الموارد البشرية الكافية للقيام بالكشوفات الروتينية سيسهل على المخالفين تشويه النهر، معتبرة ان الحل الجذري لا يرتبط بفرد أو بوزارة معينة بل بالتعاون بين مختلف الوزارات لتشكيل لجان متخصصة تعمل على الكشف بشكل مستمر على المصانع الموزعة على المنطقة.
وحققت خطة وزارة الصناعة هدفها بالوصول الى صفر تلوث صناعي بعد تطبيق برنامج عمل لرفع التلوث عن نهر الليطاني وروافده والكشوفات التي تمت والنتائج وقرارات وزير الصناعة التي أوصلت الى هدف صفر تلوث صناعي عبر حض المصانع على معالجة نفاياتها السائلة قبل صرفها في مجرى الليطاني، فيما شملت الإجراءات المتخذة نطاق العمل في الحوضين الأعلى والأدنى، وبدأ العمل بالحوض الأعلى من خلال كشف أولي من الفريق المشترك على 201 مؤسسة صناعية تم تصنيفها ملوثة وغير ملوثة. وتضمنت النتائج وجود 47 مصنعا لديها إجراءات كافية، وتمت إحالة 74 مصنعا على القضاء، وما تبقى هو قيد المتابعة.
وكان وزير الصناعة وائل أبو فاعور أعلن في منتصف تشرين الثاني 2019 انتهاء عملية رفع التلوث الصناعي في نهر الليطاني، والذي شمل الكشف على 201 مصنع، وكانت حصيلته تركيب 118 محطة تكرير، واصدار 69 قراراً بالاقفال وتوجيه 22 انذاراً الى المخالفين. ولكي لا يذهب ما أنجز هباء، أعلن أبو فاعور أنه أصدر قرارا “باستمرار فريق العمل في الرقابة الدورية”، إلا أنه في الوقت عينه تخوف من “عدم المحافظة على النتيجة التي توصلت إليها الوزارة”. وإذ أكد أنه تم إجبار كل المصانع على تركيب محطات، قال: “أخذنا عينات من المحطات ويجب ان يكون الصرف الصناعي مطابقا للمواصفات، اي انه خاضع للفحوص التي يقوم بها فريق العمل، وما نخشاه هو عدم استعمال المحطات وعدم الالتزام بالمعايير”.
المصدر: جريدة النهار
الثلاثاء 21 كانون الثاني 2020