السلطة ماضيةٌ في تأليف حكومتها: أجرفوها بالطوفان!

عقل العويط

السلطة ماضيةٌ على طريقتها، في تأليف الحكومة.

الثوّار، على طريقتهم، ماضون في المواجهة.

هل أنا محبطٌ وحزينٌ ومتألّمٌ وحانقٌ وغاضبٌ وثائرٌ، وإلى آخره؟

نعم. ولا. أمّا سبب الـ”نعم”، فلأنّ الشتاء تأخّر أكثر من اللزوم، ولأنّ السماء كانت بخيلةً للغاية، فلم تمطر جيّدًا، في الليل الفائت، وفي الليل الذي سبق الليل الفائت، ولا في هذا الصباح.

صحيحٌ أنّي أحبّ المطر، وطقوسه، وأمزجته، لكن السبب ليس هو هذا السبب.

فقد كنتُ أتوقّع، بل كنتُ أتمنّى، وأحلم، وأتضرّع، راجيًا الطوفان الذي يجرف السلطة، ورجالها، وأركانها، ورموزها، ونفاياتها، ومكبّاتها، ومجاريرها.

راجيًا الطوفان، لا أقلّ، شكلًا ومضمونًا، مع كلّ مترتّباته ومفاعيله، منذ 17 تشرين الأوّل 2019، تاريخ اندلاع الثورة، ليأخذ في جرفه الطوفانيّ كلّ أسباب محنتنا الوطنيّة، والمتسبّبين بها.

أمّا الطوفان المقصود فهو ذاك الذي يهزّ أركان السلطة، ويزلزل كراسيها، ويقضّ مضاجع أهلها، ويزجّ بهم في السجون، ويحاكمهم أمام الملأ القضائيّ العادل، ويُنزِل فيهم ما يستحقّون. فقط ما يستحقّون.

وإذا كانت السماء “تتآمر” علينا، وتنحاز إلى هذه السلطة، بحبس طوفانها عنّا، فالأرض، أرض الثوّار، مدعوّةٌ إلى أنْ تفكّر جدّيًا، وعملانيًّا، ومنهجيًّا، في استحضار الطوفان البديل من طوفان السماء.

مطلوب: طوفان الأرض، الآن، على الفور. وبلمح البصر. لكنْ بدون غلط.

وكم كان الأجدى، لو أنّ الطوفان بدأ هديره الكيانيّ أمس، وأوّل من أمس. لكنْ، لا بأس به الآن. وعلى الفور.

لقد طرحتُ في أوّل المقال، السؤال الآتي: هل أنا محبطٌ وحزينٌ ومتألّمٌ وحانقٌ وغاضبٌ وثائرٌ، وإلى آخره؟ وأجبتُ: نعم. ولا. أمّا الـ”نعم” فقد سبق، أعلاه، تعليلها وتفسيرها.

أمّا الـ”لا”، فهاكم إيّاها. لا. لستُ محبطًا. لكنّي لا أرتجي طوفانًا من سماء. بل فقط من الأرض، أرضكم، أرض الناس الطيّبين، الأحرار، الثوّار، ولا سيّما الشابّات والنساء منكنّ، كما الشبّان والرجال.

وليكن الهدف هو سحب البساط من تحت الأرض التي تقيم فوقها هذه السلطة الفاسدة، بمؤسّساتها، بكراسيها، برجالها، وبرموزها.

الأرض، بثوّارها، لا طريق أمامها، إلّا طريق الطوفان هذا.

الطوفان، له أصوله، وخططه، وأفكاره، ومنهجيّاته، وآليّاته، ومواعيده، ومواقيته.

هذا الطوفان يتطلّب من الثوّار الأحرار جهدًا ثوريًّا، عقلانيًّا، خارقًا، رؤيويًّا، تصعيديًّا، واعيًا، ممنهجًا، جامعًا، مانعًا.

الطوفان الآن. وهنا. أمّا الهدف فهو حشر السلطة في الزاوية الضيّقة والخانقة، وتشليحها الأوراق التي تملكها.

فلا طوفان يأتي من سماء. ولا طوفان يأتي من خارج.

الطوفان الوحيد، هو أنتم.

يجب أنْ تصنعوا لنا الطوفان. هذا الطوفان بالذات.

إنّها لضرورةٌ تاريخيّةٌ مطلقة، أنْ يتمّ تلقّف اللحظة التاريخيّة هذه، بموعدها الفوريّ، الذي قد لا يتحمّل أيّ تأجيل.

ختامًا، وبوضوحٍ فجٍّ، وفظٍّ، وبدون ديبلوماسيّة، وبلا تعابير منمّقة: السلطة ماضيةٌ في تأليف حكومتها. على طريقتها. وبالأساليب التي تؤمّن استمرارها، وتتيح لها في الآن نفسه شرذمة الثوّار، وزعزعة الثورة، وإخماد جذوتها.

السلطة ماضيةٌ في ازدراء أرض الثوّار، وفي تفريق هذه الأرض، وفي المكر، وفي استدراج الضغوط الموضوعيّة، والحلول التي تستنجد بالتناقضات والتعقيدات و… الوقت الضائع.

ثمّ، ختامًا، وبوضوحٍ فجٍّ، وفظٍّ، وبدون ديبلوماسيّة، وبلا تعابير منمّقة: الخسارة ممنوعةٌ. الثورة ممنوعٌ أنْ تخسر. فإيّاكم أنْ تمنحوا السلطة هذه الفرصة.

أضعكم أمام هذا السؤال: المواجهة بين خطّة السلطة وخطّة الثوّار، هل هي مواجهةٌ متكافئة؟

إذا لم تكنْ متكافئة، فيجب أيّها الثوّار أنْ تجعلوها متكافئة.

الوقت داهمٌ داهمٌ داهم.

ثمّة حاجةٌ إلى الأرض كلّها، ليكون طوفانٌ على الأرض اللبنانيّة كلّها.

جوابًا عن السؤال: هل أنا محبط؟

كلّا. بالثلاث. لستُ محبطًا، ولن أكون محبطًا، إذا استدررتم الطوفان الذي وحده يجرف السلطة، وحكومتها الموعودة، ورجالها، وأركانها، ورموزها، ونفاياتها، ومكبّاتها، ومجاريرها.

والحال هذه، لا بدّ من قراءةٍ نقديّةٍ للحظة الثوريّة، للاسترشاد بالبوصلة ولتصويب المسار.

السلطة تربح الوقت. السلطة ماضيةٌ في تأليف حكومتها.

بالطوفان وحده، ترجّفون السلطة، وتقلبون الطاولة على حكومتها الموعودة. وتجرفونها إلى حيث تُجرَف النفايات.

بالطوفان تربحون على السلطة، ويربح لبنان، أيّها الثوّار.

به، بالطوفان فقط لا غير، تربحون.

عقل العويط
المصدر: جريدة النهار 3 كانون الأول 2019

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *