وجّه رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش رسالة الميلاد الى المؤمنين جاء فيها :
إلى الكهنة والشمامسة خدام الهيكل
إلى الرهبان والراهبات، ومؤمني أبرشيتنا ومؤمناتها
المباركين والمحبوبين من الرب
المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة
بهذا النشيد الملائكي، أتوجه اليكم وأعايدكم بعيد ميلاد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي تجسد من أجلنا وولد طفلا في مغارة لننعم بالخلاص الأبدي. إننا نسجد أمامه خاشعين، ونحني له قلوبنا، ونشكره لأجل محبته الكبيرة التي خصّنا بها، لأنه أحبنا حتى الصليب وتنازل ليصير واحدا منا وتنازله هذا ملأنا فرحا وقوة، وأفاض بغزارة رحمته نعمه علينا.
إن الظروف التي نعيشها في هذه الأيام، والتي حركت شباب لبنان وجعلتهم يتخطوّن حاجز الخوف فتهافتوا الى الشوارع يطالبون بمعيشة لائقة، تحتّم علينا أن ننظر الى هذه الأحداث من خلال حدث التجسد، فمعاناة الناس دعوة لنا لنعيد التفكير والتأمل بهذا السر العظيم، لأن الآلام التي نشعر بها واليأس التي يتولد فينا والخوف والقلق على مستقبلنا ومستقبل أولادنا وكل ما نعانيه في حياتنا اليومية، تحمل في عمقها وفي جوهرها الرجاء بالخلاص.
إن ميلاد المسيح هو أولا شراكة أرادها الله أن تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان وبينهما مع الله الخالق، وعملية الخلاص هذه لا تتعلق بالله وحده، إنما تتحقق من خلال مشيئته التي تتجدد باستمرار، بإرادتنا الحرة، وبعملنا اليومي، وبالنَعَم المنفتحة على عمل الروح القدس فينا، فعندما نسلمه ذاتنا نصبح شركاء معه وشركاء مع بعض في بناء الإنسان فينا وأيضا في بناء وطننا الأرضي.
الطفل الجديد هو بشرى الفرح العظيم، ففي وسط ظلمتنا وفي وسط التظاهرات التي تشهدها بلادنا، يولد المخلص، ليشرق مجده نورًا لنا: “أبشّركم بفرح عظيم، يكون للشعب كلّه: وُلِدَ لكم اليوم مُخلّص، هو المسيح الربّ”(لو2/10-11)، يولد ليبشرنا بالخلاص، ليمنحنا السلام، فمعه وحده تبدأ دوما الأزمنة الجديدة، لأن حدث الميلاد يتجدد الآن كما كان يتجدّد في كل زمن. المتجسد إذن هو نورنا في ظلمات حياتنا، ظلمات الفقر والجوع، والسياسة والانقسامات، والفساد والتفلت، والأنانية والاستقواء. يريدنا المسيح أن نكون في وسط هذه الأزمات البشرى الحسنى لزمن جديد، والنور الذي يبدّد يأسنا. هكذا نفهم اليوم بشرى الملاك: “أبشركم بفرح عظيم، يكون للشعب كله: ولد لكم اليوم مخلص، هو المسيح الرب”.
في خضم مشاكلنا وأزماتنا، يخاطبنا الطفل الإلهي ويقول لنا “لا تخافوا”. لقد استشعر خوفنا وقلقنا، فمنحنا سلامه وأكد لنا أنه معنا، يرافقنا في طريق حياتنا، فمهما كثرت العواصف وقاربت السفينة أن تغرق، يظهر لنا إذا ما ناديناه، فيأمر الرياح أن تستكين والعواصف أن تهدأ. هذا هو الميلاد الحقيقي أن نعرف أن يسوع النازل من السماء، أتى إلينا ليمنحنا الرجاء وليثبّتنا في معترك حياتنا وليؤكد لنا بأنه باقٍ معنا “كل الأيام حتى انقضاء الدهر” (متى28/20).
الميلاد أيضا يساعدنا على تجاوز خلافاتنا والفروقات الموجودة بيننا وسوء التفاهم الذي يتراكم فينا يومًا بعد يوم وهو يزيل حائط العداوة . يعلمنا أنّ الغفران هو أفضل الطرق لننظم علاقاتنا مع الآخرين، “فالمسيح هو سلامُنا، هو جعل الاثنين واحدًا ونقض في جسده حائط السياج الحاجز اي العداوة” (أفسس 2/14). إن الاعتراف بالآخر والتلاقي معه والحوار بين المتخاصمين اجتماعيًا وسياسيًا يحقّقان اهداف الميلاد، فإذا ما وجدنا في مجتمعنا من يجيد التفرقة ويزرع الشك في قلوب الناس ويطلق الإشاعات، علينا أن نلجأ إلى الميلاد لنفهم أن الله صالحنا معه بيسوع المسيح ودعانا لنصالح بعضنا بعضًا.
في العالم القديم كانت المدن محاطة بجدران عالية من الحجارة، فالعداوات كانت كثيرة بين الشعوب، وكانت الأبواب تغلق ليلاً ليشعر الناس الذين يتواجدون داخل الأسوار بالأمان. اليوم نجد ايضاً جدرانًا مثيرة، بالمعنى المجازي، تحيط بنا وموجودة بين أبناء الوطن الواحد، وترتفع أكثر فأكثر بين الفقراء والأغنياء، بين الحكام والشعب وبين أبناء البلد والمهاجرين اليه، حتى صارت بين أفراد العائلة الواحدة.
يتحدّث القديس بولس عن شفاء الجماعات المسيحيّة من مرض التفرقة هذا بواسطة الصليب، وهو يشجّع على المساواة في الجماعة الواحدة ويدعو المؤمنين الى “المحافظة على وحدة الروح برباط السلام” (أفسس4/3).
أدعوكم في هذا الميلاد أن تكونوا من “مواطني القديسين ومن أهل بيت الله”، كما أتمنى أن تكونوا دوما من حصة الضعفاء والفقراء والمحتاجين والمرضى والخطأة، وتمدوا لهم يدكم وتفتحوا قلوبكم ليشعر هؤلاء بأن كرامتهم مصانة. فالمسيحي الحقيقي هو شبيه السامري الصالح، فكل من يقترب منهم يملك نعمة لا مثيل لها وهو يلبي نداء يسوع: “كنت جائعاً فأطعمتموني وسجيناً فزرتموني، وعرياناً فكسوتموني..”.
أيها الأحباء
في ليلة الميلاد قدم لنا يسوع المسيح حبه وسلامه. فترنيمة الملائكة تُبشرُ البشر بأن السلام صار في متناول كل من يسجد أمام طفل المغارة وهو يردّد على مسامعنا ما قاله في موعظة الجبل: “الطوبى للمساكين بالروح .. الطوبى للفقراء.. الطوبى للجياع.. والطوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يُدعَوْن” (متى5/1011).
اتمنى لكم ولعائلاتكم ميلادًا مباركًا ومقدسًا، واطلب من طفل المغارة أن يمنحكم نعمة السجود بتواضع وفقر ومحبة أمام المغارة التي استقبلته انساناً مثلنا. كما أتنمى لكم سنة جديدة مباركة بشفاعة أمنا وأم الفادي مريم العذراء.
المسيح وُلد! فمجِّدوه.
الاثنين 23 كانون الأول 2019