أكّد البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الراعي أنّ “الإنسانيَّة هي اللُّغة الوحيدة التي يَفهمها جميع النَّاس والشُّعوب، ويتحاورون بها. فهي تُكافِح العداوة والظُّلم والإفراط في استعمال السُّلطة؛ الإنسانيَّة تشعر بوجع الجائع والفقير والمهمَل والمريض؛ تُلطِّف العدالة والعلاقات في العائلة والكنيسة والمجتمع والدَّولة؛ إنَّها ملح السُّلطة، بدونها تُصبِحُ السُّلطة تسلُّطًا وخدمةً للذَّات والمصالح الخاصَّة ومدّ يد السَّرقة على المال العامّ وحرمان الشَّعب من حقوقه”.
وقال خلال عظة في قداس الأحد في بكركي: “لو كان عند المسؤولين في لبنان ذرَّةً من الإنسانيَّة، وبخاصَّةٍ الذين يُعرقلون تشكيل حكومةٍ يُطالِبُ بها الشُّبَّان والشَّابَّات منذ ثلاثةٍ وتسعين يومًا على الطُّرُقات وفي السَّاحات، في جميع المناطق اللُّبنانيَّة، متحمِّلين الصَّقيع والمطر، مضحِّين براحتهم وصحَّتهم، لَسَارَعُوا منذ استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال وتكليف رئيسٍ جديد، إلى تشكيل حكومة إنقاذٍ مصغَّرة، مؤلَّفة من أخصَّائيِّين معروفين، مستقلِّين عن الأحزاب وعن المدعوِّين “سياسيِّين”، الذين لا يَستحقُّون بعد اليوم حمل هذا الإسم، لأنَّهم شوَّهوا معنى السِّياسة وجوهرِها ومبرِّر وجودها كفنٍّ شريفٍ في خدمة الإنسان المواطن والخير العامّ، إذ جعلوها وسيلةً للتِّجارة في الحصص والمكاسب بإسم الطَّوائف فيما هي براءٌ منهم”.
وأضاف: “عليكم أيُّها المعرقِلُون تشكيل الحكومة، كما يُريدُها الشّعب والرَّئيس المكلَّف، تقع مسؤوليَّة مواجهة الانتفاضة الشَّبابيَّة الحضاريَّة أصلاً بثوَّارٍ خرجوا بالعصي والحجارة لمواجهتهم، ولتكسير واجهات المصارف والمتاجر العامَّة، ولرشق قوى الأمن بالحجارة. أنتم تتحمَّلون مسؤوليَّة الخزي والعار لما جرى مساء الأربعاء في شارع الحمرا، ونهار أمس في العاصمة بيروت. نحن ندين اشد ادانة هذه الاعمال لانها ليست من قيمنا وعاداتنا وشيمنا اللبنانية، وندين من وراءها.
وعليكم تقع مسؤوليَّة تنامي الدَّين العامّ حتَّى بلوغه 90 مليار دولارًا أميركيًّا، وهبوط النَّاتج المحليّ من 56 مليار دولار إلى 52 مليار دولارًا أميركيًّا، ما يعني أنَّ الدَّين العامّ يشكِّل 15% بالنِّسبة إلى النَّاتج المحلِّيّ، وهي أعلى نسبةٍ في العالم (راجع الوزير منصور بطيش في جريدة L’Orient le Jour في 17/1/2020). وعليكم تقع مسؤوليَّة صرف 18000 موظَّف من عملهم في السَّنة المنصرمة، ومنهم 9000 في أشهرها الثَّلاثة الأخيرة، وبخاصَّةٍ في كلٍّ من القطاع الفندقيّ والسِّياحيّ، ورفَعَ عدد الفقراء والعاطلين عن العمل، وبالتَّالي المهاجرين بسبب البطالة إلى 60 الفًا مقارنةً ب 32 ألفًا العام 2018 (راجع الوزير أبو سليمان في النهار 16 كانون الثاني 2020). وعليكم تقع مسؤوليَّة أزمة المستشفيات بنقص الأدوية والمعدَّات، وبالتَّالي حرمان المواطنين من حقِّهم الأساسيّ في الإستشفاء وحماية صحَّتهم. فإنَّا نُعلِي الصَّوت مع المنتفضين وكلّ المتضرِّرين، ونرفض العودة إلى سياسة المحاصصة، وتقاسم المغانم ورفع عدد الحقائب الوزاريَّة.
ووجّه الراعي أربعة نداءاتٍ:
– إلى الدَّولة، نطالبها بعدم الاستهتار بالثَّورة الشَّبابيَّة ومطالبتها بحكومة إنقاذٍ، لئلاَّ تتحوَّل من إيجابيَّةٍ إلى سلبيَّةٍ.
– إلى المعنيِّين بتشكيل الحكومة، وفي طليعتهم الرَّئيس المكلَّف ورئيس الجمهوريَّة وفقًا للدُّستور، لجعلها حكومة طوارئ تُنقِذ البلاد والعباد، لا حكومة محاصصة، لئلاَّ تفشل مثل سابقتها.
– إلى الجيش وقوى الأمن الدَّاخليّ الذين نقدِّر تعبهم وانتشارهم على جميع المناطق اللُّبنانيَّة، لبذل المزيد من الجهود لحفظ الأمن في داخل المدن ومنع التَّصادم بين المواطنين.
– إلى المجتمع الدَّوليّ، للبحث جدِّيًّا في قضيَّة لبنان، لكونه صاحب دورٍ بنَّاءٍ في منطقة الشَّرق الأوسط، بفضل ميزاته وخصائصه الفريدة”.
وتابع أنّ “هذه الدَّعوة موجَّهةٌ إلى كلّ إنسان. وهي ضروريَّةٌ في حياتنا، لأنَّ اللِّقاء الوجدانيّ بالرَّبّ يسوع يبدِّل النَّظرة ويَفتح آفاقًا جديدة. التِّلميذان اللَّذان “ذهَبَا ونَظَرا” إكتَشَفا في يسوع شخص المسيح الآتي والمنتظَر. وسمعان الذي أسرَعَ بإيمانٍ وحُبٍّ إلى يسوع حوَّله الرَّبُّ إلى “بطرس” أي الصَّخرة التي سيبني عليها كنيسته (راجع يو1: 40-42). إنَّ الأناجيل تسرُدُ لنا العديد من الأشخاص الذين التقوا يسوع بإيمانٍ وحُبٍّ فتبدَّلَت نظرتهم، وتغيَّرَ مجرى حياتهم. هذه الوجوه ما زالت تتواصل عبر التَّاريخ منذ ألفي سنة حتَّى أيَّامنا هذه. فلنرفع معهم نشيد المجد والتَّسبيح للثَّالوث القدُّوس، الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
الأحد 19 كانون الثاني 2020 موقع النهار