ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان انطوان عوكر وبيتر كرم، امين سر البطريرك الاب شربل عبيد، في حضور النائب زياد الحواط، الوزير السابق سجعان القزي، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، الرئيس السابق للاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الاسمر وحشد من الفعاليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى الراعي عظة بعنواون “وكان عيد التجديد” (يو22:10)”، جاء فيها: “1. تاريخيا كان عيد تجديد هيكل سليمان في أورشليم على يد يهوذا الملك، بعد أن دنسه الملك أنطيوخوس بإقامة شعائر العبادة الوثنية فيه حسب عادات الأمم الهلينية. تناول التجديد إعادة بناء مذبح المحرقات والآنية المقدسة والمنارة ومذبح البخور. وكان ذلك سنة 164 ق.م. (راجع 1ملوك4: 42-52). ولاهوتيا- ليتورجيا أصبح عيد تجديد البيعة الذي نحتفل به هذا الأحد. والبيعة أو الكنيسة تعني جماعة المؤمنين بالمسيح. إنه تجديد إيماننا بالمسيح. وهو إيمان يعلن مضمونه الرب يسوع في هذا الجدال مع اليهود. فيعلن عن ذاته أنه المسيح ابن الله، وأعماله تشهد له، وأن الآب قدسه وأرسله إلى العالم، وأنه والآب واحد. في هذا التعريف يوجد كل سر المسيح. في أحد تجديد البيعة هذا، نحن نجدد إيماننا بحقيقة المسيح الخلاصية، وبالتالي بالكنيسة التي هي جسده السري.
2. يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، مجددين إيماننا بالمسيح، في ظروفٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وماليةٍ خطرةٍ للغاية. ولكننا لا نفقد رجاءنا بالمسيح الإله، الذي لن يترك سفينته تغرق، طالما نحن وشعبنا نهرع إليه بالصلاة، كما فعل التلاميذ عندما هاجت الرياح والأمواج وكادت تودي بغرق سفينتهم، ويسوع نائم في مؤخرة السفينة. فأيقظوه صارخين: “يا معلم نحن نهلك! فقام وزجر الرياح والأمواج، فكان سكون عظيم” (راجع لو24:16)، بصرخة الإيمان إياها نتوجه إلى المسيح الفادي طالبين نجاة سفينة وطننا من الغرق. فرياح المصالح عاتية، وأوصال الدولة آخذة بالتفكك، لكن شباب لبنان وشعبه متماسك بوجهها، ويبقى الفاضح الأكبر لمعرقلي قيام الدولة من أجل مصالحهم.
3. يقتضي منا تجديد الإيمان ثلاثة: أولا، أن نجعله أساس حياتنا المسيحية، ومصدر قوتها وفرحها في نشر الرسالة الإنجيلية لخير جميع الناس، فلا نتزعزع ولا نتراجع أمام مصاعب الحياة وأعداء إيماننا. ثانيا، أن نتبع المسيح القائل عن نفسه: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو6:14). فالمسيح طريق الإنسان إلى الحقيقة التي تنيره وتحرره؛ وطريقه إلى الحياة التي تشركه في الحياة الإلهية، وتعيد إليه بهاء صورة الله فيه.
ثالثا، أن نجدد الإرادة والالتزام في تقاسم الإيمان مع غيرنا، بحيث يصبح كل واحدٍ وواحدةٍ منا معلنا إنجيل المسيح من حالته وموقعه، بروح الإدراك المسؤول الذي تميز به بولس الرسول وعبر عنه بقوله: “الويل لي إن لم أعلن الإنجيل” (1كور16:9).
4. نحن اليوم في لبنان أمام عملية تجديد على صعيد الحكم والإدارة. وهو تجديد مطلوب في المؤسسات الدستورية والإدارات العامة، بالعودة إلى غايتها ومبرر وجودها، أي تأمين الخير العام والنمو الاقتصادي والمالي والاجتماعي. هذا التجديد يفرضه الفساد العارم الذي ينخر في العمق هذه المؤسسات والإدارات، حتى وصل بالدولة إلى شفير الهاوية والانهيار، كما تنبه باستمرارٍ المؤسسات الدولية والنقابات الداخلية والمصارف. لذا نناشد فخامة رئيس الجمهوية إجراء الإستشارات النيابية، وتكليف رئيسٍ للحكومة والإسراع معه في تأليفها كما يريدها شعبنا وشبابنا؛ فحال البلاد لا يتحمل أي يوم تأخير. أما دعاة التجديد فهم اليوم شباب لبنان وشعبه من كل دين وطائفة وحزب ولون. إنها ثورة حضارية بناءة لا تبغي سوى قيام الدولة اللبنانية من أجل خير الشعب وحماية الكيان. ومن المؤسف أن بعضا من الأحزاب والأفراد لا يماشي هؤلاء الشباب، فيكشف بنفسه عن نفسه أن مصالحه المادية والسياسية ومكاسبه الخاصة تعلو على الخير العام وعلى الدولة المهددة بالانهيار. لا يعتدين أحد بقوته، من أي نوع كانت، فلا أحد أقوى من الشعب وبخاصة الشباب عندما يتألب، كما هو اليوم، كالمطر الجارف. إنه واضح في مطالبه التي لا تقبل أي مساومة. الاستمرار في عرقلة تأليف حكومة جديدة تحظى بثقة الشعب، وقادرة على إجراء التجديد في الهيكليات والقطاعات، ومباشرة النهوض الاقتصادي والمالي، إنما هو حكم على الذات بتهمة الانهيار وإسقاط الدولة، ولعنة التاريخ.
5. كما طهر عيد التجديد في أورشليم الهيكل من مدنسيه الذين استبدلوا العبادة للإله الحقيقي، بعبادة الأوثان البشرية والحجرية، كذلك اللبنانيون، وفي طليعتهم الشباب، مدعوون لتطهير هيكل الوطن من عبادة الأوثان الجديدة أعني: الإيديولوجية والشخص والحزب والمال والسلطة والسلاح والنفوذ والفساد؛ ومدعوون أيضا لعبادة الله “بالروح والحق” (يو23:4). إن هذه العبادة ترفع العابدين الحقيقيين إلى قمم الروح والأخلاقية والتفاني والتجرد، في سبيل الخير العام.
6. إننا نصلي اليوم ملتمسين من الله تجديد هيكل نفوسنا لنكون لائقين بسكنى الله فينا، وتجديد حياتنا الكنسية والمسيحية على ضوء الإنجيل، وتجديد هيكل وطننا بمسؤولين مميزين بالتجرد والتفاني والعلم والكفاءة والخبرة، من أجل قيام لبنان ونجاته. فيتمجد الله الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.
الأحد 10 تشرين الثاني 2019