تحقيق عارف مغامس – راشيا – الوكالة الوطنية للإعلام –
مشهد أحراج بلدة مجدل بلهيص في قضاء راشيا، يكاد يكون الأكثر قسوة على العين والأشد وجعا على القلب، حيث امتدت يد الطغاة لتفتك بأكثر من 1500 شجرة سنديان وملول متعددة الأعمار والأحجام، في مشهد رعب يعكس غيابا كليا للضمير الإنساني وللرادع الأخلاقي وللحس البيئي، وبالطبع للمسؤولية المحلية إزاء الواقع المزري الذي حول المساحات الخضراء في تلك القرية الجبلية التي تتزيا بشجرها الأخضر إلى بقع دكناء تدمي القلب وتذكر بالمجازر التي ترتكب بحق الأطفال والنساء والرجال في أنظمة القمع والقتل والابادة الجماعية، حيث أن إبادة الشجر هو قتل لمستقبل البيئة ولحياة أرض تنعم بالسلام البيئي وبالمدى الأخضر، قبل أن ترتكب مجزرة بيئية حيث لا يزال الفاعل يسرح ويمرح معتقدا انه فوق القانون، وبمنأى عن اي سؤال أو استدعاء، وسط تراخ مقلق ازاء ابادة بهذا الحجم ومجزرة بتلك المواصفات التي لا تقارن بأي اعتداء طاول أحراج البلدة أو احراج المنطقة منذ عشرات السنين.
وفي التفاصيل أن بلدية مجدل بلهيص ممثلة برئيسها مفيد عبد الغني، قامت بتضمين وتشحيل وتزيين أحراج في البلدة الى متعهد من عائلة بشعلاني، على ان ينتهي عقد الاتفاق في العاشر من نيسان من العام الحالي، ليتفاجأ الاهالي بان أعمال التشحيل والتنظيف والتزيين تحولت إلى أعمال تنظيف من الشجر وقطع وابادة ما يقارب الف شجرة سنديان معمرة تتراوح أعمارها بين 60 و 100 سنة في منطقة تدعى شعاب الهوة، تبدأ من التلة الغربية لحقلة الزيتونة باتجاه الغرب اي ما يسمى مساريب ابو اديب وغربا حتى سير البواب في الطرف الشرقي للحرج المشرف باتجاه طريق سحمر القرعون في منطقة لا يسمع فيها أصوات الآلات ومناشير الحطب، كون المنطقة المستهدفة، والتي تمتد على مساحة واسعة في المحمية تقع في المقلب الآخر للبلدة، في وقت استمرت اعمال القطع والتشحيل لاسابيع إضافية، خارج العقد المبرم، بحسب بعض المزارعين والناشطين البيئيين من ابناء بلدة مجدل بلهيص.
فريق وزارة الزراعة الذي كشف على المحمية عاين حجم المجزرة وقدم تقريره الى الوزارة، فيما الاهالي بانتظار كشف الفاعلين ومحاسبتهم، خصوصا ان المتعهد بحسب مختار البلدة وبعض الناشطين البيئيين تجاوز المهلة المسموحة والكميات المحددة بكثير، وكان يعمل ليل نهار دون حسيب او رقيب، لا سيما ان المنطقة التي تعرضت لابشع انواع الابادة ملاصقة ومتداخلة مع المنطقة التي تم تضمينها للمتعهد، وسط دعوات ومناشدات لتحرك وزارتي الزراعة والبيئة والنيابة العامة للاقتصاص من الجناة وكل من تواطأ معهم في هذه الكارثة البيئية، وتحديد المسؤوليات، لا سيما ان البلدية هي الجهة التي قامت بتوقيع الاتفاقية مع المتعهد.
وأشار وزير الزراعة الدكتور حسن اللقيس، وفي معرض تعليقه على المجزرة التي ارتكبت في احراج مجدل بلهيص، الى انه أحال الفاعلين على النيابة العامة لاقدامهم على قطع 800 شجرة معمرة كي ينالوا عقابهم.
الى ذلك أعلنت وزارة الزراعة في بيان، أنها تقدمت بشكوى الى النيابة العامة الاستئنافية في محافظة البقاع، بجرم قطع اشجار حرجية في مجدل بلهيص.
وجاء في كتاب الشكوى: “نحيل اليكم تقرير مركز احراج راشيا – دائرة التنمية الريفية – مصلحة زراعة البقاع ومحاضر ضبط حول قطع اكثر من ثمانمئة (800) شجرة حرجية من نوع السنديان وبقطار مختلفة في املاك عامة وخاصة.
وحيث ان هذا العمل يشكل جرما جزائيا يعاقب عليه قانون العقوبات، لذلك نأمل متابعة التحقيق مع المخالفين، واننا نأخذ صفة الادعاء الشخصي بحقهم بجرم مخالفتهم قانون الغابات.
للتفضل بإجراء اللازم واحالة كل من يظهره التحقيق فاعلا ومحرضا ومتدخلا على المرجع المختص”.
ووصف مختار بلدة مجدل بلهيص ذيب خشان ما حصل بالكارثة البيئية التي حلت على محمية مجدل بلهيص، معتبرا ان ثمة قرارا يعود الى اكثر من اربعين عاما بتصنيف احراج البلدة بالمحمية الطبيعية، حيث تحوي آلاف اشجار السنديان والملول المتعدد الاحجام والاعمار، في وقت استغرب فيه عدم القيام بتكليف وتعيين ناطور من ابناء البلدة.
واعتبر خشان ان “هذه المجزرة مجزرة العصر في حرش مجدل بلهيص”، متوجها الى وزارة البيئة والزراعة للتحرك فورا لمحاسبة المرتكبين كي يدفعوا ثمن فعلتهم حتى تكون محاسبتهم موعظة للآخرين”.
وأضاف: “ان هذا الحرش عمره مئات السنين، لن نسمح بمرور هذه الجريمة مرور الكرام، ويجب محاسبة كل من تورط وتواطأ مع هذا العمل الجبان، والذي يعبر عن همجية وسرقة موصوفة”.
وقال الناشط البيئي انطون الشمعة: “ما حصل في محمية واحراج البلدة جريمة بيئية بحق شجر السنديان المعمر الذي نفتقر له كثيرا بمنطقتنا”.
وتابع: “من ارتكب هذه الجريمة متعهد من آل بشعلاني يحمل رخصة من وزارة الزراعة بتزيين وتشحيل شجر السنديان، وتحت هذه الحجة قام بقطع ما يقارب الف شجرة سنديان عمرها اكثر من 70 سنة واكثر من ألف كعب شجر فوق عشر سنوات من الحرش قدرت بحوالى 300 طن حطب والرخصة ب 30 طنا فقط.
وإذ طالب النيابة العامة والوزارات المعنية بالتحرك فورا لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة والمتورطين، لفت الى ان المتعهد ابقى الاغصان الرقيقة وما يسمى بالتشحيل في أرضها، الامر الذي يتسبب بتشويه المحمية ويعرض الاحراج لمخاطر الحريق، متخوفا من عدم متابعة هذه المجزرة، ومن تواطؤ البعض فيها، داعيا الى انزال اشد العقاب بحق المرتكبين، وناشد اهالي البلدة الوقوف يدا واحدة بوجه من تآمر على احراج البلدة وارتكب هذه المجزرة.
وعبر عدد من الناشطين البيئيين من ابناء البلدة عن استنكارهم لما جرى، واعتبروا ان ما حصل كارثي، ولن يمر مرور الكرام، وعلى النيابة العامة والوزارات المعنية متابعة التحقيقات وملاحقة الفاعلين ومعاقبتهم، كي لا يتكرر هذا الجرم، في وقت اكد فيه ناشطون ان خيار التصعيد وارد اذا لم تكشف الحقيقة ويعاقب الجناة.
السبت 21 أيلول 2019